مقالات وآراء

الضوء المظلم؛ الجمجويت سلوك إجرامي مرتبط بالثقافة العربية الإسلامية منذ الأزل..

إبراهيم إسماعيل إبراهيم شرف الدين

ازدهرت الحقبة التي عرفت بالفتوحات الإسلامية باعمال السلب والنهب، وانتشار الفوضى والدمار على نطاق واسع ولاسيما في المناطق المجاورة للجزيرة العربية حيث شهدت أعمال عنف؛ اغتصاب قطف واستعباد النساء جنسيا وغيرها من الأعمال التخريبية وهي مازالت مستمرة منذ 651ف مع دخول العرب السودان بقيادة عبدالله بن أبي السرح إلى يومنا هذا في إطار المشروع الحضاري لخير أمة اخرجت الناس.

معظم القبائل التي تعتبر نفسها عربية في السودان، هي في الأصل لا تمت للعروبة بصلة كما اثبت التحاليل والفحوصات الجينية التي تعود أصولها لشعوب هاجرت إما من وسط او شرق او غرب افريقيا وهو ما يبدو جليا في ملامح الأفراد المنتسبين لتلك القبائل فضلا عن العادات والتقاليد التي تعكس عمق الانتماء الإفريقي الأصيل.

في عام 1994ف تم تشكيل قوة مشتركة من وحدات اللواء 22 مشاة، فيما كان يعرف بقوات – ورنش – بقيادة النقيب شكرالله التابع للكتيبة 215 مدرع ورئيس اتحاد الفروسية بالجنينة، وبحسب ماهو معلن وقتها ان هذه القوات شكلت أساسا لمكافحة عمليات النهب المسلح التي كانت تطال مواشي المساليت الذين ابدوا مقاومة شرسة في مواجهة المجرمين واستعادة مواشيهم المنهوبة، ولكن اتضح لاحقا ان هذه القوات كانت تدعم عمليات النهب المسلح بمداهمة قرى المساليت وتجريدهم من السلاح في عملية ممنهحة توطئة لنهب مواشيهم.

النداء الذي أطلقه مجرم الحرب الشيخ موسى هلال أحد أبرز قادة الجمجويت وزعيم مايسمى مجلس الصحوة المنحدر من قبيلة المحاميد والذي دعا فيه كافة القبائل التي تعتبر عربية بإقليم دارفور بعدم تنفيذ أوامر جهاز الأمن والمخابرات الوطني لقتل المدنيين، وتوجيه سلاحها في مواجهة سلطة حزب المؤتمر الوطني واسقاط نظامه العنصري وسياساته التي دمرت الوحدة الوطنية وفككت النسيج الاجتماعي في البلاد، يعتبر هذا النداء ضرب من التضليل ومحاولة يائسة للالتفاف على جرائم الإبادة والتصفية العرقية التي طالت قبائل الفور والمساليت والزغاوة في حملة مسعورة شنتها مليشيات الجمجويت عام 2003ف وهي جرائم لا تسقط البتة بالتقادم او الاعتذار فلابد من مواجهة المجرمين للعدالة وتعويض المتضررين مهما طال الزمن، لاسيما وأنها ارتكبت مع سبق الاصرار والترصد فما الذي حدا بالشيخ هلال أن ينقلب رأسا على عقب بعد 14 عام من التحالف مع النظام؟؟

طبيعة الصراع العنصري أفرزت وجود مليشيات الجمجويت ضمن إستراتيجية نظام النازية الإسلامية السلفية الحاكم بالسودان، والمدعومة من قبل المملكة العربية السعودية ومشيخة قطر في إطار عملية إدارة حملة الابادة والتطهير العرقي ضد الافارقة في خطة تهدف إلى تغيير الخارطة الديمغرافية ليس فقط في السودان بل تشمل الخطة بحسب الوثائق والوقائع على الأرض دول إفريقية عديدة من بينها افريقيا الوسطى وتشاد التي تقدمت بطلب انضمام للنادي العربي العنصري الذي يسمى بجامعة الدول العربية.

في الآونة الأخيرة إعتمد استراتيجية نظام الحركة الإسلامية السلفية في إدارة الحرب والأزمة بالبلاد، على الجمجويت بشكل أساسي لدحر التمرد المناوئ لسلطة المركز العروبي، المهيمن على مفاصل الدولة منذ جلاء القوات البريطانية عام 1956ف، وبناء على ذلك أدخل حزب المؤتمر الوطني ثقافة تجييش القبائل التي تعتبر نفسها عربية، وتحريضها لقتال السكان الاصليين، وضربها ببعضها لتفكيك النسيج الاجتماعي وهي سياسة مستوحاة من منهج حزب الأمة الذي حكم السودان في حقب مختلفة فيما بات يعرف بالديمقراطية الأولى والديمقراطية الثانية تولى فيها الإمام الصادق المهدي مقاليد السلطة في 1964ف انتهت بانقلاب مايو 1969ف بقيادة الجنرال الراحل المقيم جعفر محمد نميري الذي أطيح بنظامه الديكتاتوري بعد حوالي ستة عشرة سنة من التخبط والتهور، في مايسمى بانتفاضة افريل 1985ف وما لبث حتى عاد حزب الأمة مرة أخرى إلى سدة الحكم بزعامة المهدي الذي سلم السلطة على طبق من ذهب لنظام الحركة الترابية الانقلابي في جونيه 1989ف.

وبعد تطبيق الشريعة الإسلامية الذي قاد إلى انهيار اتفاق أديس أبابا الموقع بين حركة تحرير جنوب السودان ونظام الجنرال جعفر نميري تمكنت الجبهة العربية الإسلامية بزعامة الشيخ حسن الترابي من التسلل إلى السلطة والهيمنة على القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بشكل تدريجي في البلاد ماتمخض عنه ميلاد الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان 1983ف، بقيادة الرفيق الراحل العقيد الدكتور جون غرنغ ديميبيور وهكذا مهدت سيطرة الحركة الإسلامية السلفية على السلطة في السودان لتمزيق الوحدة الوطنية وإبادة الأفارقة لصالح مشروع التمكين والدولة العربية الاسلامية.

تم اعتماد مليشيات الجمجويت رسميا كجزء من القوات المساندة والداعمة للجيش السوداني في سبتمبر من العام 2003ف في أعقاب اندلاع الصراع المسلح باقليم دارفور حيث تم استدعاء وتكليف المقدم احمد عبد الرحيم شكر الله التابع للكتيبة 215 مدرع بقيادة اللواء 22 مشاة الجنينة، والذي ادين في محاكمة عسكرية بالتخفيض إلى رتبة الملازم أول والسجن المؤبد وذلك بسبب تحميله مسؤولية هزيمة نكراء تكبدها قوات كان يقودها المذكور بإحدى المعارك بجنوب السودان عام 2001ف، بتشكيل هذه المليشيات التي ارتكبت جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية بحسب لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة.

المقدم احمد عبدالرحيم شكرالله وثيق الصلة بما يسمى القبائل العربية في المنطقة الغربية ولاسيما الجنينة داراندوكا التي وصل إليها منذ العام 1988ف لاول مرة عندما كان برتبة الملازم أول في كتيبة المدرعات، وكان شكرالله قد شغل رئيسا لاتحاد الفروسية منذ ذلك الحين وحتى تاريخ مغادرته الجنينة في العام 2001ف قبل ان يعود إليها مجددا عام 2003ف بعد الغاء حكم السجن المؤبد واعادة رتبة المقدم له بغية تأسيس وقيادة مليشيات الجمجويت والقضاء على التمرد باقليم دارفور.

تفكيك مليشيات الجمجويت ضرورة ملحة لتأسيس وترسيخ الإستقرار والسلام في كافة ربوع السودان وهو بطبيعة الحال المدخل الوحيد لنزع فتيل الأزمة ليس فقط في دارفور وانما في السودان بأسره ولكن سياسة نظام الفصل العنصري في الخرطوم تتعارض مع المصلحة الوطنية وعودة السلطة إلى السكان الأصليين، مايعني أن السودانيون مقبلون على مستقبل مبهم ومزيد من الحروبات العبثية لاسيما في غياب ثورة تمتلك رؤية ونظرية مكافئة في مواجهة المد الإسلامي العربي.

الحركة الإسلامية السودانية أكثر من مجرد حزب او تنظيم سياسي كما يعتقد البعض فهي ثقافة متجذرة في عمق المجتمع السوداني ولاسيما الشمالي منه وتعتبر جزء من الأزمة التي دمرت الوحدة الوطنية ومازالت تقف كعقلية حجر عثرة أمام اي حل للصراع المزمن في السودان وتحول دون عودة السودانيين من هجرتهم ذهنيا إلى إفريقيا.

مقالات ذات صلة