مقالات وآراء

حكاية أصحاب الوثيقة وقصة صانع سياط الخيل

بقلم باب الله كجور
زيارة الرئيس البشير لحاضرة ولاية جنوب كردفان كادوقلي مطلع هذا الشهر للمشاركة في افتتاح مهرجان السياحة و الإستثمار و التسوق الثاني لم تحمل أي جديد ولكن ما لفت إنتباه كل مهتم و مهموم بقضايا الولاية هي وثيقة العهد والميثاق التي قدمت من قبل رجال الإدارة الأهلية حيث لم تطالب الإدارة الاهلية في هذه الوثيقة بتوفير الخدمات الأساسية والأمن والإستقرار والسلام ووضع حد للحرب اللعينة التي تسبب في إشعالها الرئيس بخطابه التعبوي التحريضي المبطن بالعبارات العنصرية التي ألقاها بمجلد أثناء الحملة الإنتخابية لحزب المؤتمر الوطني في الإنتخابات التكميلية بالولاية بل ذهب رجال الإدارة الأهلية أبعد من ذلك وأكدوا إنهم بإسم شعب الولاية يرفضون برنامج السودان الجديد و المطالبة بحق تقرير المصير ،فما جاء في الوثيقة ليس من بنات أفكار رجال الإدارة الاهلية وحدهم بل هنالك أيادي أخري تدخلت في كتابة وصياغة الوثيقة بعد أن غررت بالرؤوس وجعلت منهم كبش فداء وضعتهم في فوهة بركان المواجهة ولكن من محاسن هذه الوثيقة إنها كشفت عورة الحكومة وأظهرت النية المبيتة للحزب الحاكم وجردت الإدارة الاهلية من صفة الحياد استنادا علي القوانين التي تنظم عمل الإدارة الأهلية فهنالك نصوص تمنع رجال الإدارة الأهلية من تولي مهام حزبية أثناء تولي مهام في سلك الإدارة الاهلية فقد ورد نص صريح في قانون تنظيم الإدارة الأهلية لولاية جنوب كردفان لسنة 2008 في الفصل الثالث إختيار رجال الإدارة الأهلية واختصاصاتهم و مهامهم المادة (10/8 )أهلية العمدة /المك و يقول النص (دون المساس بالحقوق التي كفلها الدستور لا يتولي مهام حزبية أثناء توليه مهام منصبه)فالحكومة طوعت الإدارة الأهلية لإرادته و جعلت من الأمراء والنظار والمكوك العموميين والسلاطين واجهات للحزب والمكوك و العمد أذرع والشيوخ أدوات لتجريم وشيطنة الخصوم وتخلت الشياخات والعموديات والمكوكيات والامارات والنظارات والسلطنات والمكوكيات العامة عن دورها طواعيا لتقوم بالترويج والتبشير بالمشروع الحضاري والعمل جنب الي جنب مع الأمانات و الشعب وأجهزة الحزب الأخري .
وحكاية اصحاب وثيقة العهد و الميثاق عزيزي القارئ يذكرني بقصة صانع سياط الخيل و التي حدثت في أوائل القرن العشرين حيث استطاعت إحدي الشركات الانجليزية أن تكسب الكثير من الأموال من إنتاج و بيع السياط لأصحاب العربات التي تجرها الخيول فقد كان غاية صاحب الشركة أن تصير شركته من أفضل الشركات التي تنتج سياط الخيل في إنجلترا إلا أنه ارتكب خطأ فادحا فقد رفض تقبل واقع أن تصبح السيارات أكثر شيوعا و في إمكان أي شخص في إنجلترا شراء و اقتناء سيارة بسعر زهيد مما يعني ان السيارات ستحل بالكامل محل العربات التي تجرها الخيول، وبانتهاء الطلب علي السياط هبطت مبيعات الشركة ووصلت إلى ما تحت الأرض حتي افلست ولم يتحمل صاحب الشركة التي تصنع سياط الخيل مواجهة الحقيقة وأن منتجه لم يعد مطلوبا وكان عليه أن يتخذ التدابير والإجراءات اللازمة التي تتيح للشركة تنويع أنشطته لإنتاج منتجات أخري مطلوبة في السوق وبعد ان أدرك صانع سياط الخيل الحقيقة كانت الشركة قد توقفت عن الإنتاج واللبيب بالإشارة يفهم .
فالوثيقة فتحت الباب على مصرعيه لكل من يريد ان يعرف محتوى برنامج السودان الجديد أو يستفسر عن معني و مغزى حق تقرير المصير لأن الممنوع مرغوب فكان من الاجدي و الأحسن للحكومة أن توجه الإدارة الأهلية أن تبذل قصاري جهدها لرتق النسيج الاجتماعي والمصالحات وبناء السلام بين الأسر و الافخاذ و البطون و العشائر و القبائل و المجموعات بدلا من التحرك في الإتجاه السالبة بغرس بذور الفتن و الطعن و تسفيه أحلام من يخرج من الجلباب الفضفاض ليتنسم و يستنشق عبق الحرية فمن يضع هدفا نصب عينيه و يريد تحقيقه فإنه حتما سيضع الخطة المناسبة ويصنع الطريق الذي سيسير فيه بأمان و سيحتاط من كل ما يمكن ان يعكر صفو مسيرته حتي يصل إلى مبتغاه .
فالحكومة و من خلفها الإدارة الأهلية لن تستطيع مهما فعلت بعد ستة سنوات من عمر الحرب أن تعبر الهوة التي حفرها بعمق عشرون قدما بقفزتين طول كل منها عشرة أقدام.
جبال النوبة …. سلارا

مقالات ذات صلة