مقالات وآراء

نضوج عملية التغيير… (2)

عبدالباسط محمد الحاج – المحامي

لقد سلطنا الضو فى مقالنا السابق على مجموعة من النقاط التى إعتبرناها مفصلية وجوهرية فى عملية التغيير والتى إكتملت عناصرها ، وبالمرور عرضا على الدور المهم الذي يغطيه الشباب الطليع و الضالع في صناعة التغيير ، فأرتئيت مواصلة التوضيح من تدعيم المقال الاول بثانِ يحمل بداخله بعض النقاط التى لم يتسع المقال لذكرها وتوضيححها أكثر ، أو بصورة أخري أكثر عمقاَ فى تناول الموضوع وبإعتبار أن ذلك مدخل أولى للرؤية ، ولأن الوقائع والمصائر اليوم متداخلة ومتشابكة وأحياناً متباعدة تقتضي شبكة من المفاهيم والمقاربات تتيح للأفراد مغادرة هامشهم الفردي والإنخراط فى صناعة واقعهم والشروع فى تدبير الموضوعات المتعلقة بالمرحلة وإعادة التفكير فيها بشكل جاد وفعال تتيح لهم التفاعل مع المشهد السياسي العام والراهن بإنتاج (برادجيم -) سياسي يواكب المرحلة ويتسق مع الوعى العام الحريص على التغيير .
فخطاب التغيير يجب ان يتفاعل مع طموحات وتطلعات الجيل المعاصر بقدر إنفكاكه عن الخطابات التقليدية المفارقة لظروف اليوم إذ تعود لظروفها وحيثيات إنتاجها وإن توحدت الأسباب المؤدية لذلك ، ولأن المعطيات الحالية تختلف بل انها أكثر تعقيداَ بحكم الأجندة المروحة على منصات التغيير ، فعملية تثوير الخطاب السياسي يجب أن تأخذ حيزاَ كافياَ ونصيب ضمن منابر الفاعلين في التغيير حيث فرص النجاح تتسع وهذا مقرون مع منطق الدولة او النظام الحاكم فيما يمكن أن نسميه بالفعل المضاد لفعل الدولة مباشرة وموازي لخطاب النظام الإستبدادي يصطحب هذا المبدأ عملية إنتاج سبل نوعية فى االطرق المتبعة لتحقيق هذه الغايات بلغة تتماشى وسياق المشروع العام والمبادئ التأسيسية للدولة القادمة ، والتى تقتضي تشمير السواعد والإنخراط فى الميدان لأن لغة الندب والشكوى ومنطق الضعيف والضحية لم تعد تجدى أمام التحديات الجارفة وممارسات نظام أرعن يتفنن فى إستخدام العنف والعسف المفرط فى إستخدام القوة والتنكيل بالمعارضين .
فالمستقرء للخطاب السياسي الراهن يخلص إلى انه من حيث المبدأ يخاطب الواقع ولكن يكن شيئاَ بداخله يجعله غير مقنع للشارع فيما قد يدفعهم للإنخراط فى عملية التثوير وقد يكون لضعف الخطاب او التحليل وتقديم ماهو ضامن لصناعة دولة تختلف عن سابقتها وتقديم نموذج أفضل ، فيما أرى انه يفترض أن يكون أكثر حدة بالقدر الذي تبثه الدولة في إعلامها بحكم أن العملية هى صراعية من الدرجة الأولى مابين نظام مستبد ديكتاتورى و معارضة تسعى لإسقاطه حيث تنحصر خيارات العملية فى أضيق إطاراتها .
فالوضع السياسي والإقتصادي الراهن الآن لا يحتاج إلى شروحات وتكهنات لما قد تؤول إليه الأوضاع أكثر من ما هى عليه الآن بحكم ان نتائج الفشل متعايشة يومياَ وتناهى النظام أصبح أمر حتمى ، بقدرما يحتاج الخطاب السياسي إلى وضع خطط عملية لما بعد التغيير بعيد عن التحيزات الأيدلوجية او التحالفات والإستقاطابات السلبية ، وهذا يتم عبر تقديم الاجندة الوطنية على الحزبية والشخصية وإستلهاب الوعى بالتغيير الذي تحصل عليه الشارع السودانى بصورة تلقائية لأن كل الازمات وفشل النظام القائم أصبح يمس كل مواطن وكل أسرة بسيطة بشكل مباشرة كإنعكاس للفشل المصاحب لنظام الجبهة الإسلامية منذ مجيئها .
إن المشهد السياسي والحقيقة الماثلة أمامنا مكتملة الأركان والعناصر ، حيث الأركان تتمثل في نظام فاشل ومستبد وقاتل وحضور الرغبة الجادة فى التغيير ، والعناصر تتجسد في وجود شعب قادر علي التجرؤ بإتخاذ الخطوة الاولى لصناعة التغيير وبصورة خاصة الشباب بشكل عام بحكم أنهم ضمن المستفيدين منه وكضمان للجيل الذي يأتى من أصلابهم ، فتجرد خطاب التغيير من الأستقطاب والتحيزات والسلبية المجحفة في حق ما نسعى إليه أمر مؤثر ووجوده قد يؤدي إلى ضعف تماسك الخطاب بشكله النهائي ، فعلينا أن نصيغ خطاباتنا الأساسية نحو التغيير والمفتوحة في شكلها المضاد للسلطة والموحدة في شكلها الموجه للشارع العام والمتسقة في لبناتها الأساسية للمرحلة القادمة .

مقالات ذات صلة