الناظر والمتتبع بدقة للوضع السياسي والأمني والإقتصادي للبلاد عليه أن يشفق علي حجم الكارثة والمأساة التي نحن فيها وعليها الآن .
فالفاعلين في المشهد الآني وبتبع دقيق لهم نجد أنهم يقودوننا والبلاد نحو الهاوية.
فقوي الحرية والتغيير وهي مزيج من كولاج فكري وسياسي وتنظيمي متشاكس و هش ومائع، إتضح انها أقصر قامة بكثير من الثورة وقيمها وتضحياتها وبنيتها، فقد تقازمت وصغرت ليس في نظر الجماهير التي رحبت بها وفتحت لها أزرعها رغم فشلها السابق الكبير، بل صغرت حتي في نظر مكوناتها، فقد إتضح جليا أنها كانت تمارس النفاق السياسي في اسوأ صوره وتجلياته، وتلعب علي مشاعر الجماهير الثائرة حين كان قادتها يصرحون بأن هياكلهم للسلطة مكتملة وجاهزة من السيادي للوزراء للتشريعي واتضح حين تكوين الحكومة وتلكؤهم وتأخرهم وتناحرهم في التشكيل، واختياراتهم المعيبة والكارثية والمفارقة لروح الثورة والثوار ، أنهم كانوا مجرد كذبة وأنتهازيين يرقصون علي دماء الشهداء والمفقودين، بل حتي عندما شكلوا الحكومة تبين أنهم حكام من غير فعل، حين تكشف وأتضح للناس أنهم لا يملكون شئيا من أمرهم، لا في اختيار طواقم العمل التنفيذي ولا حتي في سياسات الحكومة وانهم مجرد كومبارس أرجوزي يتفرج ويشتكي، مثل بقية الناس علي تخبطات مستشاري رئيس الوزراء والمحركين الفعليين للحكومة حين كانوا يختارون من كانوا خداما للنظام البائد ليكونوا في مفاصل وهياكل سلطة ما بعد الثورة .
فمكونات قوي الحرية إنطلقت بغشامة لا تحسد عليها، لمغانم السلطة والشهرة وتملكتهم شهوة الوزارات ولم يصدقوا أنفسهم، كل هذا علي حساب القيم الوطنية الخالصة والصادقة، بل ركلوا حتي مبادئهم وشعاراتهم التي ما أنفكوا يصدعون بها رؤوس الناس حين كانوا معارضين لنظام الإنقاذ.
اما تجمع المهنيين والذي كان محور للتماسك العاطفي والثوري للجماهير فأنتهي به المطاف إلي حلبة صراع مبكي ومفجع، من أجل الكراسي الحزبية والشللية للحفاظ علي امتيازات زائلة ولكنهم قصار بصر وأعمياء بصيرة.
بالنسبة للجبهة الثورية فقد تمكنت من مفاصلها قوي انتهازية وكانت مدخل لتسلل كل منتفع وانتهازي وباحث عن منصب وأستوزار، فاضحت ساحة لتنظيمات الرجل الواحد التي لا تملك من رصيد شعبي أو جماهيري أو كفاحي إلا أيفون لطباعة البيانات، كل باسم مسار وتنظيم وهمي، لا يوجد إلا داخل محاضرها.
امام كل هذا نشطت فلول النظام ورتبت أحوالها وتشجعت فهي أمام حكومة لا تحاسبهم ولا تمارس معهم أدني مطلوبات الحسم الثوري، فطمعوا مجددا في العودة ومدوا إيديهم الملطخة بدماء الشعب والملوثة بسرقة موارده، لبعض سواقط اليسار وأنتهازييه والذين يريدون تصفية حسابات مؤجلة لهم، ورحبت بهم الطائفية التي شعرت أن مجاميع الشباب وتنامي الوعي خصم من رصيدها الجماهيري والشعبي فلم تجد الا هؤلاء قربا ومصلحة لعمل انتخابات عرجاء تاتي بهم مجددا في ذات نمط دائرتنا الشريرة والمتكررة.
بالنسبة للمكون العسكري أغراه هذا العبث الصبياني من ناشطي الأحزاب الصغيرة وشلل البرجوازية الصغيرة، وقلة حيلة رئيس الوزراء، من التمدد والاستئثار بالحكم، بدلا من مهامه السيادة والتشريفية فقد أتاهم الحكم طائعا بعد ان يئسوا منه وبدوا في محاولة النجاة بأنفسهم، وكانوا يرونه رابع المستحيلات من خلال وقفة الثوار والكنداكات وهتافهم المزلزل مدنيااااه.
ان ما آلت اليه أحوال الثورة لا يسر أحد وما لم ترتقي وتعي وتنتبه هذه الأجسام جميعها الي حجم الكارثة التي نحن فيها، و تضع مصلحة الوطن أولا بعيدا عن حسابات المكاسب الذاتية والتنظيمية، وتضخ في ذاتها قيم الوطنية الصادقة والمجردة، وتبعد عن هذا الفكر الأناني والانتهازي والعبثي،و تعيد مطلوبات الثورة كشروط وقيم واجبة التنفيذ وتستعيد قليل من ثقة هذه الجماهير التي قدمتها بحب وصبرت عليها بثقة ولكنها كانت علي النقيض من هذا الشرف، فقد تعب هذا الوطن وإنسانه من الأنانية والانتهازية وطمع الساسة والنخب وإدمانهم الفشل المتكرر والمعاد، ما لم تقم بذلك فإنها لن تجد ما تتحاصص عليه مستقبلا أو تحكمه غدا، فحينها لن تكون هناك دولة، وإذا ما حاولت الرجوع لهذه الجماهير فانها لن تجد سوي صوت ساخر يردده الجميع شهداء وأحياء
هاااا وين يا.
فاروق عثمان
19 مايو 2020
