شخصيات أفريقيةمنوعات

جوليوس نيريري.. زعيم تنزاني دافع عن كرامة الأفارقة وشرفهم

دائما ما كانت تزخر القارة السمراء بزعماء وقادة غيروا ملامح الحياة فيها، ورسموا تاريخا من الأمل والحرية في وقت كانت تقبع فيه القارة تحت براثن استعمار نهبها وامتص خيراتها وعبث بكل مقدراتها واهما أنه بذلك سيطر عليها، ولكن القارة الأفريقية تأبى على نفسها الخزي وتنجب واحدا من أشهر الزعماء الأفارقة وأكثرهم ولاء لقضيته، فهو لم يكن مجرد رئيس لبلد صغير اسمه “تنزانيا”، بل كان ومازال أحد أكبر رموز وحدة الأفارقة ودعاتها منذ 1963، حيث كان ينادي دائمًا بشعار الوحدة الأفريقية، مدافعًا بكل كيانه عن قضايا القارة، في مختلف أروقة المحافل العالمية، فهو يعتبر من أبرز نشطاء حركة عدم الانحياز في القرن العشرين.

نشأته وتعليمه

ولد جوليوس كامبراكه نيريري في مارس 1922م، بقرية (بوتياما) القريبة من بحيرة فيكتوريا، وينحدر من قبيلة (زانكي) التي تعمل بالرعي، وتلقى تعليمه الأول فى بلدة (موسوما) ثم انتقل إلى مدرسة (تابورا) الثانوية التابعة للكنيسة الكاثوليكية، ومنها إلى كلية (ماكيريري) بأوغندا حيث حصل على دبلوم فى التربية، ثم سافر لإكمال دراسته العليا في كلية (أدنبرة) البريطانية،وحصل على درجة الماجستير في التاريخ والاقتصاد السياسي سنة 1952، وعندما عاد إلى بلاده، التقى سنة 1953 بماريا ماغيغِه Maria Magige التي تزوجها وأنجب منها خمسة أولاد وبنتان.

عقب عودته من إنجلترا عمل نيريري بالتدريس في كُلية (سان فرانسيس) في مدينة (يوكو) فعمل بتفان وجد وجاهد من أجل محو الأمية المنتشرة بين مواطنيه، متحليًا بالصبر في سبيل تأدية رسالته التعليمية على أكمل وجه.

بداية عمله السياسي

عايش نيريري كغيره من مواطني تنجانيقا ذل ومرارة الاستعمار الإنجليزي لبلاده، وشعر بأن عليه دورًا كبيرًا تجاه وطنه فانخرط في العمل السياسي إضافةً إلى التعليم، وبمرور الوقت أشغلته السياسة بمتاعبها، وثقلت أعباؤه ففضل ترك التدريس ليتفرغ للعمل السياسي، في عام 1954م أسس نيريري حزب تنجانيقا الوطني الأفريقي (تانو) الذي هدف إلى الدعوة للتحرر السلمي؛ فاستطاع نيريري استقطاب العناصر المثقفة فى بلاده، وأصبح ذا تأثير قوي بين الجماهير.

ركز نيريري على ضرورة التخلص من كل أشكال التمييز والانعزالية والقبلية فى بلاده؛ من أجل تحقيق التكاتف الوطني، والمطالبة بمشاركة مواطنيه في أجهزة الدولة والحكم.

مواجهة السياسة الاستعمارية

لم تكن مهمة نيريري بالسهلة، إذ كانت سلطات الاستعمار فى تنجانيقا حجر عثرة أمام توحيد صف الجماهير، خاصة أن السياسة البريطانية كانت تُكرس القبلية وتُشجع الزعامات التقليدية فى أفريقيا، لكن نيريري أصر على مقاومة هذا التيار ودفع الشعب إلى التخلي عن العادات والالتزامات القبلية.

نجح نيريري في توسيع دائرة نشاط حزبه بحيث شملت المناطق والفئات الريفية والعمالية، بعد أن كانت قاعدة الحزب الواسعة تعتمد على سكان المدن، كما استطاع كسب نقابات العمال التي كان ظهورها قد تبلور منذ عام 1947م عقب عودة الجنود من الحرب العالمية الثانية.

لم يُطالب نيريري فى بداية رحلة الكفاحية بالاستقلال، مُفضلًا إحداث ثورة دستورية تُتيح ظهور أجهزة يُعبر الشعب من خلالها عن إرادته، وبالتالي تتسع دائرة التمثيل الأفريقي، الأمر الذي اضطر الحاكم البريطاني إلى زيادة عدد الأعضاء الأفارقة فى الجمعية التشريعية، وبالتدريج أخذ نيريري في الدعوة إلى الاعتراف بحق تنجانيقا فى الحكم الذاتي، وطالب بريطانيا بتحديد موعد للاستقلال، مما دفع سُلطات الاحتلال إلى القبض عليه وسجنه؛ فزادت شعبية نيريري بين مواطنيه.

بريطانيا تثير الفتنة

حاولت بريطانيا إثارة الفتنة بين أفراد الشعب فى تنجانيقا، فعملت على تأسيس حزب منافس لحزب تانو الذي يتزعمه نيريري بعد أن سمحت بالاشتراك فيه لكل الأجناس التي تسكن البلاد، إلَّا أن نيريري فاجأها بأن فتح أبواب حزبه هو أيضًا أمام جميع الأجناس، وطالب مجلس الوصاية بأن يعترف بحزبه كمُمثل شرعي لشعب تنجانيقا، واقترح بأن تحصل بلاده على الاستقلال عام 1959م، فلما رُفض طلبه استقال من المجلس التشريعي الذي كان قد انضم إليه عام 1957م، وعندما أُجريت انتخابات 1959م استطاع حزب نيريري الحصول على شعبية مُنقطعة النظير، فاستحال على بريطانيا إنكار أن الحزب لسان حال شعب تنجانيقا.

أدركت الحكومة البريطانية أنه لابد من إزالة الحواجز أمام التمثيل الديمقراطى فى تنجانيقا، وفي عام 1961م حصلت تنجانيقا على الاستقلال وأصبح نيريري رئيسًا للوزراء لكنه لم يمكُث في هذا المنصب طويلًا وتركه ليتفرغ لتنظيم حزبه وتفعيل دوره السياسي.

رئاسة تنزانيا

في عام 1964م تم إعلان الاتحاد بين تنجانيقا وجارتها (زنجبار) التي كانت قد حصلت على استقلالها عام 1963م فتوحد البلدان في دولة واحدة سميت بـ(تنزانيا) وأنتُخب جوليوس نيريري رئيسًا لها وعبيد كرومي رئيسًا زنجبار نائبًا للرئيس، ظل نيريري يحتفظ برئاسة الجمهورية بفضل التأييد الشعبي الذي كان يحظى به، ورغم محاولات التآمر الخارجي للإطاحة به، إلَّا أنه كان يقظًا وحازمًا في مواجهتها.

اشتراكية من نوع جديد

دعا نيريري مع بدء حكمه إلى اشتراكية من نوع جديد ترتكز على التكافل العائلي، وعرضها على مواطنيه والعالم في إعلان أروشا سنة 1967 كما رفض ديمقراطية الانتخابات بحجة أن دول أفريقيا الناشئة لا يمكنها تحمل تهديد وجودها بالنزاعات الانتخابية، ولذلك حكم عن طريق الحزب الواحد وكان قاسياً في إدارته على كل من ينادي بغير هذه الأفكار حتى على أقرب أصدقائه.

يشهد التاريخ لنيريري مشاركته في صياغة بيان لوساكا الداعي إلى تعاون العرقين الأبيض والأسود من أجل مصلحة أفريقيا، وهو أمر دفعه إلى الاختلاف جذرياً مع عيدي أمين في أوغندا عندما اتهمه بالعنصرية لدى قيامه بطرد كل العناصر الآسيوية في أوغندا، وهو اختلاف أدى إلى قيام الجيش الأوغندي بغزو تنزانيا 1978، ورد نيريري بغزو أوغندا والإطاحة سنة 1979 بعيدي أمين، بمساعدة المعارضة الداخلية، وإعادة زميله ملتون أوبوتي Milton Obote إلى أوغندا.

أشهر مؤلفاته

كتب نيريري في حياته عدداً من الكتب أشهرها “الحرية والوحدة” سنة 1967 و«الحرية والاشتراكية» سنة 1968 و«الحرية والتطور» سنة1973 ، كما ترجم رائعتي شكسبير «تاجر البندقية» و«يوليوس قيصر» إلى اللغة السواحلية.

وفاته

كان نيريري غيورًا على كرامة الأفارقة وشرفه، ومدافعًا عن قضاياهم في كل المحافل الدولية، وظل نيريري يمارس عمله بهمة وإخلاص، حتى عام 1985م إذ استقال نيريري من رئاسة جمهورية تنزانيا، واحتفظ برئاسته لحزب شاما شا مابيندوزي Chama cha Mapinduzi (C.C.M) أو الحزب الثوري الذي أسسه سنة 1977 بعد دمجه بحزبه القديم TANU وحزب أفرو شيرازي Afro- Shirazi في زنجبار، وفي الرابع عشر من أكتوبر عام 1999م توفى عن عمر ناهز 77 عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء والتضحية من أجل رفعة وكرامة بلاده والأفارقة

مقالات ذات صلة