تقارير

البشير أكبر العقبات على صعيد تحسين الأوضاع في السودان__تقرير

لندن – صوت الهامش

تساءلت هيئة الإذاعة البريطانية (البي بي سي) في تقرير لها عن الأسباب الكامنة وراء إخفاق رفْع العقوبات الأمريكية في مساعدة السودان؟

وأكد التقرير ضياع آمال السودانيين التي كانت معقودة على رفع العقوبات الأمريكية في تحسين حالتهم الاقتصادية.

وأعاد إلى الأذهان كيف كانت حكومة البشير منتشية لحظة صدور القرار الأمريكي رفع العقوبات في أكتوبر الماضي. 

لم يرَ الساسة السودانيون في القرار مجرد إشارة على نهاية حقبة متوترة على صعيد العلاقات مع واشنطن، وإنما رأوا فيه، وشاركهم في ذلك الشعب السوداني، أملا قريبا في نهاية أزمة اقتصادية طاحنة.

لكن، وبدلا من استعادة مكانه، إذا بالاقتصاد السوداني يسقط في منحدر، مع ارتفاع معدلات التضخم على نحو أرهق الشعب السوداني ولاسيما الطبقة المتوسطة.

وقد تجاوز التضخم نسبة 55%، كما انخفضت قيمة الجنيه السوداني من ربع دولار قبل سنوات قليلة إلى أن بات الدولار يساوي 29 جنيها سودانيا حسب القيمة الرسمية بينما يساوي 40 جنيها في السوق السوداء.

إلى ذلك، ظلت المرتبات كما هي دون ارتفاع يساير هذا التضخم – ما أسفر عن انتشار الغضب والإحباط بين السودانيين.

إلقاء اللوم على الولايات المتحدة

أوضح التقرير أن العقوبات كانت تحظر أي تحويلات مالية باستخدام العملة أو المنتجات الأمريكية. عمليًا، هذا كان يعني حظر التداول في السودان لأية سلعة أو عمل تجاري تم القيام به في الولايات المتحدة.

وعلى مدى سنوات، كانت البنوك الدولية محظورة من التعامل في السودان، ولم يكن في مقدور الدولة ولا الشركات السودانية الحصول على قطع غيار أشياء كالطائرات أو على معدات صحية حيوية.

وعلى الرغم من انتهاء ذلك نظريا، إلا أن الواقع يقول إن شيئا لا يكاد يكون قد تغير.

ويلقي المسؤولون السودانيون باللائمة على كاهل الولايات المتحدة- قائلين إن واشنطن لم تروّج عالميا بالقدر المناسب لفكرة أن السودان لم يعد مكان محظورا أمام الأعمال التجارية.

فيما يرى آخرون، أن الحكومة السودانية كانت تستخدم العقوبات الأمريكية كقناع تخفي وراءه مسؤوليتها عن تدهور الأحوال المعيشية في البلاد.

ويقول حافظ محمد، ناشط حقوقي، إن “الحكومة تنفق أقل من نسبة 10% من ميزانيتها على الصحة والتعليم. إن المشكلة الاقتصادية ليست إلا عَرَضا لمرض المشكلة السياسية التي يواجهها السودان.. ومن ثم فنحن بحاجة قبل أي شيء إلى وقف كافة الصراعات وتقليص الإنفاق على القطاع الأمني والتسليح”.

ورصد التقرير كيف خرج الناس إلى الشوارع في يناير الماضي احتجاجا على رفع الدعم عن القمح، ما أسفر عن ارتفاع في الأسعار. وكيف أن الحكومة اعتقلت العشرات، وبعض هؤلاء ظل قيد الاعتقال لمدة 3 أشهر دون أن توجه إليه أية اتهامات.

انتهاكات في السجون

أمجد فريد، ناشط سياسي، كان أحد المعتقلين في سجن يُطلق عليه اسم “الثلاجة” لأن تكييف الهواء كان دائم التشغيل به.

يقول أمجد “شاهدت شبابا كثيرين يتعرضون للضرب، والكثير من الدارفوريين والنوبيين يخضعون للاعتقال لفترة طويلة جدا”.

ونبه التقرير إلى أن القلق بشأن حقوق الإنسان في السودان ليس أمرًا جديدا – وقد واجهت حكومة البشير سيلا من الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان على مدار ثلاثة عقود منذ استولى البشير على السلطة بانقلاب عسكري.

لكن قضية حقوق الإنسان هذه مرشحة للعب دور حيوي في آخر محاولات السودان لتحسين وضعها الاقتصادي.

رعاية الإرهاب

إن سياسة السودان الخارجية على مدى السنوات القليلة الماضية باتت تخضع لسيطرة توجه واحد هو: تحسين العلاقات مع العالم الخارجي لزيادة الاستثمار.

وتم التطلع إلى عدد من الوجهات الاقتصادية المتنافرة: تركيا، قطر، السعودية، روسيا، والاتحاد الأوروبي – والقائمة تطول.

ويمكن النظر إلى محاولات إبرام صفقة سلام في جنوب السودان مؤخرا في داخل هذا الإطار. ويصب استقرار جنوب السودان في مصلحة السودان – لاسيما إذا عادت إنتاجية الجنوب من النفط إلى تسجيل الأرقام التي كانت تسجلها إبان الانفصال عام 2011.

ولفت التقرير إلى أن صادرات جنوب السودان النفطية تمر عبر خطوط أنابيب سودانية وعبر موانئ سودانية بتكلفة 25 دولار للبرميل تقريبا – ومن ثم فإن أية زيادة في الإنتاج تمثل دعما قويا للخزانة في كلا الدولتين.

لكن في قلب التوجه السوداني إلى تحسين علاقاته الخارجية تأتي العلاقة مع أمريكا؛ فالسودان الآن يستهدف شطب اسمه من قائمة الخارجية الأمريكية الخاصة بالدول الراعية للإرهاب.

وإذا ما تم هذا الشطب، فإن ذلك سيفتح الباب صوب تخفيف من ثقل الديون وصوب الحصول على مساعدات مالية دولية، ومن ثم وضْع نهاية للأزمة الاقتصادية.

وللوصول لتلك الغاية، يتعين على السودان إحراز تقدم على عدد من الأصعدة بينها حقوق الإنسان. وعادة ما ينكر المسؤولون السودانيون حدوث أية انتهاكات لحقوق الإنسان في السودان.

يقول وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد، “كل دول العالم، حتى الولايات المتحدة، لديها مشاكل على صعيد حقوق الإنسان. وللسودان مشاكله على هذا الصعيد، كأية دولة أخرى، ونحن نعمل بجدية لحل تلك المشكلات”.

وأضاف الدرديري جملة تلخص خطة الخرطوم لمجابهة الأزمة الاقتصادية عبر هذا الصعيد (حقوق الإنسان): “بكل تأكيد انخراطنا مع المجتمع الدولي سيفيدنا – أكثر من العزلة”.

ونبه التقرير الذي اطلعت عليه (صوت الهامش)  إلى أن حكومة الخرطوم ليست كيانا متناغما متجانسا، وأن هنالك البعض الذي يقاوم الحاجة إلى تغيير، في ظل أجهزة أمنية مخوفة وهامش ضيق للمعارضة السياسية وغيرها من أوضاع تشرح أسباب بقاء هذا النظام في السلطة كل هذا الزمن.

ورأى التقرير أن ثمة مشكلة أخرى تواجه السلطات في السودان، هذه المشكلة تتمثل في الرئيس البشير ذات نفسه: ذلك أنه متهم من جانب المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد أبناء دارفور. وهو بدوره ينكرها جمعيا.

وأكد التقرير أنه من الصعب انتظار أن يتنحى البشير عن السلطة بشكل سلمي، لاسيما وأنه يعلم أن خطوة كتلك ستجعله أمام قضاة الجنائية الدولية في لاهاي. إنما المرجح أنه سيخوض سباق انتخابات 2020، رغم كل ما قطعه من وعود بأن الفترة الراهنة هي الأخيرة.

  وشدد التقرير على أنه طالما ظل البشير في السلطة، فسيكون من الصعب شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ومن ثم استعادة كامل العلاقات مع الولايات المتحدة وغيرها.

ومع ارتفاع الأسعار يوما بعد يوم، مصحوبا بغضب شعبي متنامي، فإن الحكومة السودانية تمر بوقت صعب.

مقالات ذات صلة