قضية دارفورمقالات وآراء

ابوبكر القاضي:محاورة النظام افضل من مجهول يأتي عبر انقلاب عسكري

ابوبكر القاضي

محاورة النظام و التراضي معه علي السلام و التحول الديمقراطي افضل من مجهول العصيان الذي يرجح ان يكون انقلابا !!

– النظام بعد العصيان في اضعف احواله ، وهذا افضل وقت  للتفاوض معه.
 -اذا كان مرجحا ان يكون بديل الانقاذ ( انقلاب عسكري ) فالافضل ان نحاور ( الجن الهرم الذي نعرفه).العصيان المدني يزيل ورقة التوت عن عورة الحكومة ، و يكشف عن ضعف المعارضة بكافة اشكالها :
ينشط في الخرطوم بقوة هذه الايام المبعوث الامريكي لجنوب و شمال السودان من اجل ترتيب لقاء حاسم بين حكومة الخرطوم ، و الحركات المسلحة و القوى التى وقعت علي خارطة الطريق ، ياتي هذا التحرك الامريكي قبل ان يخرج الشعب الشوداني من نشوة سكرة عصيان ٢٧/ نوفمبر ، الذي يؤرخ لحقبة جديدة في تاريخ السودان ، هي ( مرحلة
ما بعد العصيان )، و السؤال الذي يجيب عليه هذا المقال هو ، كيف نوظف نتائج العصيان المدني لخدمة القضية الوطنية السودانية ، و تحديدا .. الحفاظ علي مكتسب الدولة السودانية وتجنيب البلاد من سلبيات الربيع العربي ، و تحقيق التحول الديمقراطي ؟ فالمواطن السوداني ، في العاصمة و في الاقاليم ، يخشي من نتائج الربيع العربي ، و كذلك المجتمع الدولي يريد استقرارا في السودان لوقف الهجرة الي اوروبا ، و اطعام شعب جنوب السودان في الوقت الذي تسير فيه الاوضاع في جنوب السودان من سيئ الي اسوأ مع بوادر ابادة جديد في شرق الاستوائية ، و مصالح المجتمع الدولي يجب مراعاتها ، خاصة وان ، حلول مشاكل الاقتصاد السوداني مرتبط بتسوية اوضاعه مع المجتمع الدولي ، و قبل الخوض الخوض في حيثيات المقال يلزمني التنويه الي ان هذا المقال يعبر عن راي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن راي المؤسسة التي ينتمي اليها .
(١) العصيان يزيل ورقة التوت عن عورة حكومة الخرطوم :
اذا كانت حركة العاشر من مايو ٢٠٠٨ بقيادة الشهيد د خليل ابراهيم اكبر مهدد عسكري لنظام الانقاذ ، حيث استطاع د خليل دخول العاصمة نهارا جهارا ، رغم علم الحكومة المسبق ، فان عصيان ٢٧/نوفمبر/٢٠١٦ هو اكبر مهدد مدني يواجه نظام الانقاذ ، لان الشعب كسر حاجز الخوف ، و مارس العصيان المدني ، و قال ( لا للغلاء ، و للاوضاع الاقتصادية المتردية ) .الخطورة الكبري (علي نظام الخرطوم ) تتجلي في ان الشعب قد استخدم سلاحا مجربا في اكتوبر و ابريل لاسقاط الانظمة العسكرية ، و من المرجح استخدامه لاسقاط نظام الانقاذ .
(٢) العصيان كذلك كشف عن ضعف المعارضة بكل اشكالها !!
اذا كانت انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣ قد كشفت عن بؤس المعارضة الحزبية و النقابية في الخرطوم ، و دورها البائس في قيادة الشارع السوداني لاحداث التغيير عبر الانتفاضة ، فان عصيان ٢٧/نوفمبر ٢٠١٦ قد عمق هذا المفهوم ، فالعصيان كان ( يتيما ) ، بلا اب ، لم يدع حزب سياسي واحد انه حرك هذا العصيان ، و اذهب اكثر من ذلك واقول ان العصيان ربمالا يجد استجابة لو ان الدعوة اليه جاءت من الاحزاب السياسية بوضعها البائس الراهن ، و قد نجح اهل الانقاذ في تفتيت الاحزاب و اضعافها حتي اصبحت عديمة الفاعلية ، و لم يسلم حزب المؤتمر الوطني نفسه من هذا الدمار وداء الانقسام !
(٣) السودان و الفرص الضائعة لتحقيق السلام و الوحدة و التنمية :
يجب ان نعترف بان الفشل الاقتصادي ، و الغلاء ، و تردي الحالة الاقتصادية ، و مجمل الاوضاع التي دفعت ( النساء / البنات ) للخروج في مظاهرات في شارع المطار و في العاصمة المثلثة ثم الي العصيان ، ان هذا الفشل الاقتصادي يعود بالاساس الي فشل الحكومة في ( حوار الوثبة ) و في تنفيذ خارطة الطريق الافريقية ، و الوصول الي سلام مع الحركات المسلحة في دارفور و المنطقتين ( جبال النوبة و الانقسنا ) ، و الشروع في عملية التحول الديمقراطي ، و اقناع المجتمع الدولي و امريكا بصورة خاصة برفع العقوبات الاقتصادية ، و شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب ، و اعفاء ديون السودان الخارجية ، و تشجيع الاتحاد الاوروبي و اليابان و الصين و دول الخليج لدعم الاقتصاد السوداني .
لم تقدر الحكومة السودانية ذهاب كل من السيد / د جبريل ابراهيم رئيس حركة العدل و المساواة ، و القائد مني اركو مناوي رئيس حركة التحرير الي الدوحة بحثا عن السلام في دارفور ، و اضاعت الحكومة فرصة فتح منبر الدوحة و فصل المسارين ، و السماح لمسار دارفور بالانطلاق .. ان الفشل في تحقيق وفاق سوداني حول السلام تتحمل حكومة الخرطوم القسط الاكبر منه ، وبالطبع المعارضة ليست بريئة ، بالكامل ، انه ( فشل سوداني ) ، ناتج عن ضعف ثقافة التسامح و قبول الاخر ، و تقديم الاجندة الحزبية علي الاجندة الوطنية ، و تقديس السلطة اكثر من الوطن .
(٤) هذا هو افضل وقت للتفاوض مع النظام لانه في اضعف احواله ، و الحل التفاوضى و الاتفاق علي السلام و الحفاظ علي وحدة البلاد افضل من البديل المجهول بعد العصيان ، و الذي يرجح ان يكون انقلاب قصر او خلافه !!
هذه الفقرة تمثل الفرضية الجوهرية التي نسعي الي اثباتها ، و فيما يلي نقدم الاسانيد المؤيدة :-
(اولا) الحقيقة التي لا نختلف عليها في المعارضة ، هي ان عصيان ٢٧/ نوفمبر قد جعل نظام الانقاذ في اضعف حالاته ، المسالة التي تحتمل الخلاف هى ، هل هذا هو الوقت المناسب لمحاورة النظام ؟ ام ان هذا هو اوان رفع السقوف و الابتعاد عن النظام ؟!!
القول بالابتعاد عن النظام و عدم محاورته (في هذا الوقت) هو الراي الاحوط الذي لا يكلف صاحبه جهدا كبيرا ، لانه سباحة مع التيار ، لذلك لن أتوقف كثيرا عنده . و نسبة لان كاتب المقال من انصار الرأي القائل بان هذا هو افضل وقت لمحاورة النظام ، فاني ساتوجه لتقديم الادلة و الحيثيات التي بنيت عليها هذا الرأي .
(ثانيا) اذا كان مسلما بان النظام بعد عصيان ٢٧/ نوفمبر في اضعف احواله ، فان الحكمة تقتضي ان تفاوضه وهو في حاله ضعفه ، لتحصل منه علي تنازلات قد لا يعطيها وهو في قوته ، و هذه حقيقة لا تحتاج الي اثبات .
(ثالثا) التغيير عبر التفاوض افضل من القفز في المجهول والذي من المرجح ان يكون انقلاب قصر او مقامرا من الجيش :
التفكير العاطفي يقول : فليذهب نظام الاخوان المسلمين ، و ليكن البديل الشيطان نفسه ، طبعا هذا تفكير غير عقلاني و غير مدروس ، المنطق الذي منع الرجال من الخروج اسوة بمظاهرات البنات في اواخر نوفمبر الماضي هو الخوف من البديل الاسوأ ، والهبوط الي مآلات دول الربيع العربي في ليبيا وسوريا و اليمن . و انوه الي ان التشبيه مع الفارق ، لان الثورات حين قامت في دول الربيع العربي فان هذه الدول كانت ناجحة و متماسكة باقتصاد قوي ، اما سودان اليوم فهو في حالة دولة فاشلة اقتصاديا و امنيا ، و السلاح منتشر خارج قبضة الدولة في كل مكان .. حتي في الخرطوم !! و في دارفور و كردفان وصلنا الي حالة القبيلة الاقوى من الدولة ، لذلك فان التغيير الغير متفق عليه قد يؤدي الي فقدان ( الدولة السودانية نفسها ) ، و انسان الخرطوم يدرك هذه الحقيقة و يعمل لها مليون حساب .
( رابعا) المرجح ان يكون البديل عن الانقاذ ( انقلاب قصر / جهاز الامن + الدعم السريع/ حميدتي ) ، وهذا البديل اسوأ من الانقاذ ، لانه سيعيد انتاج الازمة من جديد مع شطب ال ٢٧ سنة من تجربة الانقاذ .
نجاح عصيان ٢٧/ نوفمبر يعني قرب نهاية عهد الانقاذ الذي انقضي بالتقادم الطبيعي ، ( لقد هرم النظام ) ، و استهلك مشروعه ، وفقد الصلاحية تماما بتحويل الدولة السودانية الي دولة فاشلة ، و هذا الوضع ، و بموجب قانون الازاحة ، و عدم وجود فراغ في الطبيعة ، سيصنع بديله ، الذي يرجح ان يكون من داخله ، خاصة في واقع غياب البديل الحزبي الديمقراطي . لذلك ، من المرجح ان يكون البديل من ( جهاز الامن + الدعم السريع / حميدتي ) ، و ربما يكون من الجيش ، فهو اكبر المتضررين من نظام الانقاذ . في مطلق الاحوال فان اي انقلاب سيكون كارثة ، و اسوأ بديل ، لانه سيعيد انتاج الانقاذ من جديد .
و في احسن الفروض ، و اذا افترضنا ان الانقلابيين الجدد سيكونون طيبين علي شاكلة سوار الدهب ، فان القوي السياسية سوف تطالب بان تكون الفترة الانتقالية سنة واحدة ( خوفا من ان يستمرئ الانقلابيون السلطة اسوة بالنميري و البشير ) ، فالفترة الانتقالية القصيرة سوف تعيد الدولة العميقة نفسها الي السلطة ( الانقاذيين ) عبر صناديق الانتخابات ، و هذا ما جري بالضبط في الانتخابات التي جرت عند نهاية الفترة الانتقالية عام ١٩٨٦ ، حيث عاد ( السدنة) الي البرلمان عبر صناديق الانتخابات . و العزل السياسي مهما توسعت فيه لن يطال اكثر ٢٥٪‏ من الانقاذيين . و في الحركة الاسلامية يوجد اكثر من عشرة آلاف من كوادر الحركة علي شاكلة د تجاني عبدالقادر لم يشغلوا اي مناصب دستورية ، تنفيذية او تشريعية في الانقاذ ، و لن يطالهم اي قانون عزل سياسي .
( خامسا) الذين شاركوا في العصيان قضيتهم اقتصادية / اجتماعية وهي ليست سياسية يمكن حلها بقرار :
الازمة السياسية يمكن حلها بقرار ( دستور + حرية احزاب + حرية اعلام .. الخ ) ، الذين شاركوا في عصيان ٢٧ /نوفمبر قضيتهم اجتماعية و اقتصادية ، ليس لها حلول سحرية بين عشية وضحاها ، و انما تحتاج الي ترتيبات دولية ، اهمها رفع العقوبات الامريكية و الدولية ، و اعفاء الديون الخارجية ، و استقطاب علي الاقل ( ٢٠ مليار دولار ) و ضخه في الاقتصاد السوداني ليشعر المواطن بتحسن حالته المعيشية و توفر الدواء و الكهرباء ، و الغاز ، و الخدمات .
اذا تغير النظام بانقلاب فان الدولة السودانية ستنهار و تتفكك قبل ان يعرف المجتمع الدولي حقيقة الانقلاب ليقرر بشان رفع العقوبات و اعفاء الديون الخارجية . الذين نفذوا العصيان يريدون نتائج سريعة تنعكس علي حياتهم ، و لا يستطيع النظام البديل توفيرها ، و لن يصبر عليه جمهور العصيان ابدا ، ابدا ، لذلك لن يشهد السودان استقرارا بعد التغير عبر العصيان ، و كل دول الربيع العربي شهدت تدهورا كبيرا، سريعا بعد سقوط النظام ، رغم انها كانت دولا قوية اقتصاديا ، فما بالك بالسودان الذي اصلا في حالة دولة فاشلة في جميع المناحي ؟!!
و شاهدنا ، ان التعامل مع شيطان الانقاذ (الهرم ) الذي خبرناه ، و خبره المجتمع الدولي ، ( الذي يملك الدور المفتاحي ) لحل مشاكل السودان الاقتصادية ، افضل للسودان من الدخول في مغامرة مع نظام مجهول.

مقالات ذات صلة