مقالات وآراء

إضراب الأطباء: ملائكة الرحمة يوحدون السودانيين

 عثمان نواي
عثمان نواي

لقد استمر إضراب الأطباء لأسبوع كامل وسط نجاح كبير فاق كل التوقعات، واجبر النظام على التوقف عن ممارسة الإرهاب الأمني والسياسي والاستجابة العملية لمطالب الأطباء عبر لقاء بقيادة نائب الرئيس. ومطالب الأطباء العادلة والتي على رأسها ضمان العلاج المجاني للأطفال دون الخامسة وتأهيل العدد الأدنى من طواري المستشفيات حتى يتمكن الأطباء من إنقاذ حياة الناس، أحرجت النظام وكبلت قدرته على المراوغة ودمغ الإضراب بأنه سياسي أو موجه. وما يثيره إضراب الأطباء في الأذهان من ذكرى نجاح المهنيين السودانيين في تحدي الأنظمة وفرض التغيير من خلال الإضراب المدني عبر ثورتين في القرن الماضي، يثبت أن خبرات الشعوب التراكمية لا تموت ولا تنتهي ولكنها تتحول إلى جزء من المكون الثقافي ومن وعي المجتمع.
ان ثقافة الإضراب التي يعتبر السودانيون من روادها على مستوى المنطقة عربيا وأفريقيا لم تسهم فقط في إسقاط الأنظمة، ولكنها أيضا تسهم في تثبيت روح سلطة الشعب. وتسهم أيضا في خلق التضامن الوطني الذي يعبر حواجز التمايز الإقليمي أو الطبقي أو السياسي ليصطف أصحاب المهنة الواحدة تحت راية وطن من الجميل أن يبدو موحدا ولو لأسبوع واحد. وهذا ما قام به إضراب الأطباء الأخير، فالمشاركة الواسعة في الإضراب من دارفور وحتى الدمازين وانضمام المستشفيات الخاصة والاخصائيين جعل من الإضراب مظهرا لقدرة السودانيين على الوقوف معا من أجل التغيير للأفضل.
وإذا سألنا القوى السياسية السودانية الموالية والمعارضة، ماهي الغاية النهائية من هذا الصراع على السلطة، فإن كانت الغاية هي السلطة لذاتها فإذن الأمل سيكون معدوما في أي تغيير لأن الطمع في السلطة لا نهائي ويشكل دائرة مغلقة. فلا الموالين والنظام الذي يظلهم سيقومون بتقديم تنازلات ولا المعارضين سيتوحدون بما يكفي لقلب نظام الحكم. لكن أن كان هذا الجدل الدائر والصراع يعكس حاجة هذا الوطن العاجلة للانعاش، وإنقاذه من براثن الموت، وإغاثة هذا الشعب من هذا العنت، فإن الطريق تبدو واضحة. فمصلحة الشعب والوطن لا تحتاج إلى شرح ولا إلى برامج معقدة. فكما فعل الأطباء عبر إضرابهم فقد وضعوا المواطن ومصلحته اولا، ووقفوا بصدق واستشعار للمسؤولية تجاه حياة المرضى الذين يموتون بين أيديهم كل يوم وهم عاجزين عن تطبيب آلامهم. إذن بنفس هذا القدر من التعالي على الخلافات وتقديم مصلحة المواطن والوطن، على القوى السياسية المعارضة خاصة تجاوز الخلافات والتوحد من أجل هذا الشعب الذي تخنقه كل يوم كيماويات البشير عبر الأسلحة أو الطعام الفاسد، والذي يموت جوعا ومرضا وقصفا. فالتحية لملائكة الرحمة الذين يواصلون مسيرتهم من أجل كرامة المواطن السوداني، وعسى بأجنحة رحمتهم وحكمتهم ترفرف على سياسيينا فيجتمعوا على كلمة واحدة من أجل هذا الشعب المظلوم.

osm.naway@gmail.com

مقالات ذات صلة