تقارير

تقرير: الاتحاد الأوروبي يشرعن ديكتاتورية البشير عبر سياساته الخاصة بالهجرة

أمستردام – صوت الهامش

اتخذ الاتحاد الأوروبي من السيطرة على الهجرة محورًا لعلاقاته الخارجية، وعمد إلى التوسع في تدابير بشأن حدوده الخارجية بحيث تقوم دول أخرى بدور الحارس لحدود أوروبا.

وبحسب تقرير مطول نشره المعهد عبر الوطني (تي إن آي) الذي مقره هولندا، فإن الاتحاد الأوروبي رصد 35 دولة ذات أولوية في هذا الصدد لحراسة حدود أوروبا من بينها السودان.

ونبه التقرير المعنون “تعزيز حدود القلعة: السياسات والمستفيدين والشعوب في ظل برنامج الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي” – نبه إلى أن معظم الدول الـ 35 التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي في حراسة حدوده هي دول شمولية موسومة بسوء سجلها الحقوقي وضعف مؤشرات تنميتها على الصعيد الإنساني.

ولفت إلى أن الدول الأوروبية مستمرة في بيع أسلحة لتلك الدول رغم أن ذلك يغذي اشتعال مزيد من الصراعات ويؤجج العنف ويعزز القمع وبالتالي يسهم في صناعة مهاجرين جُدُد.

وشدد التقرير على أن دعم تسليح الاتحاد الأوروبي للقوات الأمنية الحدودية في تلك الدول الـ 35 قد أدى إلى ارتفاع أعداد الوفيات والمشردين قسريا، كما أدت التدابير المتخذة لسد مسار الهجرة إلى إجبار الناس على سلوك مسارات أخرى أكثر وعورة.

وفي السودان، نبه التقرير الذي اطلعت عليه (صوت الهامش) ، إلى أن الاتحاد الأوروبي عبر تلك التدابير لم يكتف بإخراج نظام ديكتاتوري سيء السمعة عن معزله الدولي، وإنما أسهم في دعم مليشيا الجنجويد ” قوات الدعم السريع” المسؤولة عن اقتراف انتهاكات حقوقية في إقليم دارفور.

وقال التقرير إن أحد أكثر الأجزاء المثيرة للجدل في برنامج إطار شراكة الاتحاد الأوروبي يتمثل في الدخول في شراكة مع ديكتاتوريات صريحة.

ويأتي السودان وإريتريا بين الدول الـ 16 ذات الأولوية التي دشن معها الاتحاد الأوروبي حوارات على مستويات رفيعة. وقد دخلت الدولتان في (عملية الخرطوم) التي تدشنت في نوفمبر 2014.

ونبه التقرير إلى أن تعاون الاتحاد الأوروبي مع إريتريا لا يزال محدودا، لكنه أكثر اتساعا مع السودان الذي يحكمه عمر البشير بالقمع والعنف منذ قاد انقلابا عسكريا عام 1989.

ويواجه نظام البشير اتهامات باقتراف إبادة جماعية وجرائم حرب معظمها بأيدي ميليشيا الجنجويد المسلحة. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارَي اعتقال ضد البشير.

وعلى الرغم من عقوبات الاتحاد الأوروبي السارية ضد السودان، بما في ذلك حظر على السلاح، إلا أنه (الاتحاد) سعى إلى تحسين علاقاته مع السودان طمعا في أن يضطلع الأخير بدور أكبر في وقف تيار الهجرة إلى أوروبا عبر أراضيه.

ويعتبر السودان بمثابة معبر مهم للمشردين قسريا، لاسيما من إريتريا وجنوب السودان المحاولين العبور إلى ليبيا أو مصر لركوب أمواج المتوسط صوب أوروبا. كما يعتبر السودان بلدًا مصدّرًا للاجئين ومحطة لآخرين.

وقدّم الاتحاد الأوروبي دعما بقيمة 40 مليون يورو لـ(عملية الخرطوم) شاملة تدريب حرس الحدود وتزويدهم بالدعم الفني والمعدات.

ومن دواعي القلق، أن حرس الحدود في السودان تقوم به بالأساس قوات الدعم السريع (الجنجويد) التي استعان بها البشير في إبادة وقمع العزل في إقليم دارفور.

وتتبع قوات الدعم السريع تعليمات جهاز الأمن والمخابرات السوداني. وبموجب قانون صدر عام 2017، فقد انضمت قوات الدعم السريع للقوات المسلحة السودانية إلا أنها ظلت محتفظة باستقلاليتها. وهي على اتصال مباشر بالبشير.

وقد كشفت منظمة (هيومن رايتس ووتش) عن ضلوع قوات الدعم السريع في انتهاكات واسعة النطاق بما في ذلك التشريد القسري لمجتمعات بأكملها؛ وتدمير آبار ومخازن غذاء وغيرها من البنية التحتية الضرورية لاستمرار الحياة في بيئة صحراوية قاسية؛ ونهْب الثروة الجماعية للعائلات كالمواشي.

وعلى رأس انتهاكات الدعم السريع ضد المدنيين، يأتي ضلوعها في التعذيب والقتل خارج نطاق القانون والاغتصاب الجماعي.

وتنفي المفوضية الأوروبية تقديم أي تمويل أو تزويد بالمعدات لقوات الدعم السريع. وربما كانت المفوضية تستند إلى آمال لا أساس لها. على أن عدم إيمانها بكلامها يظهر جليا في الطريقة التي حاولت بها الحفاظ على خططها طي الكتمان دفعًا للانتقادات. وقد وافق سفراء 28 دولة على سريّة الخطط. وحذرت المفوضية بأنه “وتحت أي ظروف لا ينبغي الإعلان عن شيء مما قيل.”

وقد أعلن قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، جهارا في مناسبات متعددة، أن قواته تتصدى للمهاجرين نيابة عن أوروبا عبر اعتقال المهاجرين والمهربين.

كما طالب (حميدتي) الاتحاد الاوروبي بمزيد من التمويل مهددًا بفتح الحدود مع ليبيا حال عدم تلبية مطالبه التي ترددت على ألسنة مسؤولين سودانيين آخرين يحتلون مناصب رفيعة في الحكومة والجيش.

ولفتت التقرير إلى تشديد حكومة البشير الخناق على المنظمات الأهلية وغيرها من المنظمات الخاصة النشطة في السودان. وللبشير تاريخ طويل من استبعاد المنظمات الأهلية الناقدة لنظامه.

ومن ثم فإن أي تمويل من جانب الاتحاد الأوروبي عبر المنظمات الأهلية سيخضع لسيطرة حكومة البشير، بما في ذلك التمويلات التي تستهدف إدارة الهجرة بشكل أفضل.

وعليه، أكد التقرير أنه لا توجد ضمانات واضحة ومقنعة بألا تنتهي أموال الاتحاد الأوروبي إلى أيدي قوات الدعم السريع، وحتى لو وُجدت هذه الضمانات، فإن هذه الأموال ستنتهي إلى دعم نظام ديكتاتوري وتعزيز قدراته على القمع الداخلي والحمل على اللاجئين.

ومنذ اللحظة التي أعلن فيها الاتحاد الأوروبي عن زيادة التعاون مع السودان على صعيد الهجرة، فإن المشردين قسريا قد عانوا تبعات ذلك. وفي يوم واحد من أيام شهر مايو 2016 واجه مئات المهاجرين الإريتريين أهوال الاعتقال والترحيل إلى إريتريا.

وفي فبراير 2017، قوبلت مظاهرة سلمية نظمها لاجئون إثيوبيون بالعنف من جانب الشرطة السودانية، وتم ترحيل عشرات اللاجئين وعقابهم بالتغريم والضرب بالسياط.

وعليه، أكد التقرير أن الاتحاد الأوروبي عبر هذا الدعم إنما يضفي الشرعية على ديكتاتورية البشير ويعضد ساعِدها.

وتؤكد كافة دراسات الحالة أن سياسة الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد باتت مهووسة بالهجرة ووسائل السيطرة عليها بغض النظر عن تكاليف ذلك على صعيد المشردين قسريا.

إن هذه السياسة القاصرة والضيقة الأفق لا تعالج جذور المشكلة وأسباب لجوء الناس إلى الهجرة من استشراء العنف والتردي الاقتصادي.

ورأى التقرير أنه قد حان الوقت لكي يغير الاتحاد الأوروبي هذه السياسة؛ وبدلا من تعزيز الحدود الخارجية وبناء أسوار، ينبغي تعزيز التضامن واحترام حقوق الإنسان.

مقالات ذات صلة