تقارير

نداء السودان … لماذا تجاهل قضايا النازحين وأسقط المحكمة الجنائية؟! __تقرير

الخرطوم _ صوت الهامش  

يواجه تحالف نداء السودان جُملة من الانتقادات من قِبل كثيرين من بينهم قوى سياسية معارضة مؤثرة.

وتأخذ تلك القوى على التحالف أنه تجاوز قضية النازحين واللاجئين فضلاً عن إصراره علي تجاوز قضية المحكمة الجنائية الدولية والموقف منها.

 هذا التباين والاختلاف حول نداء السودان عزّز الأصوات التي تقول إنه صنيعة  لدعم وإسناد ما يسمى بالهبوط الناعم وترميم النظام الحاكم الآن عبر إسقاط حقوق ضحايا الحرب. 

وكانت اجتماعات قوى نداء السودان اختتمت في العاصمة الفرنسية باريس، منتصف الأسبوع الماضي، أعمالها بعد خمسة أيام من تداول قضايا شتى. 

أزمة قبل البداية 

اللافت في اجتماعات نداء السودان الأخيرة هو استمرار مقاطعة وفد الحركة الشعبية- شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو الذي يرفض مشاركة رفاقه السابقين في التنظيم قبل الانشقاق.

وإلى جانب وفد الحلو، ترفض حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور أي تقارب مع هذا التحالف.

وينضم إلى الحركتين في موقفهما تحالفُ قوى الإجماع الوطني الذي يضم الحزب الشيوعي وحزب البعث.

إن الاعتذارات المتكررة ومقاطعة قوى المعارضة الحية للتقارب مع نداء السودان، جميعها أمور تؤكد وفقاً لما يذهب إليه مراقبون أن الأصوات الرافضة لهذا التحالف مازالت تأخذ حيزها في التمدد؛ فترى أحزاب مؤثرة أن نداء السودان يمضي في طريق ما تسميه المعارضة “الهبوط  الناعم” عبر التوصل لتسوية سياسية لن  يطول انتظارها تحت رعاية غربية من ممثلي الدول الأوربية والمبعوثيين الأمميين في بداية الاجتماعات، غير أن الخلافات ووجود كتلة مؤثرة من المعارضة من شأنها أن تؤثر علي ما يريد نداء السودان تحقيقه مستقبلاً.

وأرسل نداء السودان، في بيانه الختامي لاجتماع باريس، رسالة للذين يعترضون على عمل النداء ومن بينهم  قوى الإجماع الوطني وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد احمد النور، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز آدم الحلو.

وتركزت تلك الرسالة في التنويه عن أن المجتمعين أمّنوا علي  أهمية وجودهم وسط قوى نداء السودان، ووجهوا نداءً لتلك القوى الرافضة لشغل موقعها الطبيعى في صفوف النداء.

تفجّر الخلافات 

أكدت قيادات رفيعة مشاركة في الاجتماعات الأخيرة تفجّر خلافات حادة داخل النداء بين تيارات وأحزاب المعارضة، خاصة فيما يتعلق بالموقف من انتخابات 2020.

 وأشارت تلك القيادات إلى  أن بعض القوى الرئيسية في النداء مستاءة من مبادرة حزب (المؤتمر السوداني) لفتح النقاش حول الانتخابات علانيةً قبل حسمه داخل أروقة التحالف.

وأكدت نداء السودان علي المطالبين  بالمحاسبة على جرائم النظام فى بروتسودان وكجبار وشهداء سبتمبر 2013، كما أكدت  اعتماد النازحين واللاجئين ككتلة سادسة فى نداء السودان ، دون التطرق إلي قضاياهم بصورة واضحة . 

تجاوز الأهم 

رغم أن تحالف نداء السودان في اجتماعه الاخير ناقش باستفاضة ملف الانتخابات والموقف منها، فقد ذهب البعض إلى أنه تجاهل أهم قضية في الأزمة السودانية: وهي قضية النازحين واللاجئين، فضلاً عن عدم اعترافه بالمحكمة الجنائية الدولية وما تقوم به من ملاحقة لرموز النظام.

وينفي الناشط إبراهيم خاطر، هذه الاتهامات عن نداء السودان، قائلا لـ (صوت الهامش) إن “نداء السودان يعترف بالمحكمة الجنائية، ولا يوجد له موقف غير ذلك، سوى محاولات الصادق المهدي لتعديل بعض المواد في ميثاق روما لضمان عدم ملاحقة البشير مقابل عدم ترشح الأخير لانتخابات 2020. 

 ونبه خاطر إلى أن هذا هو موقف مشترك بين الصادق المهدي وياسر عرمان، مشيرا إلى أنه كانت هنالك محاولات لجرجرة نداء السودان للقبول بذلك إلا أن تلك المحاولات اصطدمت بموقف الأمين العام لنداء السودان، مني مناوي، الذي رفض إدراج أي شيئ يتعلق بالانتخابات في أجندة الاجتماع الأخير، الأمر الذي أحدث ربكة كبرى انعكست بدورها علي شكل البيان.

وذهب خاطر في تحليله إلى أن التحالف مرهون لأهواء بعض قادته وما ينبغي أن تكون عليه القضايا وفقا لتصورهم هم حتي ولو أثبت الواقع عكس ذلك، وهذا ما يؤكد إعمال التكتيك السياسي المرحلي الخاص بالوصول للسلطة، وليس الاستراتيجي الخاص بالتغيير ومحاسبة الجناة علي قضايا كبرى مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور، والإنتهاكات واسعة النطاق في جبال النوبة والنيل الأزرق.

وكانت الجبهة الثورية التي تتكون من حركات مسلحة ، قالت قبيل اجتماع نداء السودان ان العمل المسلح فرضته عنف النظام واعتداءاته على الشعوب السودانية وسينتهي حينما تقوم دولة المواطنة بلا تمييز وترفرف رايات السلام الشامل والعادل والديمقراطية الحقة”.

وأشارت  مسؤولة مسؤولية كاملة من أي عمل مسلح مع التزامها الكامل الآن بوقف العدائيات المعلنة، وإن نداء السودان وتنظيماته السياسية لا صلة لها من قريب أو بعيد بالعمل المسلح، وإن نداء السودان تحالف مدني سلمي وتشارك فيه تنظيمات الجبهة الثورية عبر الكتل السياسية.

مأزق السودان 

إلي ذلك، قال الناشط الحقوقي محمد سليمان لـ(صوت الهامش) إن بيان المجلس القيادي لنداء السودان الذي صدر في اجتماعه الأخير هو بيان يجسد حرفيًا ومعنويا مأزق ومأساة السودان منذ قبل الاستقلال حتى يومنا هذا.

وأوضح سليمان أن البيان تجاهل بصورة عنجهية حجم تضحيات أهل دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، وتجاهل بصورة مستفزة ذِكر المحكمة الجنائية وأي منافذ  أخرى لتحقيق العدالة لمن وقعت بحقهم جرائم والقصاص النافذ الرادع لكي لا تتكرر   جرائم الإبادة الجماعية أبدا في السودان.

وذهب سليمان في حديثه إلى أن البيان هو تجسيد لأسباب بقاء البشير ونظامه في الحكم؛ لأن نفس أعضاء المجلس القيادي لنداء السودان هم بإمكانهم إزاحة هذا النظام الآيل للسقوط منذ أكثر من عقد من الزمان.

وأضاف سليمان بأن هؤلاء الأعضاء في مجلس قيادة نداء السودان هم مَن يأمن البشير جانبهم لذلك  استمر في الحكم دون أن  يخرج أتباع هؤلاء القياديين إلى الشارع بصورة جادة لإسقاط النظام.

ولفت سليمان إلى أن النظام انتهك حقوق الإنسان في العاصمة وارتكب جرائم ضد أفراد في العاصمة وغيرها من مدن السودان ولكن لم يستهدف شعوبا وقبائل ومناطق  بصورة مباشرة لإبادتها كما حدث في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.

وأحال مجلس الأمن عام 2005  الوضع في دارفور إلى ادّعاء المحكمة الجنائية الدولية. والقرار الخاص بمجلس الأمن طالب حكومة السودان وكافة أطراف النزاع التعاون بالكامل مع المحكمة وادعاءها. وبالإضافة للرئيس البشير، أصدرت المحكمة مذكرتي توقيف بحق رجلين آخرين، هما ، أحمد هارون، وزعيم لميليشيا الجنجويد، علي كوشيب. 

خيارات النداء 

 ورأى الكاتب الصحفي عثمان نواي أن بيان نداء السودان الأخير قد فصّل كثيرا من الأزمات وعبّر عن خيارات نداء السودان الذي يبدو أنه يبحث بشكل كبير عن وسيلة للاتساق مع موقف المجتمع الدولي من الوضع السياسي في السودان وإمكانيات الحلول التي يدعمها. 

ولكن يُعاب علي البيان، بحسب نواي ، قصوره في ذكر الجوانب المتعلقة بالحرب وأزمة الصراعات المسلحة. وأنه رغم حديثه عن السلام، لكن النداء لم يضع رؤية واضحة لكيفية الوصول لهذا السلام. 

كما أن هنالك قصورًا في شمولية البيان لقطاعات الشعب السوداني التي تعاني من النظام وعلي رأسها أولئك الذين يعيشون في مناطق الحروب في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور في أقصي درجات المعاناة.

وأكد نواي  أنه وبدون إجابات علي أسئلة العدالة الانتقالية ووقف الحرب وإرساء السلام المستدام – بدون ذلك من المستحيل الحديث عن أي حل لأزمات السودان السياسية.

مقالات ذات صلة