مقالات وآراء

أولويات المعارضة السودانية ومستقبل ادارة الحكم في السودان الحلقة الثانية

تاور ميرغني علي
تاور ميرغني علي

يجب ان تقبل المعارضة السودانية الناعمة هذه الكلمات الساخنة والهواء الساخن الذي بدأ يخرج من ابناء الهامش اخيرا ,لأنها كانت تضع سلوكها تحت المجهر وسلوك الحكومة تحت مجهر آخر ،وحتي لا نغيب اهلنا في الجبال والكهوف والصحاري والمعسكرات ودول المهجر حول سلوك المعارضة السودانية الناعمة باعتبارهم حلفاء واصدقاءنا غير مأمونين الجانب وهذا رأيهم (الصديق والحليف الخائن) لانهم لا يريدون ان يلدغوا من الجحر مرتين (الاستقلال المزعوم) والذي لا نعترف به ولا نعترف ان السودان استقل بالفعل ولن نحتفل به اطلاقا، لإن الأزمة الوطنية الشاملة والاقتصادية الطاحنة تفاقمت في البلاد وطالت كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية ما بعد الاستقلال, ومع كل صباح جديد تزداد عمقاً بعد الاستقلال والنظام الحاكم الظالم كرس الظلم واصبح شعاره الان(اظلم تحكم)، وهو سليل ونتاج هذه السياسات بحكم طبيعته الطبقية الطفيلية الدكتاتورية والعنصرية لن يغير من سياساته ولن يتنازل عن الاستحواذ الكامل على السلطة والثروة والسلاح وهو لأجل التمكين لنفسه من البقاء في السلطة اكثر من مائة عام يتحالف مع أنظمة البترودولار في العالم العربي والإسلامي وينصب نفسه وكيلاً وسمسارا للامبريالية العالمية في افريقيا ولخدمة المصالح المباشرة لها انصياعاً لأوامر سادته(دور قذر بلا شك).
خدعة المؤتمر الوطني باللف والدوران والالتفاف
يجب ان تعترف المعارضة السودانية الناعمة بان من ضحوا من اجل هذا الشعب هم سكان الهامش وبسبب ذلك هم الان اغلبيتهم اما هجروا قسرا الي معسكرات نائية وصحراوية أو هاجروا خارج الوطن رافضين هيمنة النظام الالتفافية الخادعة والطغيان الجبروتي وبالف والدوران مع المعارضة بابتداع الحوار الوطني ك(المؤتمر الوطني) الالتفافي عليه ولمن لم يفهموا المؤتمر الوطني علي حقيقته الملتوية أسألوا منسوبي المؤتمر الوطني الذين خرجوا منه خالي الوفاض بعد ان عرفوا سياسة اللف والدوران والالتفاف حتي عليهم ،وقديما شرحنا المؤتمر الوطني بانه مجموعة من العصابات أو (العصابة) جاءت لتحكم السودان بالحديد والناروبالبذة العسكرية الهتلرية لتروي الارض السودانية بدماء المدنيين الامنين العزل.
ولكن ما هي السياسة في نظر المؤتمر الوطني
هل هي ) مملكة المشاعر النبيلة؟ بالتأكيد لا. هل هي مملكة المهارات وفن الخداع؟ ليست كذلك. هل هي منطقة نفوذ القوة؟ بالتأكيد. هل هي مملكة القانون؟ ممكن.( هكذا تساءل جوليان فرند Julien Freund))وأجاب على أسئلته بنفسه, في كتابه, ما هي السياسة؟ ( Editions Sirey, Point politique 1963) صدرت بالفرنسية.
هل المعارضة الناعمة قادرة ان تفهم النظام بصورة جادة انها لا تلعب سياسة بل الاسوأ من السياسة الا الطغيان بعينه والدكتاتورية في صورة الدكتاتور العادل، ومن المفيد الإشارة هنا انه لا توجد في اللغة العربية إلا كلمة واحدة ل(السياسة) في هذا المجال للتعبير عن حقائق متعددة المعاني، في حين أننا نجد في اللغة الإنكليزية كلمتين متميزتين policy) وpolitics) تحمل كل منهما المعنى المقصود بدقة ، وكما هو الحال في اللغة العربية, لا توجد في اللغة الفرنسية إلا كلمة واحدة } {politique , يجري استعمالها بصيغة المذكر وبصيغة المؤنث,}،Lepolitique و lapolitique {فكلمة سياسة مستعملة بصيغة المذكر تحيل إلى فكرة النظام الضروري الذي يسمح للناس جميعا, بالعيش المشترك في دولة معينة بسلام، وتعرف المجال الاجتماعي الذي اختار الأفراد إخضاع تناقض مصالحهم لسلطة تملك احتكار الزجر القانوني،وغير القانوني، (Weber, économie et société, 1922 ). و الكلمة نفسها, السياسة, بصيغة المؤنث تحيل إلى فعاليات معينة, ونشاطات يومية. كان تحيل إلى إدارة قطاع ما, السياسة الزراعية, السياسة التعليمية, أو سياسة حزب, أو إلى مناورات السياسيين, أو سياسة رئيس الحكومة الخططية الخ ..والسياسة بهذه الصيغة تتحد بفن الحكم وطرق تنظيم المجتمعات البشرية وياريت ان يتعلم الحاكم الطاغية بانة يسير في دهاليز سياسية تقوده في النهاية الي الهاوية السحيقة.
الاهتمام الشديد بفهم الموضوع السياسي ليس حديثا. ففي العصور القديمة و منذ المدرسة السفسطائية, وأفلاطون وأرسطو.. وضع المفكرون القدماء السياسة في مركز اهتمامهم. حيث عرف أرسطو( 348 ـ322 قبل الميلاد) الإنسان بأنه حيوان سياسي. وبأنه بطبيعية منذور للحياة الاجتماعية. ليس فقط للعيش وإنما ليحيا حياة الفضيلة. أي انه افترض من حيث المبدأ أن الحياة السياسية هي حياة السعادة. فكتب ( يبدو أن الحاضرة (City) , الدولة حديثا, هي جزء من الأشياء الطبيعية وان الإنسان بطبيعته حيوان سياسي) فإذا كانت الحياة السياسية موجودة بفعل الطبيعة،فان هذا يستوجب استبعاد اعتبارها كنتيجة لاتفاق أو لفن قيادة الشعب، فالسياسة ليست ضمن نظام التقليد ولم تنشا عن فن قيادة الشعب، فمن حيث الأصل لم تنشأ الحاضرة أو الجماعة اعتباطا وإنما كانت ضرورة. وهذا ما يعني سياسيا السؤال عن طبيعة النظام الافضل (نظام الحكم الافضل)أو (شكل الحكم الافضل)، ويعتبر أن فضيلة العدالة سياسية كاملة، تبقي الناس معا أحرارا في الجماعة السياسة حاملة لكل منهم ما هو متوجب له.
فالعدل أساس كل الحقوق، ويعتبر أن القوانين الجيدة هي التي تستند على ملاحظة ودراسة الطبيعة. وتتلاءم مع الحقائق التاريخية. فقد وضع أرسطو السياسة في المرتبة العليا, وكان يبحث عن مواصفات الحكومة العادلة التي تستطيع تأمين سعادة المواطنين. وعمل أفلاطون على إضفاء الصبغة الأخلاقية على الحياة السياسية في حين أن أرسطو ميز بين الحق الطبيعي والواجب.
فالمعارضة السودانية الناعمة يجب ان تفهم الدروس المستفادة والعبر من مسايرة نظام دكتاتوري ظلامي لا يفهم السياسة بالطريقة المستقيمة كما هي الكلمة والعبر كثيرة (التزوير الانتخابي ،تلفيق التهم الجزافية,السياسة الامنية الضاغطة) ونتمني لهم ان يستفيقوا من سباتهم والوهم والتيه الذي ادخلهم اليه المؤتمر الوطني أن (الحق هو الوحيد الذي يمتن العلاقات في المجتمع السوداني).
ونواصل في الحلقة الثالثة والاخيرة….

مقالات ذات صلة