مقالات وآراء

ظُلم قواعد واجراءات محاكم الارهاب.. نظرة في قضية الجنوبيين من منسوبي حركة العدل والمساواة (دبجو)

صحيفة الهامش

عبد العزيز التوم ابراهيم

لم تكن قواعد واجراءات محاكم الارهاب التي اصدرها رئيس القضاء لوحدها تنطوي علي ظلم صارخ بل ان قيمة جور القانون هي السمة البارزة في المنظومة الجنائية السودانية بما فيها قانون النظام العام لولاية الخرطوم لسنة 1996 ، وبالرجوع الي التعريف الافلاطوني للقانون ” بانه مجموعة من القواعد التي تهدف الي تحقيق العدل ” وهنا عندما ينحرف القانون تنحرف معه قوات الوطن الجماعية وعندما يحول القانون عن غايته الي النقيض عن ذلك تماماً ، القانون حين يغدوا مهمازاً للاطماع الايدولوجية والسياسية بدلا ان يكون كابحاً لجماحها ! القانون حين يرتكب الظلم الذي انيط عقابه ! بكل تاكيد يشكل هذا الانحراف امرا خطيراً وهنا يثور سؤال جوهري في صلب الفكر القانوني ،هل مثل هذه القواعد واللوائح والاوامر التي هي بمثابة تشريعات فرعية وكذا القانون الذي ينطوي علي ظلم بين يُعد قانوناً ؟! وفي هذا السياق نجد ان الاستاذ روبرت ألكسي استاذ القانون العام وفلسفة القانون قد أبان” بان اي نظام قانوني لابد ان يكون عادلاً سواء فيما يتعلق بالقاعدة القانونية المنفردة او القرار القضائي المنفرد ، او فيما يتعلق بالنظام القانوني ككل، فالنظام القانوني الذي لا يُعلن العدالة بشكل صريح او ضمني ليست نظاماً قانونياً ، وأما النظام القانوني الذي يعلن هذا الحق ولا يحققه فهو من الناحية القانونية نظام قانوني ناقص ” وفيما يتعلق بجور النص القانوني فالمادة الثانية من اللائحة رقم 11 للقانون المدني للرايخ ” الامبراطورية الالمانية ” الصادر بتاريخ 25/11/1941 كانت تنص علي حرمان اليهودي المهاجر لاسباب عرقية من الجنسية الالمانية ، وكان علي المحكمة الدستورية الاتحادية ان تقرر طبقاً لهذه المادة فيما اذا كان يقضي حرمان المحامي الذي هاجر الي هولندا ( امستردام ) قبل الحرب العالمية بفترة وجيزة من الجنسية الالمانية ” حيث كان النزاع يتعلق بالقانون الواجب التطبيق علي تركة المحامي اليهودي ولما كان تحديد قانون واجب التطبيق يُعتمد علي تحديد جنسية المُورث عند وفاته” فقد كان علي المحكمة ان تقرر فيما اذا كان المحامي اليهودي ما يزال يحمل الجنسية الالمانية ام انه فقدها طبقاً للائحة المذكورة ، وقد خلُصت المحكمة الدستورية الاتحادية العليا: ان المحامي المذكور لم يقفد الجنسية الالمانية علي الاطلاق ، لان اللائحة رقم (11 )للقانون المدني للرايخ تعتبر في الاساس معدومة (باطلة بطلاناً مطلقاً) لانها تنافي المبادئ الجوهرية للعدالة بشكل صارخ وقد بلغت مُنافاتها للعدالة حدا لا يطاق .
انه حقا نزيف للادمغة القانونية السودانية خاصة ولكل السودانيين حيال منظومتنا القانونية وبالتأمل الي التراث الانساني للشعوب المتمدنة تجد ان هناك تخريجات وروائع من منظوماتهم العدلية بما يتماشي مع قيم العدالة والمساواة علي نقيض محكمتنا الدستورية التي لاتعرف خلال تاريخها سوي مناصرة الظلم …وصدق” المحامي” عندما علق علي قرار المحكمة الدستورية في الطعن المقدم لها بشأن قواعد محكمة الارهاب والذي هو محل حديثنا هنا ان قرار المحكمة الدستورية اسوأ من اللائحة ذاتها ” عندما قضت المحكمة بدستوريتها ! هذه القواعد التي تشكل نموذجا لمعالم الظلم والجور القانوني وكانه فُصلت لايقاع المتهمين فيها لشرك الادانه دون غيرها ! وفي هذا الصدد وقبل ايام قلائل خلت قد اصدرت اصدرت محكمة الارهاب في سلسلة احكامها حكماُ بالاعدام شنقا حتي الموت علي عدد 22 متهم والسجن المؤبد لعدد 3من منسوبي حركة العدل والمساواة (جناح دبجو) من ابناء جنوب السودان ، وقد انضموا للحركة قد انفصال جنوب السودان وظلوا يعملون في صفوفها الي ان وقعت هذه الحركة اتفاقية سلام مع حكومة السودان بتاريخ 21/7/2012 ، واثناء الترتيبات الامنية تم ضبطهم من المعسكر ومن ثم قُدموا للمحاكمة بجحة انهم اجانب ، علي الرغم من تمسك الدفاع بشمولية القرار الصادر من رئاسة الجمهورية والذي يقضي بأعفاء افراد الحركة الموقعة عن افعال جنائية سابقة …قد اصدرت المحكمة حكمها المشاراليها سابقا استنادا الي النظام القانوني المعمول به ، وهنا لابد من الاشارة علي ان قواعد واجراءات محاكم الارهاب تُعلن بشكل صريح مجافاتها لجوهر العدالة مما يجعلها والعدم سواء ! وفي مثل هذه النصوص الجائرة لا يمكن ان نتصور باندياح العدالة ، وقد جاءت هذه القواعد مخالفة للدستور الانتقالي لسنة 2005 وتبعاً لذلك قانون اجراءات الجنائية لسنة 1991 وكذا الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها حكومة السودان ونجد ان هذه القواعد قد اهدرت بل سلبت كل حقوق وضمانات المحاكمة العادلة ورسمت طريقا مُحكماً نحو الادانة! وألبست المصالح والاطماع الايدولوجية والسياسية للنظام الشمولي المستبد بِلَبُوس القانون ناقلاً الصراعات السياسية الي سُوح المحاكم ! وقد يذكر الجميع المسرحية سيئة الاخراج ” لمحاكمة الاستاذين البارزين “فاروق ” وامين مكي” …..وقد نتلمس بعد جوانب الظلم والحيف لهذه القواعد اللاقانونية وذلك علي سبيل المثال : وفي بادئ الامر أطلقت هذه القواعد صافرتها نحو اعلان بداية مباراة الظلم والجور.. بان احكامها تسود علي احكام قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991 وقانون الاثبات لسنة 1994 ، وانه من ابجديات الامور لطالب الصف الاول بالقانون بان الدستور هو القانون الاسمي ثم يليه القانون ومن ثم التشريعات الفرعية (لوائح، قواعد، اوامر) وبالتالي لا يجوز لاي لائحة او قاعدة فرعية ان تأتي مخالفة للدستور والقانون الذي نشأ في ظله والا يُعد باطلاً ! …وقد جاءت قواعد محاكم الارهاب مخالفة للدستور ولقانوني الاجراءات الجنائية والاثبات نذكر جوانب منها : حيث قضت هذه القواعد علي انقاص مدة الاستئناف الي اسبوع بمجافاة لقانون الاجراءات الجنائية التي تحدد مدة الاستئناف ب 15 يوم …في الوقت ذاته دمج مراحل الاسئناف والطعن في درجة واحدة اي ان محكمة الاستئناف تنظر في الاستئناف والتأييد بعكس ما ورد في قانون الاجراءات الجنائية ….تجيز هذه القواعد للمحكمة ان تؤسس حكمها بناء علي القرائن وكذا الاقرارت غير القضائية !…..تلزم الدفاع بتقديم مخلص لافادات الشهود خلال 24 ساعة ولها مطلق الحق في الاخذ بها او رفضها!….اهدار حق المتهم في منحة فرصة لتعين محاميه حيث يقضي علي المتهم بمجرد اخطاره بالجلسة ان يعين محاميه !….تقضي بعدم جواز الطعن في الاحكام والتدابير التي تصدرها محكمة الموضوع اثناء سير الدعوي الا بعد صدور الحكم !….وبعد الوقوف علي عناوين هذا الظلم يمكننا ان نجدد التساؤل ، هل هذه تُعد قواعد قانونية بالمفهوم القانوني ام انها صورة للجُور القانوني وانها باطلة وفي حكم العدم ؟!.

مقالات ذات صلة