مقالات وآراء

الثائر “مني مناوي”.. ضحية “الخال الرئاسي”!

احمد قارديا خميس
احمد قارديا خميس

منذ بداية الأزمة السودانية بدارفور، لعب الجانب الدعائي دوراً مهماً للجانبين، لكنه كان أكثر أهمية وفعالية ونجاحاً لنظام السفاح عمر البشير.. وأزعم أن “البروغاندا”, رغم فشلها في إيقاف ثورة الإنسان السوداني، فإنها مدت في عمر النظام زمناً إضافياً طويلاً أكثر مما حققته قواته وجنجويده وميليشياته علي الأرض.
ومن آخر الأكاذيب والهرطقات والهلوسات أبواق النظام، ما قاله ” الخال الرئاسي” الطيب مصطفي قبل أيام من حديث منسوب لرئيس حركة/جيش تحرير السودان مني اركو مناوي.. الحديث كله ملفق يقول فيه برده علي موقف “مناوي” من رفع العقوبات الأمريكية علي السودان, في ذلك يتهم الحركة ورئيسها بالعنصرية, حيث قال في رده: “لا أريد ان ابادلك اتهاما باتهام سيما اني لم أقتنع في يوم من الأيام بالحرب التي شننتموها وتسببتم بها من الموت والنزوح والدمار الذي تعثر منه دارفور وانسانها وتخلفت جراءه دون سائر الإقاليم بل وتخلف السودان جميعه بسبب ذلك التمرد اللعين ولو قارنت بين تمردكم وبين تمرد ثوار الشرق لعرفت الفرق بين ما احدثتموه من خراب وما احدثه ثوار الشرق جراء صبرهم وسلوكهم المتسامح، ثم ان عدم اقتناعي بتمردكم كان أكبر لانه حمل ظلالا عنصرية يعبر عنها اسم حركتكم “حركة تحرير السودان”.. وردف قائلا في مقال آخر بعنوان “وسخ القصر.. وقصتي مع مناوي” : ” وأقولها في اليوم انني ومنبر السلام العادل ما وقفنا في يوم من الأيام محايدين بين القوات المسلحة السودانية والحركات المتمردة الحاملة للسلاح، فنحن منحازون للقوات المسلحة”!!
فيا “الخال الرئاسي”.. لم يخطر لي قبل الآن أن أكتب رسالة أو أسطر إلي اسلاميين وكبار مؤيدين ابن أختك أو صغارهم! لاقتناعي أنّ أفضل صنف منهم، هم أولئك الذين يضعون مصالحهم الشخصية قبل أية مباديء أو قيم.. ولكنّ رسالتي الآن هي عن دعوتهم للتفكير بتلك قبل أن تصير وبالاً عليهم بدلاً من اتهام “مناوي” بالعنصرية.. لذلك أحببت أن أكتب هذه الأسطر ثم انشرها في صفحات الثورة، لأنّي علي ثقة أن الكثيرين منكم يتابعونها دائما من أجل الاطمئنان علي مستقبلكم ومعرفة كم يوم بقي لرئيسكم في الحكم!!
فيا “الخال الرئاسي”.. حركة/جيش تحرير السودان هي حاجة شعبية مطلبية تكونت عبر سنوات من الظلم والإقصاء والتهميش وسوء توزيع العدالة الاجتماعية وما إلي هناك من تراكمات أدت وبفعل فوقية وعنصرية واستهتار النظام للانفجار، والذي توبع- الاستهتار والفوقية- من خلال المعالجة، فنتج ما نحن أمامه الآن..
فيا “الخال الرئاسي”.. ان رئيس حركة/جيش تحرير السودان مني اركو مناوي من ورائه آلوف من مقاتلين أوشاوش، وأكثر من سبعة ألف شهيد، وملايين في مخيمات الذل والهوان في داخل وخارج السودان، وألوف من طلاب الجامعات السودانية، كلهم تعتبر الحاضنة الاجتماعية للحركة..كم عدد أفراد منبر السلام العادل؟!.. وأية العدالة تتساوي بين الضحية والجلاد، أم أن الجلاد هو ابن أختك، لكي تكون العدالة بين القرابة والبعيد؟!!
ولم تكن تلك هرطقات وهلوسات الأولي، حيث يوجد جيش من العاملين للنظام ينتجون الأكاذيب.. لا يكتفون بالتعليق والرد وترويج مواقف النظام في الإعلام، بل يقومون أيضا بتزييف الصور والأخبار والاحاديث والأقوال وبلغات متعددة برسائل مختلفة.. فالدعاية الموجة للغرب تركز علي أن الثوار “قطاعي الطرق والنهب المسلحة “.. والدعاية الموجهة للعرب تقول لهم ما يحدث ضد نظام البشير ليس إلا مؤامرة ضد العرب والإسلام.. والرسائل الموجهة للسودانيين مختلفة، للإسلاميين يقال إنهم مستهدفون من علمانيين، وللسودانيين الموالين للثورة يقال إنها مؤامرة علي السودان وإن اسرائيل خلفها. وهناك نشاط دعائي موجه للثوار أنفسهم لضرب بعضهم ببعض، أو تقديم معلومات مضللة، كما حصلت في الجبهة الثورية السودانية، وقريبا تحصل في “نداء السودان”!
لهذا، لا أستغرب عندما أسمع سياسيين أو إعلاميين في السودان يتبنون وجهة النظرة الرسمية للنظام السوداني بناء علي الكم الهائل من الأكاذيب والهرطقات التي تصل إليهم، والأكثر غرابة أن الإعلام الإخواني العنصري الموجه للخارج، يقوم بتدوير المواد الدعائية التي ينتجها إعلام نظام البشير، ويزيد عليها باجتهاد لا مثيل له!
إنما أستغرب عندما أسمع من يردد دعاية النظام السوداني من باحثين ومدونين بيننا، رغم سهولة امتحان الحقيقة بالنسبة لهم.. عندما كتب الاستاذ مصطفي البطل عن الاحتفال الذي أقامه طلاب حركة/جيش تحرير السودان بالجامعات السودانية بمناسبة العيد الخامس عشر لقيام الحركة” حيث قال: ” تتهموننا بالهيمنة والتسلط، وترفعون علينا السلاح، ثم تتغنون بأغانينا وترقصون وتبشرون…”؟!! لا أريد الرد لمثل هذا الحديث الساقط، يكفي الرد كان من احرار التحرير( ابونمو، ومتوكل موسي).. ولكن ظننت أنها من إنتاج دعاية نظام البشير، ولم ترتكب أخطاء فادحة، بل أثبت أن النظام السوداني ناجح في تضليل السودانيين المتعلمين والمتابعين والصحافيين والمدونين.. ما كتبه لا يقبل حتي قبل قيام الدولة بمعني الحديث، فالحقائق في المسألة السودانية واضحة لنا في دارفور بغض النظر عن ميولنا وانتماءتنا.
ما يفعله النظام السوداني أكبر من الحقيقة البشعة التي تعرض بكثير، وبدرجة يعجز المرء أحيانا عن تصديقها، رغم وجود كم ضخم من الصور والفيديوهات التي تنشر يوميا من مناطق المنكوبة.. ولكن أبواق النظام لا يقولون الحقيقة المّرة.. طبعا سهل علي البعض التنظير والنقد عن بعد، واختصار كل ما يحدث في أنها مسألة سياسية بحتة، وتقسيم الجميع وفق محاور وقوالب محددة.. في حين أن ما يحدث في دارفور أمر واضح للعيان، تؤيده كميات هائلة من الأدلة من الصدقية بحيث لا يمكن التشكيك فيها، وقد مر 15 عاما علي الحرب كافية لفحص الحقائق.. ان تبسيط الأمور للقاريء البعيد، بتسطيح ما يجري علي أنها نشاطات إعلامية ضمن عداوات سياسية، ومن تدبير أنظمة، لن يلغي الحقائق الكبيرة الماثلة لأهل الإقليم أنفسهم أولاً، وهو الأهم.. ولو لا أن النظام السوداني سييء وشرير جدا ما استمر الثائر مني اركو مناوي والثوار يخاطرون بحياتهم بأنفسهم كل هذا الومن.. يتظاهرون في الجامعات وهم عزل ويقاتلون في الميدان دفاعا عن أهاليهم وقراهم.. هذه ليست أكاذيب ولا أهواء ولا معسكرات سياسية!
وفي المقابل، لو لا أن قوات البشير غير مؤمنة بقضيتها، وتقاتل مرغمة، لكسبت منذ زمن بعيد، فالنظام يملك ترسانة هائلة من الأسلحة، والاف من ميشليات قبلية محلية وأجنبية منخرطة في القتال، ومدد لم ينقطع من جانب حلفائه، وهو الآن محاصر في المدن الرئيسية!
فيا “الخال الرئاسي”.. في الماضي، أعلنتم الجهاد وجييشتم القبائل باسم “الدفاع الشعبي أو المجاهدين” لقتل أهالي الجنوب، وأخيراً ذبحتم الثور الأسود للانفصال؟!!.. واليوم قسمت مكونات دارفور إلي “الزرقة والعرب” وجييشتم القبائل وجلبتم المرتزقة لقتل أهالي دارفور، هل تذبحون الثور الأبيض لإبادة الزرقة في دارفور؟!!
ما لا يفهمه الطيب مصطفي ومصطفي البطل أو الكثير من كتاب النظام السوداني وأبواقه، في مجازر الدم البشعة علي طول الخط الطالع من دارفور إلي جبال الأنقسنا مروراً بجبال النوبة وغيرها من هوامش السودان، هو أن مسطرة السفاح عمر، أو عقل السفاح عمر الحاكم له في الأغوار النفسية السحيقة، هو إعادة رسم الخارطة السكانية والاجتماعية، كما حصل في فرز الصرب عن البوشناق عن الكروات، باستعارة لغة ملاديتش، ورفاقه، وضع من شئت من الاثنيات والقبائل والعشائر، في الحالة السودانية، محل من تمت تسميتهم أعلاه!!
هذا هو المصير، بصرف النظر عن التفاصيل، وبصرف النظر عن هلوسات مصطفي البطل أو هرطقات الكتاب النظام السوداني، ناهيك عن أبواق البشير في دارفور، أو عن خطب ومقالات السيد الطيب مصطفي العصماء، الأمر أكبر من فصاحة المتفاصحين، أو حيل المتحايلين.. الأمر جلل وساطع!!!

 

مقالات ذات صلة