مقالات وآراء

ثنائية السلطة والفساد في دولة الإنقاذ

حسن احمد الحسن
حسن احمد الحسن

عندما ابرمت قيادة الجبهة الوطنية السودانية في عام 77 عقد المصالحة الوطنية مع نظام نميرى لوضع حد لخيارات العنف والعنف المضاد في اعقاب تداعيات حركة 2 يوليو عام 76 التي قادها حزب الأمة وشارك فيها كوادر من الإخوان المسلمين وبعض الاتحاديين وفق شروط لم يفي بها نظام نميري أدت لنسفها تماما وعمليا ، قررت حينها جماعة الترابي المضي قدما في تحقيق اجندتها الخاصة تحت ظل نميري بعد ان بايعته اماما للمسلمين وهي البناء التنظيمي بكل جوانبه الفئوية والمالية والتغلغل في أركان دولة مايو ونظامها حتى يتسنى لهم التأثير وإحكام قبضتهم على النظام ومن ثم القفز والاستيلاء على السلطة في الوقت المناسب .
وحسب اعترافات الدكتور الترابي كان الهدف منذ البداية هو السيطرة على البلاد وإقصاء الآخرين والاستيلاء على مواردها الاقتصادية وتوظيفها لصالح حزبهم .
كل ذلك تم دون وجود برنامج واضح المعالم للانطلاق بالبلاد إلى رحاب التنمية والعدالة رغم تطاول الشعارات الإسلامية التي رفعوها وهذا ما أكدته السنوات التي تتابعت تحت سلطتهم حيث وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه الآن من تدهور مريع في كافة المجالات يشهد به المسؤولون على فشلهم .
غير ان ما نشهد به لهذه الجماعة بمختلف مسمياتها أنها نجحت بجدارة في إعمال خطط التمكين التي نظّرت لها منذ السبعينيات والتي حولت بعد انقلابها على الديمقراطية كل الموارد الاقتصادية للدولة وجميع المؤسسات العامة إلى ممتلكات خاصة بأفرادها أتت عليها كما تأتى الذئاب على الفريسة لتجعلها أثرا بعد عين . هكذا نهبت الخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية وبيعت المشروعات القومية للمحاسيب ونهب المال العام وقنن الفساد لحماية المفسدين بعد ان فاحت روائحه وهكذا نهبت أموال وعائدات النفط التي بلغت 70 مليار دولار خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت التوقيع على اتفاقية السلام مع الجنوبيين . وهكذا أفرغت الخدمة المدنية من الخبراء والشرفاء وعبئت بالجهلاء والمتعلمين من الأتباع وأفرغت المؤسسات الأمنية النظامية من الوطنيين وتحولت إلى مليشيات من قطاع الطرق تغدق عليهم الأموال العامة لحماية الفساد والمفسدين .
فاصبح الفساد سمة أساسية من سمات النظام وأصبحت قصص المفسدين تعج بها الصحف والمواقع الإخبارية وتبارى الحكام وأهل الحزب الحاكم في عمليات السلب والنهب دون مساءلة أو محاسبة في وضح النهار أمام قضاء عاجز ومكبل بقرارات السلطة التنفيذية وقرارات أجهزة الأمن التي تحظر مجرد نشر صور الفساد ومتابعته .
وأصبح المفسدون يتبارون فيما بينهم بامتلاك الشركات والمصانع والعقارات داخل السودان وخارجه دون مساءلة فمنهم من يمتلك العقارات في دبي ومنهم من يمتلك المصانع في ماليزيا ومنهم من يمتلك الأرصدة في بنوك العالم المستترة بأسماء أفراد أسرهم بينما حال البلاد يغنى عن السؤال لكل من ألقى السمع وهو شهيد .
الغريب أن كل هذا الجدل الذي يدور حول المفاوضات والمباحثات بين أطراف الحوار الوطنى لم يثار فيه أي حديث واضح حول الفساد ومصير المفسدين وهو ما يدلل على عظم المأساة وما يبرهن على أن الفساد قد أصبح من قمة السلطة وحتى أخمص قدميها بل أنه امتد إلى شريحة واسعة من الطفيليين من مختلف المجموعات التي آثرت طموحاتها الشخصية على قضايا لوطن وباعت نفسها لرغبات السلطة وأهوائها مقابل المشاركة في عمليات نهب وسلب البلاد والعباد كل حسب براعته في اللصوصية والاحتيال على نحو ما نشاهد ونرى هذه الأيام من قصص وحكايات دون أن يجرؤ احد على التساؤل او المساءلة .
السؤال الذي يطرح نفسه الآن لأهل الإنقاذ وشيعتها هو اليس ربع قرن من السلب والنهب كافيا لوقف هذه الاستباحة التي لا يقرها دين ولا قانون وقيم ولا اخلاق ؟
ورغم كل هذا تجد من بعض المفسدين جرأتهم على الحديث في وسائل اعلام بيت الطاعة عن الشرف وقيم الدين والوطنية بل أن المحزن جدا أنك تجد أيضا من يصفق لهم رهبا ورغبا .
غير انه لاشك ان هناك العديد من الشرفاء والوطنيين في مجالات النيابة والقضاء والمحاماة هؤلاء مطالبون دون غيرهم من منظمات المجتمع المدني بكاملها بتوثيق وتدوين قضايا الفساد ورصدها وحفظها وفقا للأسس القانونية ليوم تنتصر فيه العدالة وترد الحقوق إلى أهلها إلى آلاف الأطفال والنساء والشيوخ المشردون والنازحون والمرضى والجوعى وآلاف الشباب العاطلون عن العمل والهائمون في الطرقات والذين لا يجدون قوت يومهم في الشوارع المهترئة التي تكسوها القمامة وتتوالد فيها الأوبئة وتعبرها سيارات المسؤولين والحكام الفارهة دون حرج او ماء حياء يبلل الوجوه .

مقالات ذات صلة