ثقافة وفنون

ألحان من النيلين … ألبوم يوثق أثر السودان الممتد على الموسيقى الأفريقية_تقرير

نيويورك – صوت الهامش

كان السودان ذات يوم أكبر دولة أفريقية: ممتدا من طرف الصحراء في الجنوب، ومحتضنا التقاء النيلين الأزرق والأبيض في عاصمته، ومحاذيا للبحر الأحمر على طول حدوده الشمالية الشرقية.

بمثل هذه الصفات التي اتسمت بها جغرافيا السودان الشاسعة (والتي اضمحلت بعض الشيء بعد انفصال جنوب السودان عام 2011) يتسم أيضا نفوذ السودان الفني والموسيقي بمحوريته في أفريقيا، ولاسيما على طول “الحزام السوداني” الممتد من جيبوتي والصومال في الشرق إلى موريتانيا في الشمال. حسبما ذكر تقرير نشره موقع (كوورتز) الإخباري.

لكن خليطا من النكسات الاجتماعية والسياسية والقيود الاقتصادية والانقلابات العسكرية والرقابة والفتاوى الدينية والسياسات العدائية – هذا الخليط قد غيّر هذه الملامح والسمات جميعًا دافعًا بصناعة الموسيقى في السودان إلى الوراء ومُخلفًا فنانيه إمّا وراء القضبان أو مقبورين أو منفيين.

نيلان يغنيان لحنا، الألبوم الخامس الصادر عن شركة (أوستيناتو ريكوردز) التي مقرها نيويورك، يتناول هذا التاريخ السوداني الثري.

ومن خلال توليفة من 16 أغنية، يتعقب الألبوم العصر الذهبي للألحان السودانية، بدءًا من حقبة السبعينيات وصولًا إلى الألحان التي تم تأليفها في المنفى في حقبة التسعينيات. وفي عزْف الأغاني يتم استخدام آلات الكمان والجيتار والطبلة والعود بما يعبر عن سعة التنوع والطبيعة التأثيرية للموسيقيين السودانيين ومن بينهم عماد يوسف وحنان بلوبلو وعبد المنعم الخالدي والنجم العالمي محمد الوردي.

ويسلط الألبوم الضوء على الألق الذي شعّ من العاصمة الخرطوم والنجاحات التي شهدتها تلك العاصمة – بحسب ما يدل عليه اسم الألبوم – بما لا يقلل من أهمية باقي مساهمات مناطق السودان الموسيقية وإنما ليُظهر كيف أسهم الاضطراب السياسي بالمركز (الخرطوم) في قتل أحد أجمل العصور الموسيقية في أفريقيا.

إن إنجاز هذا الألبوم لم يكن مهمة سهلة. فمن البداية جابهت شركة أوستيناتو تحديات اكتنفت طريق الوصول إلى أرشيف الإذاعة الوطنية السودانية الذي باتت اسطواناته الأساسية في حوزة أجهزة الأمن الوطني – فيما يشبه حراسة وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي ايه) لمتحف سميثسونيان الأمريكي للفنون. إن الوصول إلى لتلك الاسطوانات أمر ممنوع تماما.

وللعثور على تلك الأغنيات، سافر فريق الشركة إلى دول الجوار كإثيوبيا وجيبوتي ومصر حيث كانت شرائط الكاسيت أكثر تداولا.

 صورة للمطرب الأسطوري محمد الوردي في الخرطوم مطلع السبعينيات (فؤاد حمزة/النور)
صورة للمطرب الأسطوري محمد الوردي في الخرطوم مطلع السبعينيات (فؤاد حمزة/النور)

هذا الأسلوب الخاص بقيام فريق عمل بالتنقيب عن الكنوز ليس بالجديد على شركة أوستيناتو؛ فمن قبل سافر مؤسس الشركة –فيك سوهوني- من هاييتي إلى الرأس الأخضر والصومال للبحث عن وتجميع ورقمنة جواهر نادرة ظلت سنينًا مهجورة أو منسية في الأرشيف أو في بيوت الناس. أحد هذه الألبومات الصادرة عن أوستيناتو تحت اسم “حلو كقطع التمر” -وهو عن الموسيقى الصومالية- قد ترشح لجائزة غرامي العام الماضي.

وعبر ألبوم السودان، يسعى كل من سوهوني وزميلته التي شاركته في جمع مادة الألبوم، ممثلة حقبة السبعينيات والشاعرة تماضر شيخ الدين جبريل، يسعى كلاهما ليس فقط إلى إلقاء الضوء على مدى أهمية الموسيقى في الحياة السودانية وإنما أيضا على أثرها الدائم والممتد على القارة السمراء. ويرى سوهوني أن أفضل صادرات السودان هي الموسيقا.

والألبوم مصحوب بكتيب يضم حوارات شيقة مع عدد من الشخصيات بينهم أبناء الوردي وخوجلي عثمان المقتول عام 1994.

وإذا كانت شمس التراث الموسيقي السوداني قد توارتْ عن المسرح العالمي في السنوات الأخيرة، فإن ذلك لا ينال من قوتها فهي وإن كانت محجوبة إلا أنها لم تغرب بعد، بحسب سوهوني.

مقالات ذات صلة