محمد عثمان جبريل
تجد الإمارات نفسها اليوم في مأزق بالغ التعقيد في علاقتها مع مليشيا الدعم السريع. فالتوقف عن الدعم ليس مجرد قرار سياسي يمكن اتخاذه بسهولة، بل خطوة قد تفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات التي تخشى أبوظبي مواجهتها. إذ إن أي انسحاب مفاجئ للدعم اللوجستي والمالي سيكشف ظهر المليشيا ويجعلها غير قادرة على الاستمرار، الأمر الذي قد يدفعها إلى استخدام ما تملكه من معلومات ووثائق في محاولة للضغط أو الابتزاز بغرض حماية مصالحها أو كشف تورط داعميها.
لقد شكّل هذا الدعم الخارجي—كما يرى كثيرون—عاملًا رئيسيًا في إطالة أمد الصراع وتعقيد المشهد، حيث وجد المرتزقة والجهات المسلحة منفذًا للاستمرار عبر التمويل والتسليح. ومع أن المجتمع الدولي يدرك حجم الانتهاكات التي ارتُكبت ضد المدنيين في السودان، إلا أن التعويل على ضغوطه وحدها أثبت مرارًا محدوديته، خاصة عندما تتشابك المصالح الإقليمية والدولية في مسار الحرب.
لهذا، فإن مسؤولية حماية السودان واستعادة الدولة لا يمكن أن تُوكَل للآخرين. إنها مسؤولية السودانيين، شعبًا ومؤسسات، لفرض إرادتهم الوطنية، وبذل الجهود السياسية والعسكرية والإعلامية والقانونية لإعادة بناء الدولة وتثبيت سيادتها، وتقديم كل من تورط في الانتهاكات إلى العدالة، سواء عبر القضاء الوطني أو الآليات الدولية.
إن استعادة السودان ليست مهمة مؤجلة ولا خيارًا يمكن انتظار حدوثه بضغط خارجي. بل هي ضرورة عاجلة، وإرادة داخلية يجب أن تتكامل فيها جهود الجيش والقوى المجتمعية والمهنية والناشطين وكل القوى الوطنية الحية. فالأوطان تُصان بإصرار أهلها، ولا تُسترد إلا بتضحياتهم ووحدتهم.
وفي ظل هذا المشهد المضطرب، يبقى الحق واضحًا: السودان سيعود لأهله، والعدالة ستأخذ مجراها، مهما طال الزمن أو تعددت محاولات التلاعب بمصير شعبه.