مقالات وآراء

الانقاذيون قوم ضيّعوا الامانة !!

مع حادثة تسريب ورقة امتحان مادة الكيمياء للشهادة الثانوية السودانية هذا العام , تكون الانقاذ قد اكملت اخر حلقات مسلسل الفساد و الافساد و اضاعة الامانة , فالمباديء لا تجزأ و متى ما فقدت الدولة او الفرد المبدأ الاخلاقي الاول وهو صون الامانة , فعلى هذه الدولة او ذلك الفرد السلام , هذه الحادثة سوف تليها حوادث كثيرة من ذات الشاكلة , طالما ان هذه الجماعة الانقاذية جاثمة على صدر البلاد , فالخلل في هذه المنظومة الانقاذية بنيوي ومصاحب لمسيرتها منذ ان كانت حركة طلابية تعتمد على العنف بديلاً للحجة و المنطق , وتنتهج التزوير في نتائج الانتخابات الطلابية في الاتحادات و الروابط بدلاً عن التنافس الحر و النزيه , فاليوم يحصد شعبنا المنكوب افرازات هذا الانحراف الاخلاقي , وذلك بضرب ثقته في الشهادة الثانوية السودانية , التي كانت تضاهي الشهادة الثانوية البريطانية , ان جرائم الانقاذيين بحق الدولة السودانية لا تحصى ولا تعد , لقد بدأت منذ فجر انقلابهم العسكري الذي تلاه استهداف للمناهج التعليمية , من مرحلة التعليم الابتدائي حتى الجامعي , فدمروا بنية التعليم الابتدائي بانتهاج نظام الثمان سنين و دمج المرحلتين الابتدائية و المتوسطة في ما عرف بمرحلة التعليم الاساسي , الامر الذي ادى الى نتائج كارثية على المستويين الاكاديمي و الاجتماعي , تم هذا دون اخضاع هذا القرار الخطير الى دراسة اوتنقيح , ذات الامر لحق بالتعليم الجامعي , في مشروعهم التخريبي الذي اطلقوا عليه زوراً اسم ثورة التعليم العالي , تلك الفورة التي اقصت دور لغة العلم و التكنلوجيا (اللغة الانجليزية) عن مؤسسات التعليم الجامعي , في عملية التعريب الممنهج التي شملت كل الجامعات السودانية , فاستعاضوا عن لغة العلوم و التكنلوجيا بلغة يعرب بن قحطان , فتخرج في الجامعات السودانية حملة البكالوريوس و الماجستير و الدكتوراه , الذين لا يحسنون ولا يجيدون اللغة الانجليزية كتابةً ولا خطاباً , فملأوا الاسواق و الاحياء وهم عاطلون عن العمل.
من ظواهر الفساد الاكاديمي التي اطلت برأسها مع هذه الطغمة الانقاذية , دخول الشهادات الجامعية في عمليات البيع و الشراء في السوق السوداء , فاصبحت ديباجة الدرجة العلمية تمنح لمن يدفع اكثر , هذا فضلاً عن نساء ورجال الانقاذ الذين منحوا هذه الدرجات العلمية , و هم وهن جلوس في بيوتهم و بيوتهن , هذا التخريب و الخراب الذي حل بالدولة السودانية في جميع مؤسساتها , يحتاج الى غربلة بعد الخلاص من هذه العصبة , لقد اصبح خريجو الجامعات السودانية باهتون في سوق العمل الخليجي , بعد ان كانوا مضرب مثل في الكفاءة والتأهيل في هذه السوق , حتى ان المخدمين في سوق العمل الخليجي صاروا يندهشون عندما يتقدم الى العمل خريج جامعة سودانية لا نصيب له من اللغة الانجليزية سوى بعض الهمهمات , لقد صدموا اشد صدمة في هذا الجيل الجديد من خريجي المعاهد والكليات السودانية , لان الخدمة المدنية في دول الخليج هذه وضع بنيتها التحتية نخبة من المهندسين و الاطباء و القانونيين و الادرايين الاكفاء , من محسوبي الجنسية السودانية في سبعينيات القرن الماضي , واليوم هؤلاء الخلايجة يستقبلون رماد تلك النار التي اوقدت جذوة المعرفة فيهم , فشتان ما بين جيل الامس و جيل اليوم , ومن طرائف المقاربة و المقارنة ان الدول العربية استمسكت باللغة الانجليزية في مؤسساتها التعليمية والاكاديمية , اما نحن فتركنا لغة التكنلوجيا و تعصبنا في التعلق باللغة العربية التي فر منها اهلها.
ابتعاد السودان عن دول الكومون ويلث افقده الكثير من المنافع , و انجرار الدولة السودانية وراء قاطرة الدول العربية المعطوبة ادخل البلاد في خسارة مادية ومعنوية كبيرة , فالناظر الى مدينة (نيروبي) عاصمة الدولة الكينية اليوم , و ما وصلت اليه من تقدم مدني و حضاري , يأسف لحال الخرطوم التي تغطي ساحاتها اكياس البلاستيك من كل جانب , ويتغوط في ازقتها المارة , ويكتبون على جدران مؤسساتها الحكومية (ممنوع التبول) , في حين ان من يسقط بقايا سيجاره على قارعة طرق نيروبي , يتم تغريمه بدفع ورقة نقدية قيمتها تقارب الخمسمائة دولار , فالخرطوم الواقعة على ملتقى اعظم نهرين في افريقيا , ما كان لها ان تسوء حالها وتصل الى هذه الدرجة من التخلف , وهي العاصمة الافريقية الاولى من حيث البنية التحتية , من طرق وشبكة صرف صحي و فنادق و ملاهي , عندما غادرها البريطانيون , لقد خصها الخالق بجمال طبيعي اخاذ في اقتران النهرين العظيمين في منطقة المقرن , قبالة جزيرة توتي ذات الموقع الجغرافي المميز والتي كان بالامكان ان تكون اجمل منتجع سياحي في المنطقة.
لقد بدأ اضمحلال الدولة السودانية و بسرعة كبيرة بعد فورة التعليم العالي , غير المنضبطة التي اخرجت للحياة شباب غير كفوء يفتقر الى ابسط المقومات الاكاديمية و المعرفية , بعضهم انخرط في معاهد اللغات بعد تخرجه من الجامعة مباشرة و البعض الاخر ركن الى اليأس , فاصبح بعد سنوات قليلة من تخرجه كمن لم يقرأ حرفاً واحداً , انكشف وانفضح هذا الواقع المذري في مواقع التواصل الاجتماعي , حيث ابكمتنا الدهشة عندما رأينا بأم اعيننا رجال ونساء يحملون من الالقاب الاكاديمية ما يحملون , لكنهم متواضعون في منتوجهم الفكري و المعرفي و اللغوي , الذي افتضح بطريقة سافرة في منابر هذه المنتديات السايبرية , فاقمنا عليهم مأتماً وعويلاً لما حاق بهم من تدهور و انتكاس , بسبب عشوائية منظري الانقاذ الذين جعلوهم اضحوكة بين الامم , وكما يقول المثل الشعبي ان ما فعله هؤلاء الانقاذيون بالسودان لم يفعله اعتى الثيران في متحف الخزف.
ان العملية التعليمية و التربوية هي الضامن الاوحد لاخراج جيل يمكن ان يعقد عليه الامل في قيادة عملية انتشال الوطن من واقعه المأزوم , فانهيار المنظومة التربوية والتعليمية في السودان , هو الذي انتج نماذج من الخريجين اساءوا للبلاد في المحافل الدولية و الاقليمية , وما حادثة الدبلوماسي الانقاذي في نيويورك ببعيدة عن الاذهان , فالعملية التربوية هي سلسلة من مراحل مجمع على معاييرها من قبل الكثير من البلدان والشعوب ذات التجارب الانسانية الطويلة , وعلينا ان نتبعها اذا اردنا ان نحصل على مخرجات ذات جودة عالية من هذه المؤسسات التربوية , فالتخبط الذي مارسته المنظومة الانقاذية في مؤسسات التعليم لا يمت الى هذه التجارب الانسانية بصلة , ولا يعدو كونه خبط عشواء , لانك وبكل بساطة يمكنك ان تلحظ هذا في الكتب التي ينوء بحملها تلاميذ مرحلة الاساس , فهي لم تخضع الى تجريب كما كان يحدث في سابق العصور و الازمان في بخت الرضا , حيث لا يجاز مقرر اكاديمي و دراسي الا بعد ان يطبق عملياً في مدارسها اولاً , ثم بعد ذلك يجاز هذا المقرر و يقدم لكل تلاميذ السودان في اقاليمهم المختلفة , فاتباع المعايير الدولية في مؤسسات التعليم الاولي و الثانوي و الجامعي واجب اخلاقي , ويجب ان لا يكابر المسؤولون في السلك التعليمي حول هذا الامر , اذا ارادوا ان يضعوا هذه الامة في مصاف البلدان ذات السبق في جودة التعليم .

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة