مقالات وآراء

ما بين تلفون كوكو والبعثي صديق تاور ! 2_3

أ. محمود يوسف

يتحدث تلفون كوكو عن حزب البعث وكأنه حزب عادي، لكن الواقع وكما رأينا، فلقد تم تصنيف هذا الحزب بالعنصرية في منبعه العربي، فماذا يكون شعورنا نحن الافارقة ممن لا رابط إثني لهم بهذا الحزب سوي علاقة المواطنة، ومع ذلك غدروا بنا بإصرارهم علي تعيين صديق تاور؟
لقد كتب تلفون كوكو ثلاثة مقالات يدافع فيها عن صديق تاةر قال في ثالثها:
“ﻓﺄﻧﺎ ﺷﺨﺼﻴﺎ ﻻ ﺃﺭﻯ ﺃﻱ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻃﺎﻟﻤﺎ ﻧﺤﻦ ﺍﻟﻨﻮﺑﺔ ﻛﺎﺛﻨﻴﺔ ﻟﻢ ﻧﺘﻀﺮﺭ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩﻩ ﻓﻲ ﺣﺰﺏ ﺍﻟﺒﻌﺚ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻻﺷﺘﺮﺍﻛﻲ” [٩].
فهل هي مصادفة ان يطعن تلفون كوكو كاحد قيادات الحركة الشعبية التي بشرت بمشروع السودان الجديد في عمق الاطروحة الفكرية والخاصة بالسودان الجديد، والتي تبنت رؤية قائمة علي القاسم المشترك للشخصية السودانيوية لبناء دولة المواطنة وفي تعارض مع تيار البعث العروبي، نراه يتبرأ من كل هذا الأرث ويصرح قائلا:
“ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﻱ ﺑﺎﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﺟﻨﺎﺡ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺗﻠﻔﻮﻥ ﻛﻮﻛﻮ ﺑﺎﻧﺘﻬﺎﺀ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺣﻮﺍﺭ ﺍﺟﺮﺗﻪ ﻣﻌﻪ ‏( ﺍﺧﺮ ﻟﺤﻈﺔ ‏) ﺍﻥ ﻣﺸﺮﻭﻉ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺘﺒﻨﺎﻩ ﺍﻟﺤﺮﻛﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴﺔ ﻗﺪ ﺍﻧﺘﻬﻰ، ﻭﻻ ﻭﺟﻮﺩ ﻟﻪ ﺍﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﻤﻨﻲ ﻓﻬﻮ ﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﻣﺠﺮﺩ ﻭﻫﻢ ﻭﺧﻴﺎﻝ .. .
ﻭﺍﺿﺎﻑ ﻛﻮﻛﻮ ﺍﻧﻪ ﻛﺘﺐ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﻣﻘﺎﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺴﺮﻳﺮﻱ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻧﺸﺮﺗﻪ ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻣﻦ ﺿﻤﻨﻬﺎ ﺳﻮﺩﺍﻧﻴﺰ ﺃﻭﻥ ﻻﻳﻦ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ‏( ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻭﻣﻴﻼﺩ ﺛﺎﻥٍ ﻟﺮﺅﻳﺔ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ ﻓﻲ بوليو ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ)” [١٠].
لم يكتفي بذلك ، بل هاجم تلفون كوكو القائد الشهيد يوسف كوة واتهمه بقتل قيادات النوبة، وذكر الكثير من المغالطات والاكاذيب التي لا تصدر الا من شخص فقد البوصلة التي عملت قيم الحركة علي غرسها فيه من خلال ثقافتها والمراحل المختلفة للنضال التي مر من خلالها ، فيتسائل الكثيرين ما هي الاجندة التي يحاول تلفون كوكو تنفيذها ومن هو صاحب المصلحة وراء كل ذلك؟ [١١] فوجئت وانا احضر لكتابة هذا المقال ان هنالك كم هائل من المقالات التي كتبها تلفون كوكو وتحدث فيها عن يوسف كوة ورفاق الامس وكانه لا تربطه صلة بهم ، فتساءلت ، ما الذي يغير قائد مثل تلفون الي هذه الدرجة حتي يتنكر لكل مبادئه؟ سيكون ردنا علي هذا السؤال من خلال المحطات التي كذب فيها او تلك التي تجاهلها عن عمد ان لم تصب في مصلحته، وهدفنا من كل ذلك احقاق الحق لأشخاص لم يعد بمقدورهم الدفاع عن انفسهم، بعد ان ارتحلوا عنا مرفوعي الرأاس وعملوا علي إسترداد كرامة الشعب السوداني ، مثل القائد يوسف كوة مكي والدكتور جون قرنق دي مبيور ، وللإجابة علي لماذا يدافع عمن خان جلدته ؟
كان يوسف كوة علي درجة عالية من الديمقراطية، وشجع كل المكونات علي ان تعبر عن آراءها دون خوف ، سواء اكان ذلك في جبال النوبة او جنوب السودان ، مثلا كنا في احد اللجان اثناء مؤتمر التعليم بكاودا في مايو من عام ١٩٩٩،عندما تقدمت سوزان جامبو بإقتراح ينص علي “إعطاء المرأة كافة حقوقها بغض النظر عن الاديان السماوية،” بصفتي رئيسا للمجلس الإسلامي للسودان الجديد، اعترضت علي كلمتي “الاديان السماوية” وطلبت حذفها وان يكون الاقتراح “إعطاء المرأة كافة حقوقها.”
رغم الاعتراض فاز الاقتراح، وفي جلسة العامة للتصويت علي القرارات ، رفعت يدي عند قرآءة التوصية للتصويت، فسألت يوسف كوة ، هل الحركة جات علشان تحارب الاديان؟ وإعيد فتح التوصية للمناقشة وحدث نقاش كبير وحاد ، ايدها البعض وايد موقفي يوسف كرا ونيرون وآخرون كثيرون، فهدأ يوسف كوة الموقف وفي النهاية وبعد جدل كبير قرر تحويل الصيغة للمجلس الإستشاري للبت فيه، توضح هذه التجربة، اننا كنا نناقش يوسف كوة دون خوف او مراءاة ، وكان الذي يبقي هو صوت المنطق ، ولقد جلب لي ذلك الكثير ، حيث تم ايصال ما حدث من خلال مطبخ دكتور قرنق علي اني اعارض حقوق المرأة ، فسألتني السفيرة ستونا عبدالله بعد اربعة اشهر فاوضحت لها ما حدث وهي في دهشة. وكي لا يظن المرء انني ادافع عن يوسف مجاملة ، ابرئ عن نفسي ذلك بحادثة اخري عام ١٩٩٧ ، كنت معه ومعنا وليد حامد، حيث وجه لي وليد ودون اية مناسبة سؤال تأكيدي ، حيث قال “يتحدث الناس قائلين ان محمد جمعة هو بطل تلشي ، لكن يا محمود مش يوسف كوة هو بطل تلشي؟”
قلت له بالحرف “رغم ان يوسف كوة كان القائد العام للجيش الشعبي في جبال النوبة، لكن القائد محمد جمعة ناير هو الذي كان يدافع عن جبل تلشي وصد كل الهجمات التي شنتها النظام بقوة قدرت ب ٣٤،٠٠٠ رغم ان الجيش الشعبي كان اقل من ٩٠٠ فقط ولمدة ثلاثة اشهر، فهو بطل تلشي الذي شتت العدو، ” سبب ذلك صدمة لوليد ولكن رفع ذلك من قدري في نظر يوسف ، لتعاملي معه من منطلق الحق والعدل لمن لم يكن معنا حينها ، ولم اخبر محمد بذلك رحمة الله عليه ويوسف .
لقد عمل يوسف كوة علي اشراك شعب النوبة في كل القرارات المصيرية التي تهم شعبه ، وعلي كافة المستويات السياسية ، مع تفويض صلاحياته ، ففي عام ١٩٩١ كلف القائد يوسف كوكو لجنة بقيادة تلفون كوكو بإجراء مفاوضات مع الإدارة المحلية بمحافظة كادوقلي برئاسة محمد الفضل، حيث عقدت المحاثات في مدينة إم بلجنة غرب كادوقلي وختم المفاوضات بالاتفاق علي حضور يوسف للتوقيع علي الاتفاقية النهائية مع محمد فضل ، في اثناء التفاوض ، فتحت بوابات المدن الحكومية لمنسوبي الجيش الشعبي بدخول المدن الحكومي، ولكن عندما علمت مصادر الجيش الشعبي ان الحكومة كانت تهدف من استدراج يوسف كوة الي بلنجي بهدف اسره ومن ثم قتله، لذلك قررت قيادة الحركة عدم ذهابه ، ردت الحكومة علي ذلك بقتل اكثر من سرية من افراد الجيش الشعبي الذين كانوا في زيارة لاهليهم في كادوقلي كما اعتقل الكثيرين ممن تعاطفوا مع الحركة الشعبية او حتي المغضوبين عليهم، يتسائل البعض عما إذا كان تلفون كوكو قد تعرض لعملية تجنيد اثناء المحادثات ادت به الي تغيير مبادئه وما يؤمن به ، وخاصة ان ما سيبدر منه لاحقا تخالف منطق الاشياء.
كتب تلفون عن الكثير لكنه تجنب مؤتمر دبي الذي دعا له الشهيد يوسف كوة مكي لمناقشة الوضع الامني في جبال النوبة، ناقش المؤتمرون قضية السلام وخاصة بعد انقلاب رياك مشار علي قيادة الحركة والجيش الشعبي، وكان موقف يوسف كوة حاسم لتحديد وجهة ومصير الحركة ومصير رياك متشار الذي بذل الكثير لإستمالة يوسف حتي انه اعلن في الإذاعات بان يوسف كوة يقف معه، ولقد ازعج ذلك دكتور جون قرنق كثيرا، واتصل بيوسف الذي كان في طريقه الي المنطقة الغربية وطلب منه الرجوع حيث تحدث مع الاذاعة البريطانية وطمأن الشعب السوداني بانه ما زال يقف مع قيادة دكتور جون. سبب ذلك صدمة لكل من الدكاترة رياك ولام بالاضافة للحكومة السودانية وبعض العناصر داخل الحركة في الجبال ممن يرون ان النوبة لن يستطيعوا مواجهة الحكومة والمنشقين ، لذلك كان مؤتمر دبي علي درجة عالية من الاهمية، تم فيه مناقشة الكثير من المواضيع، لكن الاهم كان مصير الحركة الشعبية في جبال النوبة بعد ان اوقف رياك طريق الامدادات من الجنوب والنظام كان قد قفل الطرق من الشمال، فتم محاصرة الحركة الشعبية في جبال النوبة من كل الجبهات.
كان النقاش في المؤتمر ديمقراطيا كعادة يوسف ، مثلما خبروه ، عبر البعض عن انه من الافضل اجراء سلام مع الحكومة المركزية، وكان يتقدم هذه المجموعة تلفون كوكو، حين انبرت احد الكنداكات وقالت “انتو يالرجال لو تعبتوا تعالوا امسكوا الاطفال وخلونا انحنا نواصل الحرب.” فأسكتت كل الالسن ما عدا تلفون كوكو الذي واصل مطالبا بالسلام مع الحكومة، ومصدر هذه الرواية هو يوسف كوة شخصيا ، عليه رحمة المولي ، ولاحقا الفريق بوسف كرا من قيادات الجيش الشعبي وحركة كمولو.
كتبت من قبل عن الاتصالات السرية بين مجموعة رياك متشار بعد فشله في جذب يوسف الي انقلابه ومجموعة عوض الكريم كوكو في جبال النوبة ومعه يونس ابو صدر ، حيت تم الاتفاق للإنقلاب علي قيادة يوسف كوة والحركة الشعبية برئاسة دكتور جون قرنق وإنضمام النوبة الي رياك متشار ومن ثم عقد اتفاق مع الحكومة ، وتم رصد الاتصالات وحتي ساعة الصفر ، حيث القي القبض علي المجموعة ، ونصح دكتور جون يوسف كوة بترحيلهم الي الجنوب ، واثناء تواجدهم في مدينة باريانق اصيب البعض بالكلازار ، حيث مات اثنين من المجموعة. حكي لنا يوسف كوة تفاصيل ذلك للجنة التنفيذية للمجلس الاسلامي للسودان الجديد والمرة الثانية بحضور محمد هارون كافي ، حيث قمنا بالصلح بينهما ، اشترط يوسف ان يقدم محمد هارون اعتذار مكتوب عما كتبه ، احتجيت علي ذلك بإعتباره إذلال ، برر يوسف ذلك بان تلك المرة الثالثة او الرابعة الذي يعتذر فيها محمد وهو متأكد محمد سيغير موقفه ، ووافقنا علي ذلك واقنعنا محمد الذي وافق علي تسليمي الاعتذار لنشره في مجلة ابديت الخاصة بالحركة، كان ذلك قبل شهر من سفر محمد هارون للخرطوم عام ١٩٩٦.

مقالات ذات صلة