مقالات وآراء

التطهير الديني: فصول من حرق الكنائس بالسودان بعد انفصال الجنوب

الفاضل سعيد سنهوري
الفاضل سعيد سنهوري

أصبح منظر أطلال كنيسة مسيحية مهدمة في السودان من المناظر الشائعة والمألوفه وأكثر الأمثله موجودة في مدينة امدرمان، وعادة ما يترك الجماعة المؤمنة مقر الكنيسة المهدم وتبحث جاهدة لايجاد مكان الاجتماع المؤقت للصلاة في الوقت المناسب ليوم الاحد المقبل، من امثلة ذلك مبني الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في أم درمان حيث جاءت الجرافات وهي جاهزة لهدم مبني الكنيسة وتحت ضغط المصليين المسيحيين ولقاءهم بمعتمد المحلية لكانت الجرافات قد اسقطت المبني علي رؤوس اتباعها، ومع هذا الوعد أيضا لم تسلم الكنيسة سوي لاسبوعين فقط، عادت الجرافات وحولت مبني الكنيسة الي ركام وتم تجريف الكنيسة وتسويتها بالارض وأدعت الحكومة السودانية أن الكنيسة التي بنيت في 1970 بمنطقة عشوائية، وبعد ان دمر الجزء الاكبر من الكنيسة شيد في المنطقة مبني اخر فخم مخصصة للأعمال التجارية، وتم بناء مسجد جديد مباشرة خلف الكنيسة.

لقد كان هدم هذه الكنيسة مؤشراً واضحاً ودليلاً دامغاً لبدء الحكومة السودانية حملة أستهداف الكنائس بالسودان، ولم تكن المرة الأولى من بعد ذلك التي يقوم مسؤولون في الحكومة السودانية باستهداف وبشكل صارخ للكنائس المسيحية بالسودان بعد انفصال الجنوب، في الواقع تبين أن هناك نمط ودلائل موثقة جيدا من تدمير عدد من الكنائس وجرفها من الجذور كسياسة متبعة من الحكومة السودانية لتهويد الكنيسة وتضيق الخناق علي المؤمنيين المسيحيين بالسودان، وكل تلك الاحداث المؤسفة التي تلت تلك الحادثة واستهداف الكنيسة بالسودان يمكن ارجاعه الى انقسام البلاد الي قسمين دولة جنوب الاسلام ذو الغالبية المسيحية وشمال السودان ذو الغالبية المسلمه مع وجود مسيحيين من القبائل كالنوبة والداجو والاقباط والجنوبيين ذو الأصل المختلط، أستهداف الكنائيس بالسودان الشمالي تم مباشرة بعد اعلان الانفصال وقيام دولة جنوب السودان والذي شهد بعده مباشرة خطاب “الدغمسة المشهور” وترويج الرئيس السوداني عمر البشير في وقت لاحق من بعد ذلك الي ان الحكومة السودانية ستطبق الاسلام بنسخة أكثر صرامة للشريعة الإسلامية والثقافة العربية.

وبعد أعلان الحكومة السودانية نيتها في فرض الوجه الجديد للسودان بعد الانفصال وهو ذات الوجه الاسلاموي العروبي الذي تحاول ثورة الانقاذ فرضه منذ العام 1989، ماذالت الحكومة السودانية مستمرة في مسلسل التدمير المنهجي للعديد من الكنائس المسيحية منذ انفصال جنوب السودان وحتي اليوم، فالسودان منذ عام 2012 كان قد طرد المسيحيين الأجانب وتم تجريف مباني الكنائس، وعادة يتم ذلك بحجة أنهم ينتمون إلى جنوب السودان، فقد داهمت السلطات السطات الامنية أيضا محلات بيع الكتب المسيحية وألقت القبض على المسيحيين. وقامت السلطات السودانية في 17 فبراير 2014 بهدم مبنى الكنيسة اللوثرية في أم درمان دون إشعار مسبق، واكد اكثر من شخص في افااتهم حينها ان الجرافات برفقة الشرطة وموظفي المحلية ومعهم أجهزة الأمن والمخابرات الوطني (جهاز الأمن الوطني) ودمرت مبنى كنيسة المسيح السودانية المسيح في منطقة أم درمان.

وفي 24 أغسطس 2014 أوقف مجموعة تتبع لجهاز الامن السوداني بناء كنيسة السودان (SPC) والتي تضم 500 عضو مؤمن في الخرطوم، والذي كان مخطط ان يضم مركز الخرطوم للدراسات اللاهوت (KCC)، وفي حادث مماثل في يوليو 2014 في خبرت تناقلته وسائل الاعلام العالمية ومن بينها الـ CNN أن 70 من المسلمين المتشددين ومسؤولين حكوميين قاموا بمصادر نزل خاص الكنيسة بحي العزبة ببحري وهو حي فقير ودمرت كنيسة على نحيب المناطق المجاورة للكنيسة.

وفي نفس الاسبوع وبطريقة أكثر بشاعه تم تدمير كنيسة أخرى، وهذه المرة تم التدمير عن طريق الحرق وذلك ما حدث في مدينة القضارف بشرق السودان، حيث ليس فقط تم تدمير المبنى كما يحدث في غالب الأوقات بل تعداه لحرق الأثاث وحتى الأناجيل في الداخل مماثل تماماً لما حدث في كنيسة الجريف الشهيرة في العام 2012.

هذه الحوادث المؤسفة والمحزنة ليست بالمفاجئة لكل متابع للحريات الدينية وحرية المعتقد في السودان منذ وصول عمر البشير للسلطة وكذلك بعد انفصال الجنوب، ففي أبريل من العام 2013 اصدر وزير الشئون الدينية والاوقفا قراراً قضي بموجبه أيقاف تراخيص بناء الكنائس الجديدة، وهذا ما أكده التقرير الذي صدر عن لجنة الكونغرس الامريكي بالولايات المتحدة بشأن الحرية الدينية الدولية في العام 2015، وأوضح التقرير في الفصل المتعلق السودان، إن حكومة السودان بقيادة الرئيس عمر حسن البشير، ما زالت مستمرة في القيام والانخراط في الانتهاكات المنهجية والمستمرة والصارخة لحرية الدين أو المعتقد، وأضاف التقرير أن هذه الانتهاكات هي نتيجة لسياسات الرئيس البشير من الأسلمة والتعريب. ويتابع ذات التقرير رصد ومناقشة سياسة الحكومة السودانية في تدمير ومصادرة الكنائس المسيحية، وخلص التقرير الي إلى أن 11 شخصا على الاقل داخل الكنائس تعرضوا للهجوم والاصابه سواء من الموظفين الحكوميين أو غيرهم في السنوات القليلة الماضية التي تلت أنفصال جنوب السودان، ويعرض التقرير المعارك القانونية الأخيرة التي خاضها المسيحيين في السودان بعد محاولات حكومة السودان لمصادرة ممتلكات الكنيسة مثل كل من الكنيسة الإنجيلية بحري والكنيسة الانجليكانية، وأدت تلك المعارك القانونية والاحتجاجات إلى اعتقال 37 من المصلين احتجاجا على العمل المناصر والقانوني.

بالإضافة إلى تدمير كنائسهم فان المسيحيين في السودان يواجهون زيادة في التدقيق في فحص الاوراق الثبوتية عن أصدار تراخيص البناء لمنازلهم وكذلك الاعتقالات من قبل الحكومة السودانية خصوصاً القساوسة، ومن أوضح الامثلة من سجن الأم المسيحية مريم إبراهيم التي كانت ينتظر تنفيذ حكم الإعدام في حقها بعد أن تم توجيهة الاتهام اليها بالردة وكادت ان يفصل راسها عن جسدها وفقاً للقانون بالسودان لإيمانها، بالاضافة إلى اعتقال ومحاكمة القساوسة مايكل وبيتر في الصيف الماضي، والاستمرار في هذة السياسة من الحكومة السودانية تجاه المسيحيين لن تتوقف قريباً وفئات المجتمع والافراد من المسيحيين ستكون مستهدفة في السودان، وسيواجه المؤمنيين بعدالة المسيح السجن والاتهامات الملفقة التي يمكن أن يؤدي الأدانه ببعضها إلى صدور أحكام بالإعدام.

الآن الحكومة السودانية ساعية بكل ما لديها من قوة بواسطة الاجهزة الامنية والقانونية الي تخفيض عدد الكنائس المسيحية وتحويل المتبقي منها الى ركام، هذا هو السبب في الحملة الشرسه التي تتبناها الحكومة السودانية تجاه حرية المعتقد والدين لفرض الاسلام والعروبة، ويتطلب ذلك من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية المشاركة بفاعلية لجعل قضية المسيحيين وحرية المعتقد والدين في السودان من القضايا العالمية، وأن تكون مثل هذه القصص المفزعة مشتركة بين القاصى والدانى في كل انحاء المعمورة ومعروفة لدي كل المؤمنيين المسيحين بكل كنيسة بالعالم، علي الطوائف المسيحية السودانية المختلفة تركيز انتباه العالم على قصص مريم ومايكل وبيتر، ويجب علينا مواصلة الدعوة من أجل مؤمني الكنيسة المضطهدين في جميع أنحاء العالم الذين لا يستطيعون الان من التواصل مع المجتمع الدولي لحقوق الإنسان وهم ضعفاء جداً وتنتهك حقوقهم من قبل المسؤولين الحكوميين في السودان.

مقالات ذات صلة