مقالات وآراء

إرتفاع الدولار و قرنيت الإنفجار

تزامناً مع الأرتفاع المتسارع لسعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني, صدمت محلية شرق النيل ليلة البارحة بحادث مأساوي راح ضحيته تسعة أشخاص وعدد غير قليل من الجرحى, نتيجة لتهور أحد أفراد القوات المسلحة و تفجيره لقنبلة قرانيت وسط حشد للمحتفلين و المحتفلات بمناسبة سعيدة تحولت إلى مأساة كئيبة بحي الشقلة, هل هي المصائب التي لا تأتي فرادى؟ أم أن لعنة الانقاذ ما زالت باقية برغم التغيير الذي ثار من أجله الثوار؟.
لقد جسد الحدثان عنوان هذا الموضوع حقيقة التحديين اللذين يواجهان حكومة الانتقال, وهما تحديا الأمن والأقتصاد, ويا لهما من غولين متوحشين مخيفين ومرعبين بارزة أنيابهما يهددان بوأد مشروع الثورة السودانية, فلكل ثورة اعداؤها وانتهازيوها المتربصين بها والمستغلين لمآلات الأحداث القدرية التي يجريها المهندس الأعظم المدبر لحركة وسكون ناموس الكون سبحانه جل في علاه, فمهما كانت خطابات و لقاءات رموز منظومة الحكم الانتقالي فصيحة وجاذبة, وطالما وعودهم بحل هاتين المعضلتين ماتزال قيد النظرية, فإنّ اللذين لا يرغبون في نجاح الفترة الانتقالية والمراهنين على تمديد هذه الفترة والمسوقين لمشروع الانتخابات المبكرة, سيباركون ويستثمرون في ردود أفعال هذه الأحداث و المشكلات وسلبياتها, التي تعمل على التقليل و التنقيص و التبخيس من شعبية و جماهيرية الحكومة الانتقالية و رموزها.
نقول لكل الشباب و الكنداكات وجميع الثوار من جيل (الصبّة), أن اللذين خذلوا وطنكم في المحكات التاريخية الفاصلة في الماضي القريب, هم هؤلاء اللذين سخروا من ثورتكم في مهدها و وصفوها بأوصاف لا ترقى لأبسط مباديء ومعايير الكلمة المسؤولة, فلا تفرطوا في إنجازكم العظيم هذا و لا تدعوا الانفعال و استعجال النتائج يعمي بصائركم لتنجروا وراء أجندة الحاسدين.
فالتحدي الأمني تسهل السيطرة عليه إذا استمرت حكومة الانتقال في ذات النهج الذي حسمت به تمرد منسوبي هيئة العمليات بجهاز أمن النظام البائد, أما التحدي الأكبر فهو مشكلة المعيشة و(قفة الملاح),التي تتطلب برامج إسعافية عاجلة من قبل وزارة المالية مع صبر جميل من جموع شعوبنا السودانية المنتشرة في أقاليمها العديدة, فالتخريب الذي طال ونخر في عظم العمود الفقري للاقتصاد السوداني لن ينصلح حاله بين ليلة و ضحاها, لقد تمسك شعبنا الكريم بحبال الصبر في عهد الإخوان البائس كما تماسك سيدنا أيوب وسيطر على أعصابه تجاه ما قاساه وعاناه من فقر وسقم, وما على هذا الشعب الطيب إلا أن يربط الأحزمة في مواجهة عسر الحال الذي يمر به هذه الأيام.
على وزارة العدل بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة, أن تقدم حلولاً ناجعة لتفعيل دور النيابات العامة للقيام بالتحريات والملاحقات القانونية لأكلة المال العام, وتخصيص محاكم ناجزة للجرائم الاقتصادية مهمتها البت في حسم ملفات قضايا الفساد بالسرعة المطلوبة, وعلى هذه النيابات توجيه جهاز الشرطة للقيام باعتقال كل رموز رأس المال الاخواني داخل السودان ومصادرة الأموال المنهوبة وإيداعها صندوق الدولة, دون تأخير أوتباطوء أو محسوبية أو مراعاة لروابط وأواصر الدم والمصاهرة بين رموز المنظومة المندحرة و بعض قيادات الفترة الانتقالية, و إصدار مذكرات توقيف بحق كل المجرمين الفاسدين اللذين خرجت جمالهم بما حملت من عملات صعبة إلى بلاد الدنيا يعود مصدرها لايرادات البترول والذهب, و مخاطبة البنوك الماليزية والاماراتية واللندنية والسويسرية لتجميد أرصدة السياسيين التابعين للنظام السالف, إلى حين استرجاعها إلى حضن الخزينة المركزية.
واحد من أعظم الأسباب التي أدت إلى تفشي هذا الغلاء الفاحش, هو تهريب السلع الاستهلاكية اليومية إلى دول الجوار, لقد استمعت صباح اليوم لتسجيل صوتي واتسابي, تحدث فيه أحد المواطنين السودانيين المغتربين بغرب افريقيا عن مشاهدته لجوالات من السكر تتبع لشركة مصنع كنانة معروضة في أسواق الكاميرون, فلا يستقيم عقلاً أن ننتج نحن السلعة و يقوم ضعاف النفوس من أبناء الوطن المنحرفين بتهريبها وتسفيرها إلى دول الجوار ليستنفع بها آخرون, بينما من يسكنون بالقرب من المصانع المنتجة لهذه السلعة الغذائية لا يجدون ما يسدون به الرمق.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة