قراءات و تحليلات

حراك ديسمبر.. هل أجبنا عن هذه الأسئلة بوضوح؟ (نظريّة للانتقال من حالة الانتفاضة إلى عتبة الثورة)

حراك ديسمبر.. هل أجبنا عن هذه الأسئلة بوضوح ؟ (نظريّة للانتقال من حالة الانتفاضة إلى عتبة الثورة)

• محمد أبكر موسى*

Mabakarm258@hotmail.com

• توطئة:

لعلّ من نافلة القول، أن سودان ما بعد الاستقلال (أي منذ استقلاله عن المستعمر المصريّ البريطانيّ 1956)، من البلدان التي لم تستقر مذ حينها سياسياً، بل واجتماعياً واقتصادياً على طريقةٍ يُرى لها نموذج القطر الذي يسعى بقوة صوب مواكبة وحركة التقدم الحضاريّ، وصيرورة التطور والتمدن والرُقيّ على كافة الصُعد. وأكثر من ذلك، إنما ظلت حبيسة إعتقال دائرة (سُميت بالشريرة في الوسط السياسيّ والصحفيّ والأكاديميّ أحياناً) قوامها نظام ديمقراطيّ إجرائيّ يقيم قدراً من الوقت قبل أن ينسفه انقلاب عسكريّ سرعان ما تعصف به انتفاضة شعبيّة تُقام على إثرها حالة فترة انتقاليّة، قبل أن تتلاشى بخطوة انقلاب أخرى، وهكذا دواليك بالتوال.

بالتالي ورفضاً لذلك، ومطلباً وإرادةً ورغبةً لمعالجة هذه الوضعيّة الإشكاليّة بشكل جذريّ مسؤول وجاد، ومحاولة حلها بصورة نهائيّة لإقامة نظام حُكم راشد مقبول لدى الشعب؛ النظام الديمقراطيّ على الأقل، عصفت أكثر من ثلاث موجة احتجاجات جماهيريّة؛ انتفاضة أكتوبر 1964، انتفاضة ابريل 1985، وانتفاضة ديسمبر 2018 التي صفعها انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021.

وبالطبع لكل حركة احتجاج إصلاحيّة أو ثوريّة سياقها الخاص، وظروفها الأكثر خصوصيّة، وشروط قيامها، وعوامل نجاحها أو فشلها في دورة حياتها المفترضة، ولكن يبقي أن التخطيط المُنظّم، والرؤية الواضحة، والآليات الفاعلة، والفاعلون الملهمون والأنشطة والمرسومة بحكمة وعقلانيّة بجانب التحليل العميق والدقيق لكل العوامل الداخليّة والخارجيّة، من أهم متطلبات تحقيق تلك الأهداف والتطلعات والأشواق التي قامت/تقوم على أساسها هذه الانتفاضة أو تلك الثورة أو هذا الاحتجاج بالمعني العلميّ والمعرفيّ، رفقة سرديّة الممارسة ونتائج التجربة.

ذلك على وعيّ أن ما الدولة سوى مؤسسات تبعاً لمكونات الدولة أهمها؛ الأرض وهي حدود سياسيّة لها قوانين تضبطها وذات سيادة، والشعب وهو عبارة عن مجتمعات ومجموعات ثقافية واثنية واجتماعية، وتتكون من عدة مؤسسات صغيرة كمؤسسة الزواج، فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني الأخرى كالمدرسة والنوادي الشبابية ودور العبادة، ثم الدستور وهو النظام الأساسي الكليّ الذي يتفق عليه مجموع الشعب لصياغة عقد اجتماعي يتعايشون في تلك الحدود وفقه. وبالتالي نقصد بمحاولة الانتقال إلى مرحلة ثورة تغيير حقيقي جذري شامل ومستدام وفق اعتبار الدولة مؤسسات، إمكانية عمل خطط وبرامج استراتيجيّة لكل مؤسسة ما تصب في النتيجة إلى بناء الدولة المطلوبة، والوطن المأمول، والشعب المنشود.

ولمّا نتتبع سيرة تلك الانتفاضات رفقة الأخيرة، يمكن ملاحظة انها تعانيّ من الإجابة على سؤال: لماذا لم تتحوّل تلك الموجات إلى حالة صيرورة منظمة نحو التغيير على سرديّة الثورة بمفهومها المعرفيّ؟، أو بطريقة أخرى؛ لماذا وكيف توقفت حالة الاحتجاج الجماهيريّ في محطة الانتفاضة وتغيير رؤوس الأنظمة دون الغوص عميقاً نحو مرحلة التأسيس المنظم للتغيير الثوريّ الجذريّ الشامل قبل أن يحدث انقلاب عسكريّ ما ينسف الحالة الثوريّة بأسرها فيقطع الطريق قبل البدء في سلكه؟، أو بطرح أقصر آخر؛ لماذا لم تنتقل صيحة الغضب الشعبيّ الهادرة إلى عتبة الثورة بالمفهوم العلميّ؟.

على عتبة الأسئلة أعلاه وأكثر، نحاول في هذه السرديّة، بمقترب وصفيّ تحليليّ نقديّ استقرائيّ، تتبع سؤال نظريّة التغييرTheory Of Change (لأنها من الطرائق الأكثر فعاليةً لتحقيق الأهداف المرجوّة، وطرحها حلولاً فعّالة لتنظيم العمليات المطلوبة ضمن برامج دقيقة ومفصّلة وجادة تنظم عمليّة التغيير المنشود)، وأسئلتها الاستراتيجيّة، وشروط الانتقال الناجح، وممكنات نقل حالة الاحتجاج الجماهيريّ لحراك ديسمبر من مرحلة الغضب الشعبيّ والانتفاض إلى مرحلة التخطيط المنظم لإحداث الثورة بالمفهوم المعرفيّ لخلق تغيير حقيقيّ جذريّ شامل ومستدام. كل ذلك سعياً لاستجلاء ومناقشة أسئلة الماضيّ وارتباطها بحيثيات الحاضر، واشواق المستقبل، رغبةً في تلمس أجوبةٍ ما لها، أو خلق حالة حوار مفتوح جاد على الأقل مع الجميع لفتح نوافذ أكثر حواريّة لاشتباك معرفيّ جاد مع تلك الدائرة الشريرة.

• سرديّة مفاهيميّة:

يُقصد بنظريّة التغيير، والتي تعني بالإنجليزيّة Theory of Change” ” أداةٌ استراتيجيّة تُستخدم لفهم وتصوّر كيفيّة تحقيق الأثر وقياسه ومتابعته. وتُعد نظريّة التغيير إحدى الطرق الهامة للأفراد والجماعات والمؤسسات التي ترغب في إجراء تغيير ما أو تنفيذ برامج معينة مع سعيها الحثيث والجاد نحو إيجاد أثر ملموس، وقابل للقياس على أرض الواقع. ومما تتميز به نظريّة التغيير عن غيرها من الأدوات الاستراتيجيّة، هو أنها تتعامل بشكل أكبر مع الواقع، وتُظهِر بوضوح العقبات والشروط، والأدوات، والفاعلين، والانشطة، والمتطلبات، والتحديات التي ستواجه طريق التغيير المطلوب.

كما تتميز أيضًا – وهذه مكوناتها الستة – بالبدء بالأثر المرجو تحقيقه أو الهدف النهائيّ (مثل أن يصبح السودان من نماذج المجتمعات والدول الديمقراطيّة في العالم)، ثم الانتقال منه إلى شروط أو متطلبات حدوث ذلك الأثر؛ بحيث تتسلل الأسباب المنطقيّة وتتجلى بوضوح أكثر وصولاً إلى البرامج التي تجعل الشروط واقعًا ملموسًا، قبل الانتقال إلى المؤشرات وهي أدوات قياس تحقيق شروط الأثر المرغوب، ثم الافتراضات وهي المعتقدات حول لماذا سيتحقق الأثر بعد تحقيق الشروط، ومن ثم الانتقال إلى الموارد والمدخلات، وأخيراً الانتهاء برسم مسار التغيير، وهو المخطط الذي يربط ويوضح العلاقة بين كل مكونات النظريّة أعلاه، ومساحة تطبيقها.

وتشير الدراسات إلى صعوبة تحديد التاريخ الأول لاستخدِم مصطلح (نظريّة التغيير) بشكل دقيق، ولكن تم التثبيت على أنها بدأت مع بداية التسعينيات، ومن ثم بدأت تكتسب شعبيةً أكبر تدريجياً لعدة أسباب أهمها: قدرتها على تحديد المشكلات الأساسيّة بدقة أكثر، وأسبابها الجذريّة وعواقبها وتداعياتها، فضلاً عن البحث المُنظّم في النتائج قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل للتدخلات اللازمة ومستوياتها وأثرها وتأثيرها حيال النتائج؛ سواء كانت ناجحة أم فاشلة أو محدودة النجاح.

وبالتاليّ يمكن القول أنها نظريّةً منظّمة معرفيّة مضبوطة جادة وفعّالة، تعمل على توضيح شامل لكيفيّة حدوث التغيير المطلوب إحداثه في سياقٍ معين، ويركز خصوصًا على الربط بين الأنشطة التي نؤديها لإحداث التغيير وبين الكيفيّة التي تؤدي بها هذه الأنشطة والبرامج، وسلسلة النتائج الناجمة عنها؛ لتحقيق الأهداف المرجوّة. وتعبّر نظريّة التغيير عن خطة استراتيجيّة شاملة لتحليلات دقيقة (كتحليل SWOT)، مع استيعابها كافة المتغيرات والظروف الماثلة والمحتملة، مع وضع التوقعات والمخاوف والتداعيات المحتملة بشأن مستويات النتائج النهائيّة والمرحليّة. وعادةً ما يتم وضع نظريّة التغيير عند مرحلة التخطيط والتفاكر المنظم لرسم الأهداف، وفي مرحلة المتابعة والتقييم والمراقبة أيضاً. كما أن فائدتها تكمن في تطوير أسئلة التقييم وتحديد الفجوات والمؤشرات اللازم رصدها ومتابعتها ما يؤشر إلى مرحلة المراجعة النهائية والتقويم، وإعادة الانطلاق من جديد.

• حراك ديسمبر.. أسئلة حول التغيير المطلوب:

لعل من أهم مداخل عمل تقييم موضوعيّ لحراك ديسمبر 2018 في السودان، هو تبادر سؤال نظريّة التغيير وأسئلته الاستراتيجية، وحقيقة وجودها في رؤية وعقليّة وعقل قوى الاحتجاج الجماهيريّ وقاداتهم، وما يتمخض عنه من تساؤلات؛ هل فعلاً – في مرحلة ما من مراحل الحراك – تم صياغة نظريّة ما حول طبيعة التغيير المطلوب إحداثه على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، على المدى القصير والبعيد؟، وما مدى أهمية طرح سؤال نظريّة التغيير وتتبعها على مستوى مشروع جماهيريّ ضخم بحجم تغيير جذري حقيقيّ وشامل على أربعة مستويات التغيير؛ (التغيير على مستوى الفرد، وعلى مستوى العلاقة، والثقافة، وعلى مستوى الهيكليّة)؟، وإلي أي مدى يمكن أن يسهم حضور هذه النظريّة في تحقيق تلك الثورة المنشودة؟. بل هل الحراك يحتاج إلى هذه النظريّة من الأساس على هذا المستوى من المشروع (على اعتبار أن ثورة ديسمبر مشروع تغيير ثوريّ منشود)؟، وإذا سلمنا بضروريتها أين التحليل العميق والدقيق لنقاط قوة وضعف الفاعلون(كتحليل للعوامل الداخليّة الذاتيّة)، وما الفرص والمهددات المتعلقة بتحليل العوامل الخارجيّة،(PESTEL) وهو اختصار للأحرف الأولى بالإنجليزية للعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والبيئية والقانونية؟، ولماذا يجب صياغتها؟، وفي أي مرحلة من مسيرة التغيير المطلوب ينبغي رسمها بدقة؟.

بشكل عام يمكن القول أن مشروع كالعمل بإرادة شعبية لإحداث تغيير ثوريّ شامل وجذريّ(على اعتبار ومفهوم أن الدولة مؤسسات ولا تقوم إلا بتأسيس وبناء وتطوير الأخيرة)، على تلك المستويات الأربعة التي أشرنا عليها أعلاه أقل ما يحتاج إليه، ويتطلبه بشدة هو ضرورة وجود رؤية استراتيجيّة شاملة متكاملة، واضحة، دقيقة، وعمليّة قائمة على تأطير مفاهيميّ منهجيّ رصين يستند على معطيات المشهد العام بالبلاد وعلى كافة الأصعدة، ذلك أن طبيعة المشروع بهذا الحجم يُصعب تحقيقه وبلوغ نهايته المقصودة دون توافر طريقة تفكير مبدعة ومنطقيّة تعمل على صياغة الرؤية النهائية، ثم تعمل على رسم الغايات الكبرى، والأهداف المرجوّة على المدى القصير والمتوسط والبعيد، في شكل خطة عمل استراتيجيّة محكمة وسياسات دقيقة، وآليات مختارة بعنايّة، ومسارات تتبع واضحة، وجداول أنشطة وبرامج محددة بصورة مباشرة وعملية. فالارتجال والعشوائيّة في مثل هذه المشاريع الكبرى(والدولة مشروع ضخم وكبير وذو صيرورة وفق مؤسساتها) قد لا تُؤتي ثمارها كما هو مطلوب، إنما قد لا يحالفها الحظ السعيد؛ النجاح، كما أعتقد.

فالثورة فيما تعنيّ علمياً – على مستوى علاقة المجتمع بالدولة وما يُنشد في السودان بالتحديد منذ استقلاله – إحداث نقلة نوعيّة شاملة ومتكاملة، وجذريّة، وحقيقيّة في كافة مناحي الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة؛ أي أن المسألة تحتاج إلى تخطيط استراتيجيّ جاد وفق تحليلات دقيقة ومفصّلة، وأنشطة وبرامج محددة، آليات تنفيذ، وموارد، وجداول متابعة وتقييم وتقويم، ومدى زمنيّ قد يطول طالما الغاية والرؤية الكبرى في الأساس بعيدة واستراتيجيّة وذات أبعاد شموليّة، تكامليّة، وجوانب تخاطب الجذور والأساسيات، وأصل الأشياء.

• حراك ديسمبر.. خطوات لوضع نظريّة التغيير:

1. يبدأ التخطيط في نظريّة التغيير بتحديد الهدف بعيد المدى المطلوب تحقيقه، وبالتالي في حالة حراك ديسمبر، ما طبيعة الغاية الكبرى للإرادة في التغيير من خلال حراك جماهيري سلميّ متواصل دون توقف حتى لحظة كتابة هذه المقالة؟، أي ما الغاية الكبرى البعيدة لقيام انتفاضة ديسمبر؟، وهل نريدها مشروع تغيير ثوري حقيقي يسعي صوب إحداث نقلة نوعيّة شاملة وجذرية في السودان كدولة، ومجتمعات، وسياق ثقافيّ له خصوصيته؟، بل يتمظهر السؤال الاساسيّ للإشكاليّة الجدليّة هنا: هل نحن أفراداً وجماعات وسياسات وطرائق تفكير نريد فعلاً بآراء ورؤى الجميع تغييراً ثورياً جذرياً، أي الانتقال من وضعيّة الاحتجاج والغضب إلى مرحلة الثورة بالمعني العلميّ؟، وما في شروط ومنطلقات هذا التغيير المطلوب وهذه الثورة؟، أليس حراك ديسمبر الاحتجاجيّ الجماهيريّ يُعد من تمظهرات عوامل واشتراطات وسياقات موضوعيّة أخرى فرضت نفسها بقوة وفق توافر متغيرات داخليّة وخارجيّة؟، إذا كانت الإجابة بالنفيّ، ما مسوغات عدمية ذلك، وما محدداته؟.

2. تحديد نتائج قابلة للقياس، وجميع المتطلبات الضرورية لتحقيق الهدف البعيد في النقطة الأولى؛ أي ما هي النتائج المتوقعة للبرامج القصيرة المدى التي تصب في تحقيق الغاية الكبرى؟، مثلاً لطالما كان انخراط المؤسسة العسكرية في دهاليز السياسة مسألةً ذات أبعاد تاريخيّة لا ثقافيّة؛ أي ثمة عوامل بعينها ورّطتها في الولوج لا أن دخولها كان ذا طابع ثقافيّ وجوديّ بالضرورة، فقط عامل ظروف وسياقات ألقت بظلالها على التوّرط، إذن ما الشروط التي يمكن الأخذ بها لتحييدها واخراجها بل تساعدها في التعاطي مع خروجها بموضوعيّة وتعزز لها عملية الإبعاد بمنطق ورؤية مقبولة، وروح مسالمة متصالحة مع المسألة؟.

3. تحديد الأفتراضات الأساسيّة عن سيّاق عمل النظريّة التي تساعد في تحديد الأسباب التي تجعل بعض الروابط بين الأنشطة والنتائج غير ممكنة عملياً. مثلاً هل ثمة روح جماعيّة فعلاً (وفق تحليل دقيق للعوامل الداخليّة والخارجيّة) للمشاركة الفاعلة في تحقيق ذلك التغيير المطلوب، من خلال إحداث ثورة بالمفهوم المعرفيّ، بكافة متغيراته وتحليلاته وسياقاته ونتائجه المتوقعة سلباً وإيجاباً؟، هل حقيقةً ثمة وعٍ عام للجميع بضرورة القيام بهذه الثورة، ولهم الإلمام الجيد بجوانب وسياسات القضايا التي تغطيها عملية الانتقال النوعيّ المنشود؟، ما وأين التحليل لكل المتغيرات عبر (SWOT) و(PESTEL) بشكل دقيق وواضح وحقيقيّ ومتكامل؟، هل المدة المعينة لمشروع الثورة كافية لتحقيق كافة الأهداف المرجوّة القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى؟، هل بالفعل الرغبة في إجراء تحوّل نوعيّ شامل نابع من صميم الإرادة الحُرة الواعية للشعب، ومن وعيه المستقل افراداً وجماعات، ومن ضميره الاجتماعيّ شعوباً ودولة؟ وهكذا دواليك.

4. تصميم البرامج وتحديد التدخلات التي قد تؤدي إلى النتائج المباشرة المطلوبة، وتحديد الموارد الماديّة واللوجستية اللازمة، وتوضيح الأطراف المتأثرة والمسؤولة عن التنفيذ والمتابعة. أي هنا يجب أن تحدد أهداف حراك ديسمبر الذكية SMARTT نحو مرحلة الثورة، والأنشطة التي يتم تحقيقها بتحديد الموارد ومصادر الدعم، والمبادرات المحتملة، والداعمين، ونوافذ الاستثمار الأمثل. ثم يتم تحديد الفاعلون بالفعل في الخطة الشاملة مثل: من هم الذين ينفذون برامج نظام الحُكم والسياسة والمواطنة؟، ومن الذين يقومون ببرامج الاقتصاد ومعاش المواطن؟، ومن الذين ينفذون خطط الثقافة والتنوع والهوية وقضايا المجتمعات؟، ومن يعملون على تنفيذ أنشطة الإعلام والتعليم والإنتاج المعرفيّ؟، وهكذا.

5. تحديد معايير لقياس نجاح الأهداف الذكيّة وأنشطتها؛ أي أنه لابد من وضع مقاييس معرفة مستويات تحقيق الأهداف وأنشطتها عملياً، وما تشملها من معايير التقييم والمتابعة والمراقبة والتقويم والمعالجات العاجلة والمرسومة مسبقاً. مثلاً كيف ومتى ندرك أن المؤسسة العسكريّة قد اصبحت بالفعل خارج اللُعبة السياسيّة، وتفاعلاتها المرتبطة بالحُكم والسلطة وتوازناتها وصراعاتها؟، وإلى أي مدى يسير الجميع وفق تنفيذ برامج المشروع في الطريق الفعليّ نحو تحقيق عقد اجتماعيّ دستوري اخلاقيّ شامل متفق عليه لدى الجميع، يؤسس لنموذج المجتمع المنشود، والذي يقوم ببناء دولته الحلم حسب وعيه السياسيّ العام، وإرادته الحُرة، وصوته المستقل؟.

6. كتابة ملخص المشروع، وهنا يجب رسم وصياغة نظريّة التغيير كخطة استراتيجيّة محكمة دقيقة توضح الأسباب التي تجعل الجميع يؤمنون بنجاح هذا التغيير المنشود من خلال هذه الثورة الشاملة، مع إمكانية شرح كيفية حدوث هذا التغيير، قبل كتابة الافتراضات والتجارب والدراسات التي استندت إليها هذه الثورة إذا وُجدت. مثل إن استلهم الفاعلون في المشروع الثوريّ من تجارب الانتقال التاريخيّة لمجتمعات ودول أخرى، والتي نجحت بعضها في تحقيق أهدافها، وفشلت بعضها الأخرى؛ كتجربة الانتقال في ألبانيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتيّ، وتجربة أذربيجان عقب استقلاله من المنظومة الشيوعيّة، وتجربة بيلاروسيا بعد استقلاله 1991، وتجربة جورجيا، وهايتي، والثورة البرتغالية في أوكرانيا، أو أي تجارب ثوريّة أو إصلاحيّة هدفت نحو معالجة قضايا المجتمع والدولة وفق طريقة تفكير مبدعة لبناء عقد اجتماعيّ جديد مقبول بإرادة شعبيّة جماهيريّة خالصة.

• قصارى القول:

إذاً لأجل إنجاز تلك الوضعية الجديدة المرغوب فيها لحراك ديسمبر، من خلال إحداث ثورة تغيير حقيقي لابد من الوعي واستدراك شروطها ومنطلقات تحقيقها، وعوامل تعزيزها عبر تحديد طريقة تفكير مبدعة ومنطقية وعملية (تخطيط استراتيجيّ) تعمل على صياغة الغاية الكبرى بدقة ووضوح وتفصيل وشمولية مع وضع الأنشطة والبرامج والاستراتيجيات والآليات والمعايير والمسوغات التي تبرر حقيقة تحقيق ذلك التغيير المطلوب، وبالتالي يبدو أن هذه الأسئلة التي قاربناها في هذه المقالة نعتقد أنها من صميم مشروعيّة وجود هذا الحراك الثوريّ الجماهيري بالبلاد ومحددات نجاحه، بل نكاد نجزم اعتقاداً أنها من أهم متطلبات قيامها وسعيّ الخفيّ والمعلن نحو الانتقال إلى مرحلة أبعد وأكبر واعمق وهي مرحلة إحداث ثورة شاملة متكاملة بالمعنى العلميّ، ذلك لمّا للحراك من متغيرات داخليّة وخارجيّة متمايزة ومتميزة كتلك الثورة التي حولت البشريّة من حقب الظلام إلى عصور النور والرُقي والتمدن، وحقب لاحقة مختلفة تماماً؛ الثورة الفرنسيّة مثلاً.

• مصادر وللإستزادة:

1. دليل منهج SNAP النسخة العربية.

2. محمد أبكر موسى، البنية المعرفية لمنهج SNAP وفاعليته في الانتقال الديمقراطي في السودان، جائزة الكتابة البحثية والتفكير النقدي النسخة الثانية في السودان 2021م.

3. ماريان فإن إس وآخرين، الممارسات العملية لفكر نظرية التغيير، موقع منظمة hivos على الشبكة العنكبوتية.

4. مجموعة باحثين، ورقة بعنوان : نظرية التغيير ودورها في المشاريع التنموية، موقع الباحثون السوريون، تاريخ الدخول 15, 6, 2022, 34pm:6، تاريخ النشر 16-2- 2020, 51: 28: 07.

5. بحث عن “نظرية التغيير” في محرك البحث، ويكيبيديا بتاريخ 14-6-2022, 24pm: 36: 8.

• *صحافيّ، باحثّ، قاصّ، وناشط اجتماعيّ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

‫16 تعليقات

  1. I’ve been surfing online more than three hours lately,
    but I by no means discovered any attention-grabbing article
    like yours. It is pretty value sufficient for me.
    In my opinion, if all web owners and bloggers made excellent content as you
    probably did, the internet will probably be a lot more useful than ever before.