مقالات وآراء

موسي هلال النجم الآفل!

هل يستطيع المجرم الافلات من المحاسبة ويخرج من الأرض والسماء؟

انشغل الكثير من السودانيين بالداخل والخارج، خلال اليومين الماضيين، بأسطورة موسي هلال الذى آل الى زوال، وتناقلت العديد من وسائل الاعلام المحلي والاقليمى والدولي ووسائط التواصل الاجتماعي الحدث، لوزنه الخاص ولأنه مرتبط بجزء مهم جدا من اجزاء السودان وهو دارفور الحبيبة، التى شهدت ما شهدت من الانتهاكات، وصمدت وصمد اَهلها الطيبون فى وجه الظلم والطغيان.
وهلال المخضرم له تاريخ حافل وزاخر، بالقتل والنهب والتنكيل والتعذيب والاغتصاب، ويداه ملطختان بدماء الابرياء، وجرائمه موثقة ومثبتة وارتقت الى درجة جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية، ودُوِّنَ اسمه فى قائمة كبار المجرمين الدوليين، المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية بلاهاي، مثله مثل قادته واولياء نعمته، وفى مقدمتهم راس الدولة السودانية.

هلال وما ادراك ما هلال، الذى صنعته الأجهزة الأمنية والاستخباراتية السودانية، واستخدمته كالريموت كنترول، تحركه متى وكيف ما تشاء، وكان جهازها المفضل وفتاها المدلل، ووفرت له كل الإمكانيات والصلاحيات، وجعلوه من كبار الدستوريين فى الدولة، فأسس وقاد مليشيات الجنجويد المعروفة بسمعتها السيئة عالميا، والتى اصبح اسمها بمرور الزمن وتغير الأحداث حرس الحدود (مجلس الصحوة) والدعم السريع!
ربما أصيب موسي هلال بداء العظمة والكبرياء، فى ظل هذا الاهتمام الكبير المحلي والاقليمى والدولي، فعقد الصفقات مع عدة جهات ورؤساء دول، كأحد كبار المستثمرين فى ذهب الدولة (المنهوب والمستباح). وأصبح يصرح يعرب بوضوح عن معاداته لاولياء نعمته، واصيب بالغرور على حسب قول المرتزق والمأجور حميدتي فى تصريحه الأخير الذي وصف ابن عمه بالشيطان الرجيم وناكر الجميل (موسي هلال نسي يوم طلعوهو من السجن بدموريّة) وكلهم تناسوا مقولة (ان الأجير أجير ولو طالت عمامته)، كما فات على موسي هلال، انه نتاج وصنع اجهزة ونظام ليس له أدنى اخلاق ولا ذمة، وبإمكانه صناعة العشرات من الأهلة كما هو ماثل الان فى حالة ابن عمه المرتزق حميدتي!
وتاريخ العصابة الحاكمة فى السودان حافل بالمؤامرات والخبث والغدر، والتصفيات الجسدية حتى مع اقرب الأقربين، وما الزبير محمد صالح الذى كان نائباً للبشير وابراهيم شمس الدين وغيرهم العديد، وما هذه إلا امثلة بسيطة جدا، في قائمة تصفياتهم المزدحمة والمتخمة بالقتل والدماء!

نسي الجنجويدي المنتفخ وهماً، ان العصبة لا يهمها موسي هلال ولا حميدتي ولا اى (مرتزق) آخر، فهي تراهم مجرد (مرتزقة) وأجراء لتنفيذ تعليماتهم الإجرامية المتلاحقة! ولعل حميدتي كان صادقا (بوعيٍ او بالصدفة) عندما قال: لا يهم ان مات أخيه العميد عبدالرحيم او هو بنفسه او اى مرتزق آخر، المهم الامور تسير كما هو مخطط لها، اى يستمر القتل والارهاب!

الان تعطل الريموت (موسي هلال) او تعمد ان لا يعمل، وهنا تطرح العديد من الأسئلة: هل ستتم صيانته وترميمه، ويعود للعمل مرة اخرى؟ مواصلاً مهامه الإجرامية بطرق اخرى، ام سيتم استبداله وإخفاؤه للابد بعدما استنفذ اغراضه؟ فكما ذُكِرَ انه معتقل داخل الزنزانة، ومن المفترض تقديمه لمحاكمة (عادلة) كما ناشد اهله القوات الدولية يوناميد بالتدخل لحماية ابنهم، وهذا السيناريو سيدخل الكيزان واجهزتهم القضائية فى مأزق حقيقى ، إذ كيف يحاكمونه بما لديه من معلومات وربما ادلة اخرى تورط آخرين معه؟ وعلى رأسهم البشير ونائبه السابق على عثمان طه وعبد الرحيم محمد حسين وآخرين نافذين فى الدولة، فضلا عن ان الرجل مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، وهذا كابوس اخر يؤرق كل المجرمين! ام سيتم إسكاته الى الأبد كما تم اسكات الكثيرين، باعتباره اقصر الحلول وأفضلها للكيزان، ولا يكلفهم الكثير ، على نحو ما فعلوا مع بييو كوان عضو مجلس قيادة الثورة ومن الاساسيين الذين نفذوا انقلاب 89، حينما تخلصوا منه بساندوتش مسموم!

وما مصير التحالفات والصفقات التى عقدها هلال مع العديد من الجهات؟
ثم ما هو مصير تحالف هلال مع الجبهة الثورية السودانية ، التى فاجأت الجميع فى مؤتمرها الأخير الذى عقد فى العاصمة الفرنسية باريس
12-17/10/2017
, بحضور السيد علي مجوك المؤمن ممثلا رسميا لمجلس الصحوة، وهذا كان سُبَّة كبيرة ارتكبتها الجبهة الثورية، التي لم تصدر حتى الآن بياناً او تصريحاً يوضح موقفها من الأحداث الجارية! ونستغرب بشدة للصمت الرهيب الذى اصاب السيد على مجوك المؤمن، فهل ابتلع لسانه كما فعل الكثيرون، ام انه سيفجر قنبلته فجأة كما فعلها من قبل وانتشر وذاع صيته في وسائل التواصل الاجتماعي، بتسجيلاته التي ارعبت العصابة الحاكمة واربكتها؟ حينما هدد بانهم فى مجلس الصحوة، سيقلبون الطاولة على أصدقائهم المجرمين، وسيستهدفونهم فى عقر دارهم، بتحويل الحرب الى العاصمة الخرطوم اذا تم اغتيال او اعتقال زعيمهم موسي هلال؟
فها هو هلال وابناؤه وكبار قادته معتقلون فى الخرطوم على نحو ما رأينا..! قد يكون تمت تصفية احد كبار قادته داخل زنزانته عن طريق التعذيب على حسب ما تسرب من معلومات، على اية حال، سننتظر لنرى ما تخبئه الأيام الآتية، فربما تكشف لنا المزيد من المفاجآت،

اما عن تمثيلية فرض هيبة الدولة وجمع السلاح، فعن نفسي، لدي مشكلة كبيرة ليس فقط فى جمع السلاح، وإنما فى تصنيعه من اساسه، وهذا الرأي ذكرته بكل صراحة ووضوح فى عدة مؤتمرات بعددٍ من الدول الأوربية وهذا بشكل عام..
وبصورةٍ خاصة، وفي ما يتعلق بحملة جمع السلاح بدارفور ، فبالتاكيد هي خطوة ممتازة من حيث المبدأ ، لكن لابد لنا ان نسال كيف انتشر السلاح بهذه الطريقة المخيفة؟ فى هذه الرقعة التى كانت آمنة، ومن المسؤول عن ذلك؟ وما هدفه؟؟

للاجابه على هذه الأسئلة، قانونياً فإن المسؤولية الرئيسيه هى مسؤولية الدولة، هنا أريد تسليط الضوء اكثر على فترة التسعينات التى كنت والكثيرين شهود عيان عليها، مع كامل الاحترام للتحليلات والدراسات والمقالات التى كتبت فى الفترات السابقة، ولا سيما فترة الدكتاتور جعفر النميرى ومن بعده الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق، اللذان لهما تاريخ حافل من الاجرام والانتهاكات وتجييّش وتسليح القبائل ضد بعضها البعض، والتى واصلت فيها العصابة الحاكمة الان بطريقة اكثر دموية، حيث اجتهدوا فى تجييش وعسكرة الدولة، بحجة الجهاد المقدس ضد الكفار أمريكا وروسيا التي دَنا عذابهما، واليهود والصليبيين، الذين يبعدون عن السودان آلاف الاميال، وكان حلم رفع نداء الصلاة (الاذان) فى الكرملين والبيت الأبيض قريب المنال،
وفتحت معسكرات التدريب فى كل ارجاء السودان حيث ولم تخلُ قرية او فريق من معسكر تدريب دفاع شعبي مفتوح او مقفول! واغلقت عدد من المدارس، لتصبح سكنات للمتدربين، وأنفقت الميزانيات المالية الضخمة التى كانت كفيلة بدفع عجلة الزارعة والتنمية والاقتصاد فى البلاد. وتمت تعبئة الشيب والشباب نساءً ورجال، واعتقد ان 90% من الشعب السوداني يجيد استخدام السلاح والدروس الأولية من فك وتركيب السلاح على الأقل الكلاشنكوف ان لم يكن الجيم 3 , وال MB5 وغيره من الاسلحة المتطورة! فمعظم الاسلحة اصبحت فى متناول يد المواطنين او ملكهم، حتى يكونوا جاهزين اذا نادى المنادي، كما راينا القوافل وكتائب ومتحركات الجهاد نحو جنوب السودان التى شهد لها البشر والحجر ، الجمادات والنباتات حتى كبرت وهللت لها اشجار وغابات الجنوب، وربما أتت ملائكة الرحمن فى الخفاء لنصر الفاتحين، منذ ذلك الحين لم نسمع بسلاح تم جمعه، الا فى هذا العام ، دون محاولة الإجابة على السؤال من الذى جعل الناس يحملون الاسلحة، وهل انتفت اسباب حمل السلاح؟

فى اعتقادى حملة جمع السلاح قد تكون ايجابية الى حين او لفترة من الزمن، كما الشخص الذى لديه شجرة شوك فى بيته فى كل مره تتساقط الأشواك تؤذيه والجيران وكل القرية والقرى المجاورة وربما المنطقة ، وفى كل مرة يجتمع الناس ويبذلون قصارى جهدهم وينهكون طاقاتهم فى كنس وتنظيف الشوارع والطرقات وجمع الأشواك وحرقها، دون التفكير والسعي الجادلاجتثاث الشجرة مصدر الأشواك من جذورها.

سعدالدين ابراهيم
ناشط حقوقي

مقالات ذات صلة