تقارير

السيولة الأمنية بجنوب دارفور.. القتل والرعب والنهب يتبرص بالجميع

تقرير – نيالا – صوت الهامش

 

كيف وصلت ولاية جنوب دارفور، ومدنية نيالا إلى هذا الدرك من الفوضى والانفلات الأمني ولماذا؟، كيف ظهر مسلسل استهداف أفراد نظاميون أو حكوميون ومن يغتالهم ولماذا؟، أين حكومة الولاية ولجنة أمنها والقيادات العسكرية والشرطية والاستخبارتية بالولاية وسط هذا المستوى من الانحدار الأمني بالولاية؟. أسئلة وتساؤلات كثيراً ما يتداولها موطني ولاية جنوب دارفور ، على الأقل، فيما بينهم بكثافة وبقلق طوال هذه الأيام.

 

مؤخراً بات مواطنوا مدنية نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور، يعيشون حالة رعب حقيقي ويتحركون بحذر شديد وتأمين عالي الحرص جراء ظاهرة النهب المسلح، وحالات السرقة، والتهديد، والاغتيالات التي طالت مفاصل عاصمة الولاية وقلبها ناهيك عن أطرافها، ومحلياتها وأريافها والطرق الرابطة بينها. حالة انفلات أمني وصلت بالجميع حدّ التساءل حول مصير وحق الحياة وحمايتها من الاعتداء قبل انتهاكها ووأدها على مرأى ومسمع الجميع. وأن تحدث الحالات في عنان نهار اليوم أو في الصباح أو منتصف الليل، ليس فيها فرق أو تفريق؛ تقع الحوادث هكذا فحسب، بل يخشى الجميع العودة إلى ذاكرة المدينة أبان عام 2016 – 2017 حيث سادت الفوضى والانفلات الأمني المروّع بالولاية وحاضرتها نيالا بجميع أحيائها ومحلياتها الداخلية.

 

وتقول المواطنة تسابيح احمد عن هذا الوضع “انا كمواطنة بمدينة نيالا اصبحت اخاف علي نفسيّ وناس بيتنا، وكل الناس الأنا بحبهم الموجودين في نيالا وضواحيها؛ فكل يوم والتالي نسمع بقتل أحدهم في أي مكان، والمؤسف أن الحكومة تخرج للمواطنين وتتكلم وتتوعد بالقبض علي الجناة، وهكذا خطابات متكررة وفي النهاية قضية قتل أو نهب هذه تتقفل على مجهول، الأغرب من هذا أن منسوبي الحكومة انفسهم أصبحوا يقتلون ويغتالون، وانا كمواطنة بسيطة أقول هذه تصفية فقط ليس إلا، يعني انا كمواطنة بسيطة لو حكومتي ما قادرة تجيب حق ضابط جيش أو شرطة أو غيرهم، طيب، هذا حال الحكومة نفسها هكذا فنخن كيف يكون حالنا”. وتكمل المواطنة بلهجة دارجة قائلة” انا حاسة أنو الحكومة هذه عايزة البلد دي تكون جايطة كدا بس ونحنا لا نضوق الأمان ولا السكينة، وموضوع التصفية دا أبعادو كتيرة شديد لأنو بمثابة تهديد ووعيد للمواطن المعارض الثائر نظام نحنا بنصفي ضباط بي رتب كبيرة وبنمشي في جنازتهم انت تطلع منو والله نركبك زي ماف أي حاجة”.

 

يرجع البعض أسباب الفوضى الأمنية إلى الضعف البنيوي الذي تعيشه حكومة الولاية التي تمخض عو انقلاب 25 أكتوبر 2021 وضعف اهتمامها بأمن وحماية المواطنين، بينما آخرون يرجعون الأسباب إلى تواطؤ وتباطؤ وتعاون مقصود من قِبل السلطات والمجرمين لافلاتهم من العقاب والمحاسبة وبالتالي تقع الأرواح البريئة والضحايا الأبرياء في براثين نزعتهم الإجرامية، وتسقط في هاويات شرورهم، وأفعالهم القذرة وانتهاكاتهم الجسيمة كما تشير كل الدلائل، وطائفة ثالثة ترى أن الأمور انحرفت إلى مستوى ودرك التصفيات والاستهداف الممنهج وبتخطيط مسبق مع سبق الإصرار والترصد، وما حوداث مقتل العقيد أول أمس بالقرب من مقر القيادة العسكريّة الغربية، وقبله اغتيال نائب المدير التنفيذي لمحلية كبم، وقبلهم قتل شقيق مدير جهاز المخابرات العامة بالسودان، ليست أكثر من شواهدٍ بائنة وواضحة للتدليل والاستشهاد على الإدعاء الأخير. فالأمر وصل مستوى شكوى الجميع من أنه لا تغيب الشمس قبل ما تشرق وإلا يُشاع أن ثمة حادثة نهب مسلح أو سرقة أو تهديد أو اغتيال.. بصورةٍ يومية، لدرجة أن أصبحت “الحالة” حديث المدنية المعتادة والمألوفة؛ إذ تكاد لا تخلو جلسة أو حوار بين اثنان أو اجتماع أو غيره، إلا وحالة انتهاك ما فرضت نفسه رغماً عن أنف الجميع، قسراً عليهم رغم المقاومة.

 

• مواطنون وهاشتاج نشط :

“نيالا غير آمنة”، رسم للتداول- هاشتاغ، صاغها مواطنوا ولابة جنوب دارفور منذ فترة، وما يزال نشطاً في “السوشال ميديا” بتداولٍ وتفعيل مكثف وفعّال. هاشتاغٌ يعبّر عن الحالة الأمنية الخطيرة التي وصلتها الولاية، ومدينة نيالا على وجه الخصوص. حيث تعاني الولاية كثيراً منذ أكثر من شهرين من “ظاهرة” انفلات أمني بشكلٍ لافت ومخيف وخطير. إذ كيف لا وقد أصبح النهب المسلح وحالات الاغتيال والسرقة، والتهديدات، جزءاً من يومياتهم، جزءاً من تفاصيلهم الصغيرة والكبيرة، جزءاً من أحاديث الناس يومياً في كل لحظة وجلسة ومشوار واجتماع. والانكى والاشد خطورة ان هذه انتهاكات تحدث على مرأى الجميع على مدار اليوم صباحاً، وضحى، ومنتصف النهار، وعصراً، وفي منتصف الليل.. وهكذا، وعلى شاكلة عصابات مسلحة، ولوبيات عنيفة شبيه بتلك المنتشرة في مدن وعواصم أمريكا اللاتينية كما نُمطت بها، ولو على كاميرا سينما هوليوود. وقد أمنّ وأتفق جميع من أفادتهم “صوت الهامش” في الحالة، على أن الولاية ليست آمنة مطلقاً، وأن الجميع يعيش حالة رعب فعلي ويتحركون بحذرٍ شديد وتأمين بمستوى عالٍ وحرص كبير. حيث قال المواطن مصدق بدوي “نيالا أصبحت غير آمنة.. مع تكرار عمليات النهب وترويع المواطنين نهاراً جهاراً دون حسم واضح من الجهات الأمنية”. فيما أوضح المواطن عماد داؤود مستوى الحالة التي تعيشها الولاية قائلاً “هيبة الدولة تكاد تكون معدومة، وانتشار الأسلحة والسيارات الغير مقننة”. أما المواطن والناشط الاجتماعي وموظف حكومي، محمد على ذهب فقال ” هذا الإقليم وولاياته هذه التي تعيش حالة سيولة أمنية مخيفة، هي في الأساس مناطق نزاعات وحروب منذ زمن طويل، واعتقد أن الوضع الأمني الذي يعيشها جنوب دارفور مؤخراً بهذه الصورة، يقول كأن الحكومة متواطئة أو مشجعة أو راغبة في حدوث ذلك، أن يظل الوضع هشاً لأن يتحاججوا به في حراك ديسمبر الثائر، والرافض للنظام القائم.. وهكذا المسألة كلها أجندة سياسية يروح ضحيتها أبرياء ومواطنين كُثر”.

 

• انتهاكات وسط وضعيّة عمومية هشة :

وبالطبع لا تخرج هذه الحالة الأمنية الخطيرة التي تعيشها ولاية جنوب دارفور عموماً ومدينة نيالا عن سياق الوضعيّة العمومية الكلية التي تزرخ البلاد تحت رحمتها منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 على الأقل. حيث كثيراً ما تعاني، معظم الولايات وخاصةً، اقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق، من هشاشة أمنية مرعبة وخطيرة وطاغية على كل الاصعدة والمستويات ومناحي الحياة. أقل إفرازاتها، الهجمات الفجيعة التي تعرض لها إنسان ومحلية بليل في آواخر ديسمبر 2022، وقبلها أحداث النيل الأزرق الدامية، ووقائع لقاواة، وولاية غرب كردفان، وآخرها الهجمات على محلية تندلتي في غرب دارفور.. هذا ناهيك عن الأحداث الدموية المؤسفة، والانتهاكات الجسيمة المتفرقة التي تعرضت وما تزال تتعرض لها الكثير من المناطق هنا وهناك. سيولة وهشاشة أمنية هي الأشد دمويةً، والأكثر فتكاً بالأبرياء، والانكى رعباً على الجميع.

 

• دماء حية وغضب شعبي في وجه السلطات :

في الثالث من أبريل الجاري قُتل عريف شرطة بمحلية مرشينج، وقبله في الأول من الشهر ذاته، تداول الجميع مقتل عقيد في القوات المسلحة وبالقرب من مقر القيادة الغربية العسكريّة جوار “فندق المطار” في نيالا في نهار شهر رمضان. حادثة أثارت غضب مواطني الولاية بالخصوص بشكل واسع. وحيال تكرار مثل هذه الحوادث، وطالبوا منذ فترة، حكومة الولاية ولجنة أمنها بضرورة تحري القيام بمهامها وواجباتها تجاه المواطنين والولاية باسرها على أكمل وجه. وقد أصدرت الفرقة السادسة عشر مشاه بياناً، وكذلك شرطة الولاية، ادانتا الجريمة التي وقعت والتي ستذهب في رصيد الولاية من جرائم سيولة أمنية كم طغت مؤخراً على كل مفاصل الولاية ولوثت تفاصيل مواطنيها اليومية.

 

ويقول الموظف الحكومي السر عبد الشكور، “تعاني الولاية من خلل أمني، وعدم جدية من الأجهزة الأمنية حول القوانين المحلية والمركزية التي إذا طبقت يمكن للولاية أن تنعم في هدوء أمني.. فكل الأحداث والانتهاكات التي ارتكبت مؤخراً بالولاية وبالأخص في مدينة نيالا، تشير إلى حالة بطء أو ضعف في انفاذ القوانين المعنية بالأحداث”، ويعتقد أن من أهم الأسباب التي قادت إلى هذه الحالة، “كثرة الواحدات العسكرية غير المقننة، والمحسوبية المنتشرة بين جوانب المرافق الحكومية”، مضيفاً ” يعني العصابة بعد ما تقوم بارتكاب الجريمة، ويتم القبض عليهم، تأتي جهة تقف خلفهم لحمايتهم”. وفيما يتعلق بمداخل الحل يقول عبدالشكور “من أهم الحلول للوضع بوجهة نظري هو تشكيل قوة مشتركة من جيش، وشرطة، وجهاز المخابرات العامة، وحركات مسلحة، ونيابة، ومحكمة ميدانية، قوة مشتركة قوامها لا تقل عن (500) فرد يكون مقرها بحاضرة الولاية، ولكن يحب ان يكون هناك تنشيط لكل محليات الولاية، حيث تسعي إلى محاربة المجرمين، ولما تقبض عليهم تحكم عليهم مباشرةً، وفي نفس الوقت تقوم بمهام حملات مكافحة الظواهر السالبة وضبط الأسلحة والعربات الغير مقننة، وتعمل القوة على مدار العام”.

 

وأكد مواطنون تحدثوا إلى “صوت الهامش”، على أن الولاية وحاضرتها لم تكن لتصل إلى مثل هذا المستوى من الفوضى والعبث والانفلات الأمني إن كانت السلطات بأحهزتها القانونيّة وصلاحياتها المشروعة حرصت وحريصة على محاربة الإجرام ومعاقبة المجرمين ومراقبة الاوضاع بشكل دقيق وباهتمام كبير وواجب حقيقي. لم تكن لتحدث كل هذه الحوادث إذا كانت الحكومة ولجنة أمنها تركت “التواطؤ والتباطؤ والضعف” البادية في وجهما وتحركاتهما.

 

ويصنّف المواطن (غ. ط. ل) اوجه السيولة الأمنية التي تعيشها دارفور عامة وولاية جنوب دارفور مؤخراً إلى نوعين، أولهما “الحروب الأهلية وحرق القرى والنهب الجماعي، والتي حدثت وما تزال تحدث بصورة كبيرة على طول وعرض الإقليم، وخاصةً في الأرياف والقرى والضواحي والمحليات، والتي دوماً تخلّف خسائر بصورة فادحة في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، وقد تختلف أسبابها إلا ان معظمها تعود إلى قضايا الأراضي وتقسيم الحواكير والمزارع والمراحيل، فضلاً عن العنصرية وخطاب الكراهية والضغائن الموروثة”، بينما النوع الثاني يتظهر في “السرقات والنهب المسلح، والقتل الفردي، والطعن، والاغتيالات والتهديدات، ونجدها قد كثرت في حاضرة الولاية؛ نيالا في الفترة الأخيرة بصورة لافتة ومخيفة”، ويرجع المتحدث أسبابها إلى ظروف الفقر والضغوطات الحياتية، بالإضافة إلى تعاطي وادمان المخدرات والتماهي مع وسائط التواصل الإجتماعي، وفوق ذلك غياب دولة مؤسسات التي يمكن أن تبسط هيبتها وتقيم العدالة وتعطي الحقوق”.

 

ويضيف “مدينة نيالا تشهد فيها تقلبات أمنية بصورة خاصة مع مواسم المناسبات مثل عيد الأضحى والفطر والإستقلال والمولد وغيرها”، مؤكد أن “الإصلاح في الشأن الأمني يستلزم إصلاحاً في الشأن الإقتصادي والإجتماعي والسياسي على كافة المستويات، ولا يمكن أن يحدث إصلاحاّ مالم تكن الدولة دولة تسير بمؤسسية، وتعطي الحقوق وتقيم العدل وتطبق القانون، ولا يحدث ذلك إلا بمساهمات الأفراد في شتى الأصعدة، إلا بالتنازلات عن المصالح الشخصية من أجل المصالح العامة، إلا بوضع الوطن في قمة الأولويات”.

وكما هو معلوم أي حالة تهاون واستسهال تجاه الانتهاكات والبطء في على الأقل في معاقبة المجرمين والمرونة واللين في محاسبة الجناة في أي جريمة وحادثة انتهاك ولو صغيرة، لن تصب إلا في خانة تغذية نزعة الإجرام أكثر، وليست أكثر من زيادة تحفيز إضافي لمصادر الجريمة بمزيد من الافعال، ومزيد من تكرار الانتهاكات بلاهوادة، ومزيد من ارتكاب الجرائم بلا خوفٍ وبلا استحياءٍ. كيف لا وأنه يعدم من يطبق القانون ويتحري تفعيله، ويحرص على أرواح الابرياء بسيادة القانون وإرساء مؤسسات العدالة.

 

وأبدى مواطنو الولاية غضباً عارماً تجاه ما أسموه “فوضى فات الحد”، الذي غرق فيه الجميع، وحاضرة الولاية قبل أريافها، وقراها ومحلياتها القريبة منها والبعيدة. ووصل مستوى استياءهم – ووصل الأمر إلى منابر المساجد والنوفذ المدنية للمجتمع المدني – إلى سؤال الحكومة ولجنة أمن الولاية على مدى قدرتها على فرض قوتها للسيطرة على الوضع. فالوضع الامني المروع والمخيف الذي يعيشها الولاية يجعل الجميع في حالة حيرة وتساءل عمن يحميهم، ويرجعون إليه في حالات الاعتداء والأذية، إن كانت الحكومة وباجهزتها العسكريّة والأمنية والاستخبارتية كلها، صاحبة القوة والسلطة والنفوذ والمحتكرة آليات عنف الدولة مقصرة في أداء مهامها بل عاجزة على القيام بواجباتها تجاههم. ويربط البعض أن حالة “الضعف والتخبط” الخطيرة التي تعاني منها سلطات الولاية ليست سوى أحد مظاهر وضعيّة الضعف البنيوي العامة التي تعيشها النظام والحكومة العسكرية الإنقلابية التي تحكم البلاد منذ نهار خطيئة الإنقلاب التي ارتكبتها دهرئذ.

 

وهنا يقول المواطن والناشط الاجتماعي في تنسيقية المقاومة، محي الدين ابراهيم، “ان استباب الأمن واحد من العوامل الرئيسة، والضرورية والملحة التي يستطيع بها الإنسان ممارسة أنشطة حياته اليومية، وأن ما يجري بولاية جنوب دارفور ومحلياتها وقراها واطرافها المختلفة، يعبّر عن حالة خطيرة وبالغة التعقيد، حالة السيولة الأمنية التي أصبح بها مواطن الولاية في وضع مهدد لكل أنشطة حياته الخاصة والعامة، وأصبح يعيش تحت سيطرة الخوف المريب ولم يهدأ له بال، ولم يعيش في أمن وهناء وسعادة” وآمان منذ فترة جراء حالات الانتهاكات المتكررة والاعتداءات اليومية ابتي يتعرض لها مواطني الولاية، وبالخصوص بمدينة نيالا حاضرتها.

 

مدنيوا الولاية يتساءلون :

 

بعد الآن، وفي ظل الفوضى والعبث والانفلات وصل حدّ النخاع، هل على الجميع حماية أنفسهم بأنفسهم، وعليهم تحمّل مسؤولية أعراضهم وخصوصياتهم وأملاكهم أم ماذا؟. ويرون أن (حكومة غير قادرة على حماية نفسها، بالتي لا تسطيع حماية الوطن والمواطن) . ومع هاشتاج ” نيالا غير آمنة” يطالبون بإقالة الوالي ولجنة أمن الولاية مقابل حالة الفوضى والقتل المجاني والنهب المسلح التي ترزح تحتها الولاية بأكملها. ويحمّلون القائد العام للقوات المسلحة، عبدالفتاح البرهان أولاً مسؤولية ما وصلت إليه الولاية من سيولة أمنية مخيفة وصادمة للجميع، بل البلاد بأسرها من وضع أمني هشّ، واجتماعي متصدع، وسياسي سيء معقد، واقتصاديّ منهار.. وضعيّة عنيفة فاسدة بكل معنى الكلمة يعيشها الجميع الآن.

 

وهنا يقول المواطن والناشط الاجتماعي عبدالبادي محمد، أن “حادث اغتيال عقيد ركن في القوات المسلحة وعلى بعد أمتار فقط من رئاسة قيادته، يؤكد مدى التوهان والترديء الأمني الذي وصل إليه السودان عامة وولاية جنوب دارفور بصفة خاصة.. وهي إمتداد لتجليات الأزمة الأمنية التي لا تزال موجودة في دارفور، وبهذا الحادث الخطير نعتبر الأمر وصل لزروته القصوى في جنوب دارفور.. وكل الحوادث الأخيرة تؤكد بجلاء أن هنالك خلل كبير في المنظومة الأمنية بالولاية تتطلب إقالة جميع قياداتهم وعلى رأسهم رئيس لجنة الأمن بالولاية الوالي هنون”.

 

• الحكومة عاجزة عن حماية نفسها :

في منتصف مارس المنصرم تم قتل الفريق احمد ابراهيم مفضل شقيق مدير عام جهاز المخابرات العامة بالسودان وسائقه بحي الوحدة بنيالا عصراً، ونهبه (6 مليار) يُقال أنها تخص مستشفى عد الفرسان. وفي أواخر الشهر ذاته، تم اغتيال نائب المدير التنفيذي وسائقه أيضاً لمحلية كبم وليد بأكثر من (15) طلقة بحسب مصادر مطلعة. بالإضافة إلى حادثة مقتل العقيد بالجيش في الثاني من أبريل الجاري، وبعدها بيومين مقتل تعريف شرطة بمرشينج، وقبلها بأسبوعين هاجم مسلحون نقطة شرطة جرف التابعة لمحلية مرشينج وأوقعوا عدد من الجرحي بين صفوف الشرطة ونهب سيارتهم ولاذوا بالفرار، وقبلها وقوع حادثة ضرب لأحد موظفي وزارة المالية بمزرعته جنوب شرقي نيالا. هذه الأحداث وأكثر والتي، كما هي واضحة، وقعت لشخصيات حكومية أو أفراد نظامية أو لها صلة بمرافق الدولة تشير بجلاء إلى الحالة الخطيرة التي وصلته الولاية أقل ما يمكن تسميته بها؛ انفلات امني حاد. وهو الأمر اللافت الذي كثيراً ما يطرح بإلحاح تساؤلات ويفرض أسئلة افتتاحية المقالة. وتشير أيضاً إلى ما ذهب إليه مواطنون، من أن الولاية كم تعاني من حالة سيولة أمنية مخيفة ومثيرة. كيف لا وأن الحكومة بأحهزتها المتعددة والمختلفة “عاجزة” عن حماية نفسها أو متواطئة في ذلك، أو مساهمة أو شريكة في خلق حالة “الضعف الأمني” التي تعيشها الولاية، والتي قد أصبحت تشكل خطراً وتهديداً حقيقيّاً على وجود مواطني الولاية قبل حكومتها.

 

في ناصية أهم الأسباب التي قادت إلى هذه الحالة الأمنية الخطيرة التي وصلتها الولاية يعتقد المواطن (م. أ. خ)، “أن السيولة الامنية التي عادت مجدداً بصورة مخيفة إلى الولاية وعاصمتها لأسباب أساسية وهي الصراع السياسي بين الجهات الفاعلة في المشهد السياسي، وهي كيانات مسلحة نظاميّة ومليشيات مسلحة ومنظمة شبه نظامية، وبصورة واضحة صراع النفوذ بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع إضافة الي تراخي الجهات الحكومية وعدم التعامل بحسم مع المجرمين، اذ لا يمكن أن تحدث حوادث نهب وقتل في وضح النهار وامام المواطنين ولا تستطيع الحكومة أن تقبض على الجناة، فهذا يقودنا الي فرضتين وكلها تصب في أن الجهات المسؤلة تتحمل أسباب السيولة الامنية؛ فالفرضية الأولى إما اللجنة الامنية متواطئة مع المجرمين وهولاء شبكة منظمة ولديها نفوذ داخل الحكومة وداخل المؤسسة الأمنية والحكومة تعلمهم جيداً وتتستر عليهم بإشارات مثل (متفلتين – وجهات مجهولة)، وإما الفرضية الثانية أنها عاجزة أمام المجرمين ولا تستطيع حتى حماية منسوبيها في القوات المسلحة، والدليل حادث مقتل الضابط في الجيش الأخير، ويمكن ايضاً إضافة غياب الإدارة المسؤلة، وغياب الجهة الرقابية المتمثلة في المجلس التشريعي والعامل الأكبر هو تعدد المليشيات وعدم انضباطها وسط انتشار السلاح”. وعن مدخل الحل يكمل “والحل الإستراتيجي تكمن في إنهاء حالة تعدد الجيوش ودمج جميع الجيوش في مؤسسة عسكرية واحدة تعمل بعقيدة واحدة وهي حماية الشعب السوداني، ولكن الحل المرحلي الآني تكمن في ردع المجرمين وكشفهم اذا كان هناك جهات نظامية متورطة فيها ومحاسبتها وعدم التهاون معها”.

 

• مدنيون يلكون نيران الهشاشة الأمنية :

وخلاف تلك الحوادث التي تعرض لها أفراد نظاميون أو حكوميون، أو لهم ارتباط بسلطة الدولة، وقعت في ذات يوم واقعة مقتل العقيد جيش، حادثة نهب مسلح لعربة قادمة من منطقة سنقو التابعة لمحلية الردوم إلى مدينة نيالا، ولقى فيها مصرع (5) أشخاص. وفي فبراير الماضي، تعرض مدير مجمع العافية الطبي بنيالا بولاية جنوب دارفور عادل سكر إلى محاولة إغتيال في منزله بحي الجير بنيالا، حيث تعرض لإطلاق نار من مجهولين في منزله بالحي عند العاشرة والنصف ليلاً مع محاولة نهب عربته (توسان) . وفي مارس المنصرم تعرض معلم لتهديد أمام بلدية نيالا، وتهديد آخر لتاجر وسط سوق نيالا الكبير، فضلاً عن حادثة إطلاق مسلحون مجهولين النار على تاجر الذهب الفاضل أبكر (52 سنة) أمام منزله بحي الوحدة بمدينة نيالا. وقتل في فبراير من العام الماضي تاجر الذهب أحمد صالح أمام منزله بحي رائق شمال المدينة بعد إطلاق الرصاص عليه من قبل مسلحون مجهولين يستغلون سيارة بدون لوحات. وفي نهاية شهر فبراير الماضي تعرض المواطن الهادي عبدالله لنهب جوار بلدية نيالا، وفي بداية الشهر تم نهب أموال واختطاف سيارة مواطن في قلب السوق الكبير، وقبلها بثلاثة أيام في حي تكساس- شمال السوق الشعبي تعرض صائغ ذهب لإطلاق نار بغرض نهبه، وفي الحي ذاته بعد أيام تعرض مواطن لإطلاق نار من مسلحين وقد نهبوا مبالغ مالية.

 

وعن هذه الحالة وأسبابها يقول المواطن والناشط السياسي (ه. ق. ج) “الولاية تمر بمنعطف خطير جداً وذلك نسبةً لكثرة المحليات وعدم الترابط فيما بينها، فضلاً عن انعدام الحس الأمني لأجهزة الولاية الأمنية، بالإضافة إلى خوف الأفراد من التوّرط في المشاكل التي تواجههم أثناء تأدية واجبهم لأن المجرم معروف لدى الحكومة. هذا ناهيك عن الاستهداف بغرض “التصفية”، وهناك حالات اغتيالات بغرض كسب المال وبيع مسروقات”. وعن الهشاشة الداخلية لحكومة الولاية يضيف “كذلك قيادات الأجهزة ضعيفة في قراراتها، وهناك من يعيش ويقتل وراء مصالح ما. وعلى سبيل المثال، حادث التعدي على ارتكاز خور طلبة شارع نرتتي، قتل فيه اثنين من أفراد الجيش وتم الاستولاء على بنادقهم وتم القبض على المتهمين، لكن تم الإفراج عنهم.. وأيضاً قتل المدير التنفيذي لمحلية كبم لم يتم القبض على الجناة رغم أنهم معروفين لدي الحكومة، زكذلك الأحداث الداخلية في مدنية نيالا كثيرة جداً وكذلك المجرم معروف، ولا ننسى أن هناك أفراد في الاجهزة الأمنية الامنيه تربطهم مصالح مع المجرم وأسرار ممكن تكون مرتبطة به لذا يتم التستر للمجرم، وأيضاً هناك أفراد يتجاوزون سن الثلاثين داخل الولاية ما يعني أنه يمكن يكون لهم علاقات مع المجرمين، وعدم التنقلات كذلك يمكن أن يكون سبب في أداء الأفراد لشغلهم واشغالهم بعملهم الخاص”.

 

• حضور وإدانة قوى حراك ديسمبر للظاهرة :

وفي منتصف مارس المنصرم، أصدر تنسيقية لجان المقاومة نيالا، بياناً جماهيرياً، حول الفساد و تردي الوضع الأمني بالولاية. وأوضحت فيها “حالات الانفلات الامني المريع التي تعيشها الولاية، وما نتج عنها الكثير من حوادث النهب و السلب المسلح داخل مدينة نيالا و تخومها المتفرقة. وأكد البيان أن “حركة المواطنين داخل المدنية تشوبها الرعب والحذر الشديد من التعرض لخطر النهب والسلب المسلح”. وشدد على التطور اللافت في حالة الانفلات الأمني وحوادث النهب المسلح التي تعيشها الولاية. بجانب غوص حكومة الولاية وطاقمها “في بحر من الفساد الماليّ والاداري والتمكين الذي ظل يلازم فترته الانقلابية… وآخره حل مجلس امناء الزكاة الثوري الذي تشكل من رحم الثورة والثوار وقام بتكوين مجلس جديد مشلول وكسيح من الفلول و الانتهازيين”. ونبه بيان التنسيقية موطني الولاية من أن “تنزلق الولاية في أتوان حرب الشوارع قوامها السيارات غير المقننة، وانتشار السلاح الذي يقود الي القتل والنهب وسلب في وضع النهار، وإهدار كرامة وأرواح المواطنين العزل”.

 

• سيولة أمنية رغم اكثر من (6) قيادة عسكرية وقانون :

للمفارقة، وصلت حالة “الهشاشة والسيولة الأمنية” والتي طغت على كل مفاصل الولاية، إلى هذا المستوى الخطورة والتهديد والرعب والشدة، رغم وجود وتوافر بالولاية أكثر، وعلى اعتبار ان الوضع العام في يد سلطات ونظام انقلابي يحتكر كل آليات العنف المسلح، ذو سلطة عسكرية نافذة، رغم وجود وتوافر بالولاية أكثر من (6) قيادة لواء وعمداء بكامل قوتهم العسكري ونفوذهم السلطويّ، وصلاحياتهم العنفية؛ وهي لواء قائد الفرقة (16) مشاه، لواء قائد القيادة الغربية، لواء قائد دعم سريع قطاع ولايات دارفور ، لواء مدير شرطة الولاية، عميد مدير جهاز المخابرات العامة، وعميد قائد الدعم السريع قطاع جنوب دارفور.

 

فوسط وأمام كل هؤلاء القيادات والقوات العسكريّة والشرطية والاستخبارتية وغيرها، كم تعيش ولاية جنوب دارفور حالة نهب مسلح، وسرقات، واغتيالات، وسلب نهاراً بل عل مدى طول وعرض اليوم الواحد بشكل خطير ومخيف ومروع للجميع، لدرجة أن أصبحوا يساءولون عن مصير انفسهم وسبل وطرائق حمايتها من الانتهاكات قبل سؤال الولاية وصورتها ومواردها ومستقبلها إن كانت الوضعيّة بهذه الشاكلة، بهكذا سرديّة يومية تختزل الولاية ومواطنيها العزل الابرياء والضحايا، في فقاعة الخوف والرعب والموت المجاني، وتعرضه لكل أشكال الانتهاكات، وعيشه تحت رحمة العنف بكل مستوياته.

 

وهكذا تعاني الولاية من حالة سيولة أمنية مست كل جوانب الحياة، ويعيش مواطنيها حالة رعب وخوف ويتحركون بحذر شديد وتأمين عالي، إلى أن ينبلج الحال نحو أمن واستقرار لتعود الحياة بالولاية إلى وضعها الطبيعي وإلى ذلك الحين نظل في حالة ترقب وانتظار ومراقبة للوضع وأحوال الناس.

مقالات ذات صلة