مقالات وآراء

لاتنازعوا فتفشلوا

خرجت بعض التسريبات التي تقول بأن هنالك خلافات حادة ضربت مكونات تحالف قوى اعلان الحرية و التغيير, أدت إلى اعتزال نائب رئيس المجلس السيادي لرئاسة آلية حل الأزمة الاقتصادية, الأمر الذي يعتبر مؤشراً خطيراً على وجود قصور وإهمال وتراخي في حل أزمة معيشة المواطن, من قبل هذا التحالف الحزبي الذي يلعب دور الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية, مثلما كان حزب المؤتمر الوطني البائد يلعب نفس الدور مع حكومة الطاغية, فالأزمة المعيشية والمشكلة الاقتصادية كانت العامل صحاب القدح المعلى في الاطاحة بالدكتاتور, وإذا لم تنسجم مكونات منظومة الانتقال وتتوافق على برنامج حد أدنى, يضع هذه الأزمة المعيشية على قمة أولويات أجندته على دنيا الفترة الانتقالية السلام.
مر الشعب السوداني بتجارب مريرة مع النظم الائتلافية والتحالفات الحزبية, منذ أيام الجبهة الوطنية التي قاومت نظام الدكتاتور جعفر نميري, والتي في خاتمة مطافها عصفت بها رياح الخلافات و التمزق الداخلي, فوقعت مجزأة في حضن النظام المايوي واستكانت له, و شاركته الحكم من موقع ضعف فارتهنت لذات النظام العسكري الذي نبذته وحاربته, فقد كان الصادق المهدي أول المبايعين لأمير المؤمنين (النميري) و أول الشاقين لصف تحالف الجبهة الوطنية, بحسب الإفادات التي أدلى بها الوطني الجسور والرجل الغيور المرحوم الشريف حسين الهندي, في فيديوهات سجلت في ذلك الوقت ونقلت و وثقت فيما بعد ظهور التكنلوجيا الحديثة, حيث أنها اصبحت الآن متاحة لكل من يطلبها ومتوفرة على موقع يوتيوب.
التجمع الوطني الديمقراطي أيضاً كان تحالفاً عريضاً جمع كل ألوان الطيف السياسي السوداني, وظهر إلى الوجود إبان فترة حكم نظام الجبهة الاسلامية (الانقاذ) بعد استيلائها على السلطة بواسطة انقلاب البشير, فناهض السلطة الإنقلابية وعارضها معارضة شرسة, لكن هدّه التناحر والكيد السياسي وقصم ظهره زعيم حزب الأمة عندما حل ضيفاً عليه عبر عملية (تهتدون), ولعل التاريخ السياسي السوداني أراد ان يكرر نفسه ويعيدها ثلاث مرات وبذات الوجوه القديمة التي أدمنت الفشل, والتي ما فتئت تصر إصراراً عنيداً على توريث هذا الفشل الساحق والماحق لأجيال الحاضر.
من أكبر مصائب أحزابنا المأزومة التكالب على السلطة والاستوزار بعد سقوط كل حكومة عسكرية, وعدم اكتراثها لجوهر المعضلة الكارثية التي أودت بنفس الحكومة العسكرية التي أسقطها الشعب, ودائماً تكون هذه المعضلة التقليدية متمثلة في أزمات الخبز والخدمات الصحية وانعدام المحروقات وكبت الحريات, فهذه الأحزاب لم تتعلم شيئاً جديداً مفيداً ولم تنسى عادتها السيئة, المتمحورة حول التغافل والتغاضي عن معاناة المواطن الذي يعتبر محور التغيير و وسيلته و غايته, لقد كان بعض رموز قوى الحرية و التغيير ولسويعات قلائل سبقت انفجار الغضب الشعبي الديسمبري, يسخرون من شباب الثورة ويباركون مصيدة النظام البائد المسماة بالهبوط الناعم التي نصبها لهم.
تخيل معي عزيزي المواطن السوداني المسكين وأنت تتضور جوعاً, و تتصبب عرقاً من جور إدارة الهيئة القومية للكهرباء والمياه, بينما الذين يناط بهم إدارة شأنك اليومي يتنازعون حول الوظائف الدستورية و يلهثون وراء لعبة الكراسي السلطوية, و يفشلون حتى في مجرد الاتفاق حول الآلية والجسم الذي من شأنه معالجة قضاياك المعيشية اليومية, فالى متى تظل مستمراً في دفع فاتورة فشل النخب السياسية العقيمة هذه؟, النخب التي لم تفلح في انتاج عقار واحد يعالج ويفتت عقدة الصراعات الحزبية المتكاثرة يوما بعد آخر, والتي ما خدمت سوى أجندة المغامرين من ضباط الجيش فاغرتهم للانقلاب على السلطة الشرعية, لماذا يا نخبنا الحزبية تلتهون بمشاكساتكم البينية وتنسون الهم الوطني الكبير؟
هنالك أخبار محزنة تناقلتها الميديا هذه الأيام عن وفاة مرضى حالات طارئة, في غرف العناية المكثفة بالمستشفيات نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي, ومدير الهيئة القومية للكهرباء لا يحرك ساكناً, إن اسقاط الحكومات يأتي دائماً وأبداً من تقصيرها وفشلها في توفير الضروريات (الماء و الكلأ و النار) للمواطن, فمهما كانت النوايا حسنة والرغبات أكيدة ومتوفرة لدى طاقم حكومة الثورة, تجاه وضع الحلول الناجعة و البلسم الشافي لهذا الوضع المأساوي والمزري, إلا أن طيب النفوس و حسن مقصدها لن يطعم الناس خبزاً, ولن يعيد روح من مات بسبب انقطاع الكهرباء عن المعدات الموصولة بصدره لإنعاش جهازه التنفسي ودورته الدموية.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة