تقارير

اشتعال الوضع في أبيي كفيل بتأجيج الحرب بين السودان وجنوب السودان___تقرير

واشنطن – صوت الهامش

حذرت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية من انسحاب الأمم المتحدة من منطقة أبيي الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين دولتي السودان والجنوب، قائلة إن هذا الانسحاب من شأنه تأجيج الاقتتال في منطقة مضطربة بالأساس.

واستهلت المجلة تقريرا نوهت فيه عن أن الدولتين المنفصلتين بموجب اتفاق سلام شامل عام 2005 لم تتوصلا بعد لاتفاق نهائي بشأن الحدود النهائية في منطقة أبيي فيما بينهما. وعليه فإن وضْع أبيي لا يزال بدون حل حتى اليوم.

ونبه التقرير إلى أن “صندوق أبيي الغنيّ بالنفط” كما يسمونه، يتقاسمه بدو قبيلة “ميسيرية” العرب من الشمال وأبناء قبيلة “الدينكا” من جنوب السودان.

وبعد اشتعال الاقتتال عام 2011، اتفق السودان وجنوبه على السماح بتواجد بعثة محايدة لحفظ السلام وتعزيز الأمن ريثما يتم التوصل لحل سياسي.

واليوم، وبعد سبع سنوات، فإن الشلل السياسي في المنطقة المتنازع عليها (أبيي) يهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة هشّة بالأساس.

وفي غياب حكومة أو نظام قضائي أو قوة شرطية، يعيش 165 ألف سوداني وجنوب سوداني في أبيي معتمدين على وجود آلاف الجنود الأثيوبيين في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

غير أن أعداد هذه القوات قد تتناقص. وفي مايو المنصرم، وافق مجلس الأمن الدولي على تمديد مهمة البعثة في أبيي لكن مع خفض عدد قواتها.
وإذا لم يُظهر كل من السودان وجنوب السودان “تقدما ملحوظًا” على صعيد ترسيم الحدود، فإن مهمة حفظ السلام لن تتجدد بحسب الأمم المتحدة بعد انقضاء فترة التمديد المعلنة 6 أشهر والتي ستنتهي في أكتوبر المقبل.

وتقول البعثة إنه حال عدم إحراز تقدُّم على صعيد ترسيم الحدود، فإن عدد قواتها في أبيي سيتناقص إلى 959ر3 في أكتوبر من 500ر4.

وحذر التقرير من تبعات كارثية حال تناقص أعداد أو إنهاء مهمة بعثة حفظ السلام ليس فقط على أبيي وإنما على الأوضاع في جنوب السودان المطحون برحى الحرب الأهلية منذ خمس سنوات، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى وملايين المشردين.

وقال ستيفانو إليرو، من فريق الاتحاد الأوروبي للتنمية، “إذا اشتعلت الأوضاع في صندوق أبيي، فإن ذلك سيؤجج الأوضاع في جنوب السودان تاركًا إياها في مزيد من الفوضى … وإذا انسحبت قوات الأمم المتحدة، فسيكون لذلك أثر قاتل على الوضع الراهن؛ وستتحول أبيي إلى منطقة غير مأهولة حيث يمكن لأي شخص أن يرتادها ويفعل ما يريد.

ونبه التقرير إلى أن بعثة حفظ السلام في أبيي التي كان مقدّرا لها في بداية الأمر أن تستمر لـ ستة أشهر فقط، قد دخلت الآن في عامها السابع وحوّلت الأمم المتحدة إلى “حكومة أمر واقع” للمنطقة.

وقد تركت حربا 2008 و2011 أبيي أنقاضًا. وتكاد تخلو المستشفيات من أي مستلزمات والمدارس تخلو من المكاتب والكراسي وعادة من المدرسين.
وعندما قصف السودان المنطقة قبل سبع سنوات، نزح معظم أهلها إلى الجنوب، على مقربة من الحدود مع الجنوب حيث شعروا بالأمان، تاركين أبيي التي كانت يوما وطنا لهم.

وفي السنوات الأخيرة، بدأ بعض هؤلاء النازحين في العودة لديارهم الأصلية بأبيي، في محاولة لإعادة بناء حياتهم. وفي ظل توقف التقدم على الصعيد السياسي، فإن الطرفين (المسيرية والدنكا) لم يعودا ينتظران توصّل حكومتيهما إلى حل، وبدأ الطرفان في التصالح والتعايش جنبا إلى جنب في أبيي نابذين السياسة والسياسيين وراء ظهورهم.

وقد توصل هذان الطرفان الشعبيان إلى اتفاق سلام عام 2016، ومنذ ذلك الحين شكّل قادة من الشمال والجنوب لجنة سلام تلتقي مرة كل أسبوع لمناقشة قضايا كالعنف وسرقة الماشية، كما دشن الطرفان سوق “أميت” الذي بات مصدرا لمعيشة القبيلتين المتعايشتين في أبيي (المسيرية والدنكا).

لكن رغم هذا التقدم المحرز على المستوى الشعبي المحلي في أبيي، إلا أن منظمات إنسانية ومقيمين في أبيي يقولون إن الوضع فيها هشّ في ظل إلقاء كل من القبيلتين اللوم على إحداهما الأخرى فيما يتعلق بإرسال رجال مسلحين لتقويض استقرار المنطقة.

ويرى البعض أن السودان المسيطر على حقول النفط في المنطقة يخشى من كثافة وجود الدنكا بأبيي حتى لا يدّعوا بأحقيتهم فيها.

ويحذر لوكا بيونغ دينغ، وهو باحث بمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية بجامعة الدفاع الوطني الأمريكية، من أنه حال غياب الأمم المتحدة، فإن السودان سيستغل الفرصة لفرض السيطرة على أبيي، وهو ما قد يُشعل رد فعل من جانب جنوب السودان.

ويرى بيونغ دينغ، أن الأمم المتحدة جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، قد تستطيعان دفع حكومتي السودان وجنوب السودان على صعيد التوصل إلى حل فيما يتعلق بترسيم الحدود، بينما يتم خفض قوات الأمم المتحدة تدريجيا في أبيي مع زيادة ضخّ تمويلات لمشاريع تنموية أخرى.

وبينما تؤكد الأمم المتحدة استمرارها في الاضطلاع بدور لحثّ حكومتي السودان وجنوب السودان على التقارب على صعيد حل الوضع في أبيي، فإن هذا الحل يبقى معتمدا في نهاية الأمر على إرادة حكومة الدولتين.

ويقول دينغ أروب كول، المتحدث باسم الرئيس الجنوب سوداني سلفا كير بشأن أبيي، إنه وما لم تتدخل الأمم المتحدة وغيرها من الدول على صعيد إيجاد حل لمشكلة ترسيم الحدود في أبيي، فإنها لن تحظى بحلّ أبدًا؛ ذلك أن رئيسَي السودان وجنوب السودان قد وصلا إلى نقطة اليقين من عدم قدرتهما على حل هذه المشكلة.”

مقالات ذات صلة