الخرطوم / صوت الهامش – 1 سبتمبر 2025 – منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو في أبريل 2023، تعرض التراث الثقافي السوداني لأضرار جسيمة. من أبرز الأضرار كان دمار المتحف السوداني، حيث فقدت البلاد آلاف القطع الأثرية والمواقع التاريخية التي توثق تاريخًا يمتد لأكثر من 7,000 عام.
يُعد المتحف الوطني السوداني في الخرطوم أبرز الضحايا، إذ تعرض للنهب والتدمير. يقف التمثال الضخم للملك تهراقا، حاكم مملكة كوش القديمة، وحيدًا في باحة المتحف محاطًا بحطام تماثيل وزجاج صناديق العرض المهشمة. وأفادت مديرة الهيئة السودانية للآثار، إخلاص عبد اللطيف، أن غرفة الذهب التي تضم مقتنيات لا تقدّر بالمال، بما في ذلك قطع من ذهب خالص عُمر بعضها نحو ثمانية آلاف عام، سُرقت بالكامل. إضافة إلى ذلك، تم سرقة تماثيل وأدوات طقسية فريدة تعود لحضارة كوش.
تقول ممثلة النيابة العامة السودانية في لجنة حماية المتاحف والمواقع الأثرية، روضة إدريس، لوكالة فرانس برس، إن “لم ينج من آثار المتحف القومي سوى الآثار الكبيرة أو الثقيلة التي يصعب حملها”. وقد ظهرت بعض القطع في دول مجاورة مثل مصر وتشاد وجنوب السودان، مما يعقد جهود استعادتها. الدمار في المتحف السوداني أضر كثيراً بالتاريخ العريق.
يضم المتحف آلاف التماثيل الجنائزية المصنوعة من الحجر أو البرونز. بعضها مشغول بالذهب أو الأحجار الكريمة، إضافة إلى آلاف القطع التي تعود لحضارات تعاقبت في السودان. وتشير عبد اللطيف إلى أن التماثيل الصغيرة تلقى “رواجًا كبيرًا في السوق غير الشرعي لأنها جميلة وسهلة الحمل”. إلا أن التماثيل والمقتنيات الكبرى مثل غرفة الذهب لم تظهر في أي مزادات أو مسارات سوقية معروفة حتى الآن.
لم تسلم المتاحف في مناطق الحرب الأخرى من النهب والتدمير. فقد تم نهب أكثر من 20 متحفًا في الخرطوم والجزيرة ودارفور. من بينها متحف بيت الخليفة في أم درمان الذي تحمل جدرانه آثار إطلاق النار وقذائف المدفعية. أيضا، تعرض للدمار متحف علي دينار في الفاشر، أكبر متحف في إقليم دارفور، ومتحفي الجنينة ونيالا في دارفور لم يسلما من النهب. حيث شهد محيطهما قتالًا شرسًا وتحولت المناطق المحيطة إلى خراب كامل. وتقدر الخسائر المباشرة التي أمكن إحصاؤها بما يقارب 110 ملايين دولار أمريكي.
وتتضمن الاتهامات الحكومية أن قوات الدعم السريع قامت بتدمير آثار ومقتنيات تؤرخ للحضارة السودانية الممتدة لسبعة آلاف عام، معتبرة ذلك جريمة حرب. بينما تنفي قوات الدعم السريع هذه الاتهامات. وأكدت عبد اللطيف أن بعض مقتنيات المتحف نُقلت بشاحنات كبيرة عبر أم درمان إلى غرب السودان. ومن هناك إلى حدود دولة جنوب السودان في عمليات سرية.
في هذا الإطار، دعت اليونسكو الجمهور الدولي إلى الامتناع عن الاتجار بالقطع الأثرية. وشددت على أهمية ما كان يحتويه المتحف من قطع أثرية هامة وتماثيل ذات قيمة تاريخية كبيرة. وتعمل السلطات السودانية بالتعاون مع الإنتربول والدول المجاورة على رصد واستعادة القطع المنهوبة. وقد تم توقيف مجموعة أشخاص في ولاية نهر النيل. كانت تضم أجانب وبحوزتهم قطع أثرية. التحقيقات مستمرة لتحديد مصدرها. وأفاد مصدران في هيئة الآثار السودانية بأن إحدى المجموعات التي عبرت الحدود إلى مصر تواصلت مع الخرطوم. وذلك لإعادة آثار مسروقة مقابل مبالغ مالية. المتحف السوداني كان مليئاً بالكنوز التي تسعى السلطات لاستعادتها.
يشير الخبراء إلى أن الدمار الذي لحق بالتراث الثقافي في السودان لا يمثل خسارة مادية فقط، بل محاولة لمحو الهوية والتاريخ السوداني، ما يجعل الحرب على التراث الثقافي جزءًا من مأساة أوسع تهدد آلاف السنين من التاريخ الإنساني المشترك. المتحف السوداني كان يعكس كل هذا التاريخ الواعد.