تقارير

تقرير: الحمل في زمن الحرب… سيدات جبال النوبة في خطر

جبال النوبة : صوت الهامش

سجلت الوفيات المصاحبة للحمل معدلات مرتفعة للغاية بين السيدات في منطقة جبال النوبة بولاية جنوب كردفان؛ وبحسب تقرير مشترك للأمم المتحدة وحكومة السودان عام 2006 فإن معدل الوفيات بين تلك الفئة في جنوب كردفان سجل 503 حالة بين كل مائة ألف حالة ولادة؛ بينما تشير المعارضة السودانية إلى نحو 350 حالة وفاة مصاحبة للحمل في ذات الولاية عام 2016.
وبحسب موقع (نوبة ريبورتس)، فإن تقريرا صادرا عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” أشار إلى أن السيدات في جبال النوبة لا تحصلن على رعاية طبية كافية، ولا تعرفن الكثير عن وسائل منع الحمل، وهو ما يجعلهن غير قادرات على التحكم في حدوث الحمل وكذلك في الفترة الزمنية بين المواليد، ما يتركهن وأطفالهن عرضة لمخاطر صحية قد تصل إلى الوفاة.
وتتحمل الحرب على مدى نحو ستة أعوام الكثير من اللوم في ذلك الصدد؛ فقد حال اشتعال النزاع دون وصول الرعاية الطبية اللازمة لجبال النوبة حيث السيدات الحوامل يواجهن خطر الموت إبان الولادات المتعسرة في غياب رعاية الطوارئ.
وكان سلاح الجو السوداني عام 20144 قصف خمس منشآت صحية أساسية في جبال النوبة؛ وبحسب المعارضة فإن الغارات الحكومية دمرت 24 منشأة صحية منذ اشتعال الحرب في 2011 بين جيش تحرير السودان-شمال من جهة والحكومة من جهة أخرى على خلفية وعود لم تتحقق بالحكم الذاتي عقب انفصال جنوب السودان؛ وقد حال النزاع الأهلي بين وصول المساعدات الإنسانية الخارجية إلى ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وسط اختلاف الطرفين المتحاربين على طرق وصول تلك المساعدات.
وتشير تقارير “هيومن رايتس ووتش” إلى أن منطقة جبال النوبة ليس بها سوى خمسة أطباء فقط ومستشفيين اثنين لتقديم الرعاية الصحية لنحو مليون نسمة؛ وتوفر المعارضة نحو 175 عيادة في المنطقة غير أنها تُدار بواسطة ممرضين متطوعين أو عمال مجتمع مدني ممن لم يتلقوا تدريبا أساسيا؛ كما لا يوجد أطباء متخصصون في النساء والتوليد في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة – ليكون على المرأة الحامل التي تواجه صعوبات ومضاعفات أن تسير على مدى أيام للوصول إلى مستشفى.
ويقول المدير التنفيذي لمنطقة “هيبان” في تقرير “هيومن رايتس ووتش” إنه قد بات من الأمور المألوفة ألا تستطيع الحوامل الوصول إلى المستشفى في الوقت المناسب وأن تواجهن الموت أثناء الولادة في البيت وغالبا ما يموت الطفل الوليد”.

وبحسب سمية مصطفى، المشرفة على مجوعة من القابلات المحليات، فإن السيدات الحوامل أحيانا ما تواجهن ولادة متعسرة فيتم حملهن على أسرّة والسير بهن مسافة أميال بين ممرات جبلية للوصول إلى مستشفى”.
وبحسب “هيومن رايتس ووتش” فإنه وفي ظل صعوبة الوصول إلى منشآت صحية، تتم معظم الولادات تقريبا في البيوت حيث تضطلع القابلات بدور أساسي في حياة سيدات النوبة.
وتقول حواء ماندو، من منظمة النوبة للإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية، إن الكثير من القابلات غير حاصلات على التدريب الأساسي والتجهيز الكافي “لا يوجد عدد كافٍ من القابلات المؤهلات هنا، حتى أدواتهن التي يستخدمنها في التوليد قديمة وتتسبب في الإصابة بأمراض مثل التيتانوس”.
وتستهدف القوات الحكومية السودانية المناطق الزراعية، كما تسيطر على منطقتين غنيتين بالمنتجات الزراعية، وبحسب وحدة تنسيق ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي منظمة معنية بمراقبة الأمن الغذائي والنزوح في المنطقتين، فإن 23 منطقة زراعية على الأقل في جبال النوبة يصعب الوصول إليها بسبب الصراع بما يؤثر بشكل خطير على الإنتاج الغذائي حتى أن مخازن الغذاء في بعض المناطق قد نفدت تماما من مخزوناتها بينما يقتات الناس على أغذية بدائية أو على الصدقات إن وُجدتْ.
وبحسب تقرير الـ “هيومن رايتس ووتش” فإن سيدات من جبال النوبة قُلن إنهن عانين الجوع أثناء حملهن، وهو ما يؤثر على صحتهن وصحة أطفالهن”؛ وتقول ماندو من منظمة النوبة للإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية: “شاهدت مؤخرا أربع حالات لسيدات تعرضن وأطفالهن للوفاة بسبب سوء التغذية في منطقة “أم دورين” لم يحصلوا على ما يكفي من اللبن أو الغذاء، وإذا كانت المرأة لديها عددا من الأطفال الذين لا تفصل بين أعمارهم فواصل زمنية كافية فإنها لا تستطيع توفير اللبن الكافي لأطفالها”.
وتؤثر بعض العادات الاجتماعية كالزواج المبكر سلبا على الصحة الإنجابية للمرأة؛ وعادة ما تتزوج الفتيات في تلك المناطق عند بلوغهن سن الثانية عشرة والثالثة عشرة؛ وبحسب ماندو، فإن 49 فتاة وضعن أطفالا وهن تحت 14 عاما في منطقة “أم دورين” في العام الماضي فقط فيما تزوجت أكثر من 200 فتاة دون الثالثة عشرة؛ وتقول منظمة الصحة العالمية إن الفتيات بين 15-19 عاما عادة ما تواجهن صعوبات أثناء الحمل وقد تكون الولادة عندئذ سببا رئيسيا في وفاتهن.

وغالبا ما تجهل الأمهات في تلك المناطق كيفية تنظيم الحمل، كما أن وسائل منع الحمل محدودة للغاية؛ وبحسب تقرير “هيومن رايتس وتتش” فإن 12 امرأة بين 25 تجاوبن مع التقرير لا تعرفن ما هو ” الرفال” أو “الواقي الجنسي” بينما 3 بينهن قلن إنهن تعرفن ما هو الرفال لكن لم يتسنّ لهن رؤيته أبدا؛ وحتى حال توفر وسائل تنظيم الأسرة فإن الثقافة المحلية تحول دون استخدام الزوجة لها إلا بإذن من زوجها.
على أن تلك الحال من صعوبة وصول الرعاية الطبية لجبال النوبة يمكن أن تنفرج؛ إذا ما بذل الطرفان المتحاربان المزيد من الجهود لكسر هذا الحصار، بحسب “سكاي ويلر” الباحثة لدى “هيومن رايتس ووتش” التي شددت في بيان صحفي بأن على الحكومة السودانية والمعارضة المسلحة أن يضعا الناس أولاً وأن يسهلا الطريق أمام منظمات الإغاثة للوصول إلى تلك المناطق المنكوبة.
وحال استمرار انغلاق الطريق أمام المساعدات الإنسانية، يبقى ثمة حلٌ واحد يتمثل في “التثقيف”؛ وبحسب ليلى كريم، رئيسة اتحاد نساء جنوب كردفان، فإن المزيد من الفتيات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة تذهبن إلى المدرسة كما بدأت معدلات الزواج المبكر في الهبوط، على خلاف السابق حين كان يتعين على البنات البقاء في المنزل وانتظار الزواج، لكن المدرسة تزيد وعيهن وتحسّن قدرتهن على اتخاذ القرارات الخاصة بهن”.

مقالات ذات صلة