مقالات وآراء

الثورة خيار الشعب

لقد فعلها الحزب الشيوعي السوداني , و قام بكسر حاجز الصمت الذي دام طويلاً , ومعه مجموعة الاحرار من الصحفيين و ناشطي الاحزاب و التنظيمات السياسية الاخرى , وهم يقودون الحراك الثوري الرافض للذل والهوان والاستكانة لقهر نظام الانقاذ , سعياً لتخليص الوطن من انياب هذه العصبة الغاصبة , فلم تقدم هذه الجماعة المهووسة دينياً لشعبها تبريراً واحداً , يمكن ان يدعها تواصل سيرها في ادارة دفة دولاب الدولة , هذا السير الهادم للوطن وانسانه ومؤسساته , لقد اشعل رجال الانقاذ الحروب في جميع بقاع السودان , وشرّدوا وقتلو ونكلوا بالانسان السوداني بكل فئاته و شرائحه , الطفل و المرأة والطلاب وقادة الرأي العام , و الناشطون و رموز التنظيمات السياسية , ثلاثون عاماً من الدمار و الخراب , و ما يزال حداة ركب سفينة الانقاذ يستمرئون تسفيه احتياجات المواطن الاساسية , كيف سمح هؤلاء الانقاذيون الذين تجري في عروقهم هذه الدماء الباردة , لانفسهم ان يأملوا في استمرارهم في الامساك بعجلة القيادة , وشعبهم جائع ومريض يتدحرج نحو القبر , وفي هذه الايام قام بعض المواطنون البسطاء بتداول موضوع شغل احاديث المدينة , يتعلق بضرورة حل المشكلة الاقتصادية الذي يكمن في ارجاع الاموال التي طالها التجنيب الخارجي , في البنوك العالمية الممتدة من دبي وماليزيا وانتهاءً بالاموال المهولة التي كشفها ويكليكس , والمودعة بالبنوك السويسرية , ان حديثاً مثل هذا لا يصدر الا من اصحاب النوايا الحسنة اللذين ما زالوا يذرفون الدموع الثخينة في مأتم الميت الذي لا يمت اليهم بصلة , مثل هذا الحديث لا يعدو كونه واحداً من السوائل المخدرة , التي درجت هذه الطغمة الفاسدة على حقنها في جسد هذا الشعب الصادق والصدوق , حتى يتسنى لها المكوث اطول فترة ممكنة , على ظهر هذا الانسان المقهور الذي اكتوى بنار بطشهم الجبّارة.
ومن سيناريوهات إلهاء الناس عن تفعيل تظاهراتهم التي بدأت قوية داوية , بث اخبار التعديلات الوزارية العاجلة في دهاليز الانترنت و شبكات التواصل الاجتماعي , من شاكلة الإتيان بعلي عثمان بديلاً لبكري في رئاسة مجلس الوزراء , ما يعني الخلاص من احمد و الاستعانة بحاج احمد , في مسرحية بلهاء لا تنطلي على عقل طفل في السابعة من عمره , لقد وصل الفشل و التردي منتهاه , و لن يصلح الدولة ونظامها ذات الشخص الذي تسبب في هدم مؤسساتها , بمنهاج التمكين وما يسمى بالصالح العام , أين كان عقلك يا شيخ علي عندما كنت وزيراً للتخطيط الاجتماعي , في زمان ريعان شباب حسنائكم الانقاذ ؟ لقد فصلتم الناس من وظائفهم و مكنتم لمحسوبيكم و اخوانكم في اللاة , وليس في الله , كما تدعون , لان الاخوة في الله لا تستثني من ينطق الشهادتين , وبفعلتكم تلك قد جئتم شيئاً إدّا يا استاذي , وقسمتم الناس الى ملل ونحل و قبائل و بطون , فقضيتم الايام و الليالي على ارائك حكمكم تتآمرون و تكيدون لابناء شعبكم ليلاً , وتقابلونهم في صباح اليوم التالي بابتساماتكم الصفراء الشائهة , لتلفظوا عليهم خلاف ما استبطنتم من مناجاة في ليلتكم البارحة , هذا بحسب الاعتراف الذي ادلى به كاهنكم الاكبر الراحل حسن الترابي , في تلك المحاضرة الشهيرة التي قدمها في جامعة القرآن الكريم , في الايام القليلة التي اعقبت المفاصلة الشهيرة بينكم وبين اخوة الامس.
الانقاذيون يتخبطون ولا يدرون اي الطرق يجب عليهم ان يسلكوها , حتى تمكنهم من انقاذ انفسهم من الانقاذ نفسها , وكما يقول المثل : (الدرب راح ليهم في الموية ) , فاصبحت منظومتهم اليوم عبئاً ثقيلاً يحملونه على ظهروهم ويستديرون به يمنة ويسرة , ليقذفوا به في اقرب مكب للنفايات , ولكنهم ما دروا ان الشعب لهم بالمرصاد , ولن يدعهم ينبذونها بهذه السهولة , سوف يحملون وزر انقاذهم معهم الى يوم الحساب امام محكمة عدل الملك الجبار , فالانقاذ تمثل بقعة دم من دماء ضحاياها المقتولين ظلماً , الملتصقة بياقات قمصان رموزها الانيقة , والموسومة على جلابيبهم وعمائمهم البيضاء , ومعلوم انه في جميع الموروثات الدينية و التراثية للامم و الشعوب , انه وفي اواخر ايام اعمار جميع القتلة و مصاصي الدماء , تتحلق ارواح الضحايا الذين قتلتهم مقاصل هؤلاء الطغاة الجبابرة, حول اعناق و رقاب هذا النوع من الجبّارين والطاغين الذين يتكبّرون في الارض ويكثرون فيها الفساد , فالانقاذيون سجنوا و عذّبوا وقتلوا وذّبحوا و استحييوا النساء , وعاثوا في الارض فساداً ودماراً وخراباً , فلا جريمة بلا عقاب , وان اشد اصناف هذا العقاب , هو القصاص الذي تنفذه هذه الشعوب المقهورة بحق حكامها , اولئك المتسلطون و الفاجرون الذين لا يقيمون للعدل و لا للحق بالاً , و ما تزال ذاكرتنا الحديثة حيّة و حافظة لاثنين من الفيديوهات المسجلة حول نهاية كل من فرعون ليبيا و طاغية اليمن , هذان التسجيلان المرئيان ما زالا مطبوعين على جدار هذه الذاكرة.
إنّ شعار (الثورة خيار الشعب) المزين لصدور شباب الثورة , ما زال يلهم الثائرين من اجل الحرية و العدالة و السلام , ويبشرهم بقرب وصول قافلة الاحرار من ابناء الوطن المكلوم , وان هذا الشعار سيظل بعبعاً مرعباً للطاغية , وقاضّاً لمضجعه وحارقاً لمهجعه في الليل و في النهار , حتى تنقشع سحابة الظلم الداكنة من سماء الحرية و الانعتاق , فشعب السودان قد اراد الحياة و ما على الاقدار الا ان تستجيب لمطلبه المقدس هذا , لانه شعب يستحق العيش الكريم و الرفاه , بما يملك من ثروات تكاد تتفجر من اعماق باطن ارضه , و لان سطح ترابه تكسوه الخضرة و المياه الجارفة و الوجوه الطاهرة , فأمة بمثل هذا القدر من الجمال حفيّة بأن تسود و تجود على العالمين بخيرها.
سوف تكتسح جرافات شباب هذه الثورة كل عراقيل الانقاذيين , مهما افسد هؤلاء الظلمة ميادين الكفاح الثوري بمياه الصرف الصحي , فجذوة النضال سوف تظل مستعرة , و شعاع شمس الحرية سيظل مسلط على بقعة من الارض اسمها السودان , ونظل ننشد مع شاعرنا الوطني الغيور الصاغ محمود ابوبكر , ابيات من شعر ملحمته الوطنية الشهيرة (صه يا كنار) , انا لا اخاف من المنون وريبها , ما دام عزمي يا كنار مهندي , ساذود عن وطني واهلك دونه , في الهالكين فيا ملائكة فاشهدي.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة