تقارير

تقرير: هل بات الوجود السوداني في اليمن على مشارف النهاية؟

الخرطوم – صوت الهامش

أفادت تقارير خلال اليومين الماضين بأن السودان بات على مشارف النهاية في اليمن، وأشارت إلى تكبد الجيش السوداني خسائر فادحة منذ دفْعه بجنوده في الحرب كمرتزقة باليمن .

ولقي مئات من الجنود السودانيين مصرعهم منذ مشاركته في تحالف عاصمة الحزم التي تقوده السعودية على أيدي الجيش اليمني واللجان الشعبية (قوات الحوثي)، وتحديدًا على جبهة ميدي.

ورصدت تقارير تأكيد الحكومة السودانية أن لديها خططا لسحب قواتها المقدرة بـ 10 آلاف جندي من اليمن. وقد تصدرت دعوات الانسحاب عناوين الصحب القومية في السودان في حراك سياسي متصاعد النبرة وسط مطالب بإعادة القوات للوطن.

وأكدت حكومة الخرطوم صحة الدعاوى ببطلان وجود القوات السودانية على أرض أجنبية دستوريا بدون موافقة البرلمان. وقد تجدد الجدل في السودان بهذا الخصوص بفضل مطالبات تقدمت بها جماعات معارضة سودانية أمثال حزب “الإصلاح الآن” على مدار الأيام والأشهر الماضية بالسحب الفوري للقوات السودانية من اليمن.

وتشير معارضات أخرى لهذا الدعم السوداني لتحالف السعودية – تشير إلى الخسائر الفادحة في الأرواح فضلا عن غياب منافع سياسية أو اقتصادية جراء تلك المشاركة السودانية.

ويبدو أن حكومة السودان قد أصابها اليأس من وفاء السعودية بسلسلة من الوعود جزاء المشاركة في الحرب. ولحد الآن لم تفِ دول الخليج بأي من الوعود التي قطعتها للسودان بإقامة سدود مائية ودعم بناء القوات المسلحة السودانية والاستثمار في قطاعات الزراعة والتعدين.

وفي ظل أزمة اقتصادية طاحنة يعانيها السودان، حمّل برلمانيون هذا الأسبوع حكومة الخرطوم مسؤولية الضرر المادي والمعنوي الذي تعرض له الجنود السودانيون وأسرهم، مطالبين الحكومة بتوضيح موقفها من خسارة الحياة في حرب “لا ناقة للسودان فيها ولا جمل”.

ودعا هؤلاء البرلمانيون السودانيون حكومة الخرطوم بانتهاج وسائل سياسية كبديل عن المشاركة المسلحة للدعوة إلى إنهاء العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن وتقديم حل سلمي دون الانحياز لطرف على آخر واحترام رغبات الشعب اليمني.

ابتزاز النظام السوداني للسعودية والإمارات

واعتبرت الصحفية سلمى التيجاني دعوات الانسحاب من اليمن بمثابة ابتزاز من قبل النظام السوداني للسعودية والإمارات، وتذكيرهما بأن السودان شارك في هذه الحرب لأجل مكاسب محددة، منها الدعم الاقتصادي لإقالة النظام من عثرته الاقتصادية الطاحنة التي كادت أن توقف الحياة بالسودان، والمتمثلة الآن في أزمة الوقود، مع فوضى الأسعار التي بدأت بعد إجازة ميزانية عام 2018 بداية هذا العام.

وأشارت التيجاني إلى تصريحات وزير الدولة بالدفاع القاضية بإعادة الحكومة لتقييم جدوى مشاركة قواتها بحرب اليمن، قائلة إن كلمة “جدوانا” هنا تعني كم من المال كسب النظام جراء مشاركته في الحرب؟ وبكم تسعِّر السعودية والإمارات دماء الجنود السودانيين المشاركين، كبضاعة يتم مقايضتها بالمال؟

وبناءً عليه، فان دعوات الانسحاب، بحسب التيجاني، لن تؤثر على العلاقات مع الدولتين العربيتين؛ لأن التعامل هنا كتعامل تجار السوق، يفهمون بعضهم بعضًا ويفسرون تصريحات الجانب السوداني بخصوص الانسحاب بلغة السوق، لذلك انتظمت اليوم الصحف السعودية، ولأول مرة، حملة إشادة بدور القوات السودانية باليمن.

وأكدت التيجاني أن تحالفات السودان “لحظية تقتضيها ظروفه الداخلية”، لذلك تتسم بالفوضى وعدم الثبات، ومن هنا يأتي تقييم الحلفاء، أي حلفاء، لمدى ثبات مواقف السودان؛ فالدولة التي تتخذ قراراتها حسب الطلب لا يمكن الاعتماد عليها.

وجزمت التيجاني بأن السودان سيظل في تحالفه مع السعودية والإمارات ما دامت هذه الدول تفهم دوافعه من هذا التحالف وتحقق متطلباته، ومنها ما تردد عن دعم سعودي إماراتي للسودان في ملف علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو يحتاج لمزيدٍ من الدعم حتى يُرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب التابعة للخارجية الأمريكية. وكذلك للوصول إلى تسوية بخصوص الموقف الأمريكي المتشدد الرافض لترشح البشير لولاية رئاسية أخرى.

الحكومة السودانية تلعب على كل الحبال

وحول مصير العلاقات بين السودان والخليج؟ وهل تصير إلى ما صارت إليه من قبل مع إيران؟ رأى الكاتب الصحفي عثمان نواي أن الأمر يختلف مع الخليج عنه مع إيران؛ لأن السودان في حاجة ماسة إلى أموال الخليج. كما أن قطر وحدها ليست قوة كافية لإعادة توجيه المعسكر السوداني في الخليج. لكن الحكومة السودانية تلعب على كل الحبال بقدر ما تستطيع.

وبسؤاله حول الدعوات والتقارير الخاصة بسحب القوات السودانية من اليمن، قال نواي إن النظام السوداني يعلم الآن أنه لن يحصل على المزيد من المصالح من دول الخليج خاصة بعد انتهاء صفقة رفع العقوبات الأمريكية بمساعدة خليجية، ولذلك فإن الجدوى الاقتصادية والسياسية من وراء المشاركة في تلك الحرب باتت أقل من وقت إرسال تلك القوات.

وأكد نواي أن أيًا من السعودية أو الإمارات لن تقدّم مزيدا من القروض والمعونات للحكومة السودانية؛ لأن البشير الآن يعود للاقتراب من تنظيم الإخوان المسلمين داخليا ومعسكر الإخوان الدولي في قطر وتركيا. ولذلك فإن الخليج لن يخرج النظام من أزمته الاقتصادية. إن تصريحات الوزير هي في إطار الابتزاز وتهدئة الوضع السياسي في الداخل.

الخرطوم يجب أن تفكر كثيرا جدا قبل اتخاذ خطوة سحب الجنود

أما الصحفي رشيد سعيد، فقد استبعد أن يكون مصير العلاقات مع دول الخليج مماثلا لمصير العلاقات مع إيران، وذلك لعدة أسباب: أولها أن البعد الأيديولوجي وحده كان هو المهيمن على العلاقات بين الخرطوم وطهران في ظل محدودية المصالح التي تربط البلدين، بعكس العلاقات مع دول الخليج ذات الأبعاد المتعددة.

وأكد سعيد أن للسودان مصالح كبيرة ووثيقة مع دول الخليج وبالتالي من الصعب فكّ الرباط معها بالسهولة التي تمت مع إيران. إن أية حكومة في الخرطوم لابد أن تأخذ في الاعتبار وجود مئات الألاف من المغتربين السودانيين في دول الخليج وأنهم يمثلون مصدرا رئيسيا للعملات الأجنبية.

كما أن سنوات العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على السودان فرضت على قطاع الأعمال والمصارف السودانية أن تتوجه إلى دول الخليج لتكون بوابة الاقتصاد السوداني نحو العالم.

وثمة عامل آخر، أن قيادات النظام تستثمر وتحتفظ بغالبية الثروات التي جنتها في دول الخليج ما يعني أن المصالح الشخصية تلعب دورا أيضا في تحديد موقف وسياسة السودان من دول الخليج.

وعليه، فسيكون من الصعب على النظام السوداني تبنّي أي خيارات قد تقود إلى قطيعة أو مواجهة مع دول الخليج و يتأكد ذلك من خلال لعبة التوازن التي ظلت الدبلوماسية السودانية تحاول المحافظة عليها منذ اندلاع الخلاف بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة و قطر من جهة أخرى.

ورصد سعيد استباق دول التحالف أي قرار سوداني بخصوص الانسحاب من حرب اليمن بالتفاوض مع دول أخرى مثل تشاد وأوغندا والسنغال من أجل إرسال قوات بديلة. وقال سعيد إن ذلك التحرك من جانب تلك الدول إنما ينزع من الخرطوم قدرتها على الضغط على التحالف العربي.

ورأى سعيد أنه يمكن أيضا لدول التحالف هذه أن تستخدم سلاح العون الاقتصادي المحدود والمتدرج من أجل دفع النظام السوداني إلى التخلي عن أي أفكار تتعلق بسحب القوات.

وتستطيع هذه الدول أيضا أن ترفع الغطاء الدولي الذي منحته للنظام وساهم في رفع العقوبات الاميريكية عنه وتحسين علاقاته مع دول المعسكر الغربي.

أخيرا وليس آخرًا، هذه الدول تمتلك سلاحا فعالا هو التهديد بطرد المغتربين السودانيين العاملين فيها وهو سلاح ثبتت فعاليته في التعامل مع دول آخري في السابق.

كل هذه الاعتبارات، بحسب سعيد، قد تجعل النظام السوداني يفكر كثيرا قبل أن يقرر اتخاذ أية خطوة بسحب جنوده. أما بالنسبة للعلاقات مع قطر فهي لا يمكن أن تكون بديلا للعلاقات مع السعودية والإمارات وإلا لكان النظام في الخرطوم قد انحاز للدوحة القريبة منه أيديولوجيا منذ اليوم الأول للنزاع بين دول الخليج.

ونوه سعيد أنه لابد أن نقرّ في البداية بأن قرار إرسال الجنود السودانيين لليمن تم اتخاذه في دائرة ضيقة جدا في قمة هرم السلطة وبالتالي لم يكن هذا القرار موضوع تشاور حتى في الأوساط القيادية للحزب الحاكم أو حتى في المؤسسة العسكرية، الأمر الذي يفسر المعارضة الواسعة له حتى في داخل مؤسسات النظام.

الشئ الثاني أن الاعتقاد الذي كان سائدا في السودان وحتى في دول التحالف العربي أن الحرب في اليمن ستكون سريعة وحاسمة وبأقل الخسائر وهو ما أثبتت مجريات هذه الحرب عكسه تماما أنها حرب طويلة وباهظة التكلفة وخسائرها كبيرة.

وبالتالي تفتقر هذه الحرب لأي تأييد شعبي في السودان. وبدأت الكثير من الأصوات ترتفع مطالبة بسحب الجنود السودانيين خصوصا بعد أن اتضح أن الوعود المسربة بشأن عون اقتصادي كبير للسودان في مقابل هذه المشاركة لن تتحقق.

الشاهد أن هذه الحرب تفتقر للتأييد الشعبي وخسائرها كبيرة ولم يحصل النظام على ما كان ينتظره من دعم مالي كما أنها تتم على حساب العلاقة مع الحليف الأيديولوجي متمثلا في قطر.

ومن وجهة نظري أن أعداد القتلى في أوساط الجنود السودانيين تأتي في ذيل قائمة اهتمامات النظام الذي لم يعلن حتى عن أسماء هؤلاء القتلى ولم يتم أي تكريم رسمي لهم وحتى الإعلام الرسمي يتجاهل الحديث عنهم تماما وهو أمر مشين.

هذا وأشار سعيد إلي أنه بغض النظر عن الموقف من الحرب أو من المشاركة فيها فإن هؤلاء سودانيين قتلوا في مهمة حددها هذا النظام ولكنه لا يمتلك شجاعة الاحتفاء بتضحياتهم.

مقالات ذات صلة