قراءات و تحليلات

أردوغان لن يصلح ما افسده البشير

اسماعيل عبد الله

إنّ التخبط اصبح من السمات الملازمة لمسلك حكومة البشير , فمنذ ثمانية وعشرون عاما ومؤتمرات السلام والتنمية والاقتصاد تنعقد وتنفض , ودهاليز قاعة الصداقة شاهدة عصر على ذلك , فمؤشر اقتصادياتنا يتقهقر ويتراجع باطّراد , لقد شهد نظام الانقاذ تقلبات عديدة في تحالفاته الدولية والاقليمية , فهذا النظام لم يتبنى خطاً واحداً واضحاً في توجهاته السياسية و الاقتصادية , لقد بدأ متشدداً مستضيفاً رمز التشدد الاصولي العالمي اسامة بن لادن , وانتهى بالكفر البواح بكل ما له صلة بالمتشددين , بل ذهب الى ابعد من ذلك , باتباعه منهجاً متسرعاً في الانفتاح والتهافت في علاقته مع الولايات المتحدة الامريكية , التي كانت من الد اعدائه بالامس القريب , فاندفع اليها اندفاعاً اعمى , وباعها كل ما يملك مقابل وعود وهمية , كما تحالف مع ايران , القطب الشيعي الاكبر في المنطقة , ثم تركها دون سابق انزار , و اندمج في التحالف العربي لاستعادة الشرعية لليمن , ثم ما لبث ان بدأ بارسال رسائل مستفزة لهذا التحالف العربي , و ذلك بمغازلته لتركيا اردوغان الاسلامية , فتركيا تعتبر الحليف الاستراتيجي لايران و قطر , اللتان تقفان في الميدان المناويء للتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية , والذي ظل ولما يقارب الثلاث سنوات يقاتل مليشيا الحوثي الانقلابية في اليمن , على امل إعادة الحياة الدستورية الى اليمنيين , بتمكين الحكومة الشرعية التي يقودها الرئيس عبد ربه منصور هادي.
زيارة اردوغان التاريخية للسودان يمكنها ان تحدث انقلاباً ايجابياً في الوضع الاقتصادي للبلاد , بشرط واحد فقط , وهو وجوب وجود نظام حكم فاعل لا يعيبه الفساد المالي و الادراي , وبطبيعة الحال ان مثل هذا النظام الذ نعنيه لا يشبه منظومة الانقاذ , فقد حدث من قبل ان تفجّرت ارض السودان بانهر من الذهب الاسود , وتم تصدير ملايين البراميل الى السوق العالمية , باسعار نفيسة وغالية جداً في ذلك الوقت , لكن وللأسف لم توجه ايرادات النفط لدعم الانتاج , ولا حتى ترميم البنى التحتية للبلاد , ففي خلال تلك الحقبة الخصبة تدفقت اموال البترول الى جيوب وحسابات خاصة الخاصة , وشيدت الابراج العالية والمناطحة للسحب في كوالا لامبور ودبي , وبنيت الفنادق ذات الخمس نجوم في عمق العواصم الافريقية , وكل هذه العقارات هي ممتلكات لافراد ينتمون الى الدائرة الضيقة لجوقة الحاكم , إنّ مثل هذه المنهاجية لن تؤسس لدولة تشجع على الاستثمار , واستقطاب رؤوس الاموال الاجنبية , ولن تحفّز التحالفات والتكتلات الاقتصادية بالدخول معها في اتفاقيات ومعاهدات مالية , فمهما بذل اردوغان من جهد في سبيل اقامة علاقة تجارية متزنة ومتوازنة مع الخرطوم في ظل نظام البشير , لن يستطيع ان يصبر مع هذا النظام المترهل و الآيل للسقوط سنة واحدة , وحتماً سوف يصطدم بواقع اداري متدهور للغاية , تغوص في وحله الدولة السودانية , ولن يقدر على مواصلة المسير في منعرجاته , فهو الزعيم النبيل , صاحب اكثر الرؤى الاقتصادية نجاحاً في بلاده التي عانت كثيراً من التخلف الاقتصادي , في زمان كانت فيه تركيا تتذيل قائمة الدول الاوروبية غير المقتدرة اقتصادياً , فأخذها بيد من حديد وبعزيمة لم تنكسر او تلين , وانتقل بها الى المراكز العليا ليضعها بجدارة ضمن قائمة اقتصاديات الدول العظمى , فتبوأ مقعداً معتبراً في واجهات التجارة العالمية , وهذا النجاح لم يتأتى للشعب التركي الا بعد ان كافح الفساد و المفسدين , وارسى دعائم الشفافية والمحاسبة , و جوّد ادائه الادراي في كل مستويات مؤسسات الدولة , من قمة الهرم الى قاعدته.
الانقاذ عودتنا على الهتاف و الشعارات البرّاقة , ساقتنا سنيناً عجافاً معتمدة على استثمار الامل وحسن النية , وسماحة النفس التي يتمتع بها الانسان السوداني , وقد اصبحت بارعة ومبدعة في استثمار هذا الانسان الطيب , فتاجرت باحلام هذا المواطن البسيط , الذي ما يزال يحاول جاهداً ان يجد لها الاعذار , املاً في الوصول الى غدٍ أفضل , لكن محمد احمد هذا لا يعلم ان الدجالون لا يملكون سوى التحايل والغش والخداع , زاعمين حلحلة مشكلاته الحياتية اليومية , سوف تنقشع سحابة زيارة السلطان العثماني الى الخرطوم في الايام القليلة القادمة , و بعدها سنكون في تحدٍ جديد مع ولاة الامر , خاصةً وارهاصات الموازنة الجديدة للعام 2018 قد اخذت تلقي بظلالها على مخاوف الناس , فالتسريبات الاولية عن هذه الموازنة الكارثة لا تبشر بخير , فالسنة المقبلة ستكون آخر السنين التي سوف تنقضي فيها كل تسويفات الانقاذ , ومماطلاتها مع المواطن السوداني المغلوب على امره , وبها تكون حسناء الانقاذ قد طافت بنا جميع اركان الدنيا من شرقها الى غربها , عارضة نفسها على الجميع دون حياء او حفظ لماء الوجه , في استرخاص مخجل لقيمة الارض و الشعب الذي تحكمه , كاشفة عن كل عيوبها , كيف لا وهي التي قبلت لنفسها ان تكون مستباحة من الجميع وعلى قارعة الطريق , حيث يقوم المارة بمطالعة خباياها , ولم يتبقى لها صفقة واحدة من شجرة توت لتسترها , ولا خيط رفيع من قماش يحجب عنها نظرات اللئام والتفاتات الكرام , وأضحت كل ملفاتها السرية بيد اجهزة مخابرات الجار القريب و العدو البعيد , وما أدل على هذا الانكشاف سوى ارتماء المدير السابق لمكتب الرئيس في حضن مركزية التحالف العربي , فانّه لمن الصعوبة بمكان استمرار وصمود هذا النظام الانقاذي , ذلك لانه زج بنفسه في لعبة الكبار , تلك اللعبة التي لا يتمتع فيها بما يؤهله لخوض غمارها.
تقلبات البشير ما بين المغرب والمشرق , تذكرني بعنوان موضوع نشره احد الكتاب العرب , حول النهاية المأساوية للرئيس اليمني علي عبد الله صالح , الا وهو(الرقص على رؤوس الافاعي) , ولعمري ان الرقص الذي يستعرضه البشير هذه الايام , ينسجم مع ذات السيمفونية والمعزوفة التي رقص على انغامها الرئيس اليمني الراحل في آخر ايامه , فاستهتار الجار بعلاقاته مع جيرانه ليس فيها شيء من الحكمة , وان المثل القائل (جارك القريب ولا ابن عمك البعيد) لهو خير نصح يمكن ان يقدم لحادي ركب الانقاذ , ان كانت هنالك أُذن صاغية , فالمكايدات التي يتبناها نظام الاخوان المسلمين في السودان بحق جيرانه الذين يحيطون به احاطة السوار بالمعصم , ستكون هي الصخرة التي تصطدم بها سفينته المثقلة بالمشاكل والازمات التي ناء بحملها كل من اقترب منها .

ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة