مقبول الامين (كوكامي)
” إني لا أمثل هنا أي حزب سياسي, إني أمثل العمال المنتمين لكل الأحزاب أو العمال المستقلين عن ألأحزاب “
الزعيم العمالي التونيسي\ فرحات حشاد.
قبل قيام الثورة كان الشعب السوداني قد وصل لحالة مذرية من اليأس , و كان الحراك الشعبي يسير بطيئاً بدرجة محبطة للنشطاء المثقفيين و كذلك أكثر الفئات تاثيراً و هي الطبقات العاملة و بدا لهم و كأن الشعب السوداني قد أستسلم تماماً لواقعها, و لم تكن قادرآ على إحداث التغيير الذي يتمناه, و لكن لم يكن أحد يتوقع أن الشعب تغلى من الداخل إلى هذا الحد و أنه ينتظر أي حدث يخدش كبريائه حتى انطلق ثائر ضد الظلم الإجتماعي و التهميش السياسي و الإفقار الإقتصادي الذي عانئ منه لعقود و ضد محاولة سرقة الحاضر و المستقبل و إغلاق أفق الأمل أمام الأجيال القادمة, انطلقت شرارة الثورة من الدمازين لتعلن للعالم أن الشعب السوداني لازال نابض بالحياة ولا زال قادر على التأثير و التغيير و ياتي دور المهنيين في الثورات دائماً كنقطة انطلاق و محطة وصول . فلا تقوم الثورات الشعبية غالباً إلا و لها وقود من أبناء الطبقة العاملة المؤثرين في الحياة الإقتصادية, وهم أكثر من يعانون من التهميش و الظلم الإجتماعي و عدم تكافؤ الفرص, ولا تنطلق إلا و تسبقها إرهاصات من الحركات الإحتجاجية العمالية التي تمهد الطريق و تدرب الكوادر الثورية و تنمي و عيهم بمطالبهم و بصراعهم مع الطبقة الحاكمة المسيطرة. و من ناحية أخرى لا يعتبر أن الثورات الشعبية قد أتت ثمارها إلا إذا حققت العدالة الإجتماعية التي ينشدها أبناء الطبقة العاملة , و أشعرتهم أنها قد عادت عليهم بالفائدة بقدر ماقدمو من تضحيات , و إلا ستظل الثورة دوماً كامتة و مستعرة في النفوس مهما بدا أنها قد خبت.
وربما كانت الثورتان التونسية و المصرية هما الثورتان اللتان لم تنزلقا إلى صرعات مسلحة و حروب أهلية كما حدث في ليبيا و سوريا و اليمن, و رغم أحداث العنف التى جرت بدرجات متفاوتة في كلا البلدين, و رغم القلق الذي لازال يحدق بهما من جراء التهديدات الإرهابية و الأزمات الإقتصادية, إلا ان كيان الدولة في كلا البلدين لايزال متماسكاً, و مؤسساتها لا تزال تعمل بقدر ما يمكنها من أجل تحقيق طموحات شعوبها الثائرة إلا أنه بالطبع لكل تجربة من تلك التجربتين الرائدتين خصوصيتها بحكم خصوصية التجربة التاريخية و السياسية لكل من البلدين. من هذا المنطلق اريد محاولة رصد كيفية تعاطي الحركات النقابية مع الثورة تأثيراً و تأثراً, و ما هي عوامل التمايز و التقارب بين التجارب الثلاث ( المصرية, التونسية و السودانية) و إلى أي مدى تقارب الدور السياسي و النقابى في كل هذه التجارب و هل كان تقاربهما مفيداً ام مضراً لكل منهما, و من شأن ذلك أن ينمي وعي عمال الحركات النقابية بأبعاد نضالهم المختلفة و يزيد من تفاعلهم الواعي مع الفعاليات النقابية و يخرجهم من رؤيتهم الضيقة لمصالحهم الإقتصادية, إلى الرؤية الأوسع للاصلاح السياسي و الإقتصادي الإجتماعي و هو هدف تثقيفي هام قبل كل شي.
طرأ علينا المشهد السياسي السوداني بتاريخ 26\7\2020 أعظم وثيقة تاريخية بمثابة الرجوع الئ منصة التأسيس لمعالجة جزور الأزمة السودانية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان \ شمال و تجمع المهنيين السودانيين, يعتبر هذا الاعلان السياسي حدث تاريخي ناصع في تاريخ السودان الحديث و يرتقي إلى مستوى الوعي فوق الدستورية و الابتعاد عن جدل المحصصات الحزبية و ضرورة ترسيخ و تضمين الديمقراطية الإجتماعية و السعي للسلطة عبر الطرق السلمية و الديمقراطية من أجل تحقيق تطلعات جماهير شعبنا الأبي.
ظلت العلاقة بين السياسي والنقابي تمثل جدلاً في الأوساط السياسية و النقابية و الإجتماعية في أن واحد ليس فقط على مستوى التنظير و إعلان المواقف و لكن ايضاً في مستوى الممارسسات و تداعياتها المختلفة. إذ تتلازم المصلحة العامة مع الهدف السياسي, ولا يمكن أن نقطع بين الديمقراطية الاجتماعية و المفهوم السياسي للبناء الإجتماعي. و كل نقابة في النهاية هي مكلفة بالدفاع عن حقوق أعضائها و مصالحهم.و كل تهديد للمشروع المجتمعي الذي تناضل من اجله المنظمة و هو في النهاية تهديد لكيانها. ولان من اكبر تداعيات عولمة الاقتصاد و ما افرزته من إشكالات هشة للتشغيل يخترق كل الحدود في العالم هو إستهداف العمل النقابي.
وهو ما حتم على المنظمات النقابية ضرورة تجاوز ما هو نقابي صرف الى العمل على أن يكون قوة مؤثرة و فاعلة في القرار السياسي حتى أصبحت في بعض بلدان العالم ذات التأثير الأكبر تتداخل بشكل مستمر ضد القوانين المعادية للديمقراطية.
لكن بالمقابل و لنفس اسباب الواقع المتردي الذي يعيشه الرأسمال المعولم بأزمته الإقتصادية و الإجتماعية, تعالت الاصوات من الطرف المقابل بضرورة تحييد النقابات عن طريق التدخل السياسي. و كان لابد من قطع الطريق أمام الطرف السياسي المنافس للقوى الراسمالية عن أي مد إجتماعي منظم يمكن توظيفه, و بالتالي الاستفراد بالطبقة العاملة بل بهذه الشعوب الكادحة باكملها, و لكن طرح المسألة ضمن هذا التجاذب بين مؤيد و معارض قد لا يفيدنا كثيراً إذا كنا بصدد منظمة نقابية ( كتجمع المهنيين السودانيين), عاشت واقعاً خاصاً منز النشأة حتى الأحداث الراهنة, هذه الخصوصية ستجعل من الدور السياسي أو الوطني لتجمع المهنيين السودانيين أمراً واقعاً علينا البحث في حدوده و نجاعته و نتائجه أكثر من شرعيته و إعلانها السياسي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان\شمال.
إذاً ما تم من إعلان سياسي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال و تجمع المهنيين السودانين هو تحالف استراتيجي يهدف لبناء الدولة السودانية على أسس السودان دولة مستقلة ذات سيادة ديمقراطية تعددية لا مركزية تقوم على فصل الدين عن الدولة بما يضمن حرية المعتقد و النشاط الديني, و تكون المواطنة فيها هي أساس الحقوق و الواجبات دون تمييز, و يكون الشعب مصدر السلطات و يسود فيها حكم القانون و التداول السلمي للسلطة و التقسيم العادل للثروات. و ضمان حماية حرية المعتقد و حرية العبادة و حرية الفكر و الممارسات الدينية. و لا يقوم أي حزب على اساس ديني و إلغاء جميع القوانين التى تقوم على اسس دينية. و أن تعترف الدولة و تلتزم بالتنوع التاريخي و التعدد المعاصر و تعززه, و تؤكد بأن جميع الأعراق و الديانات و الثقافات جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية للدولة و يجب أن تعمل الدولة في مسار تطورها لبناء هوية مشتركة و وضع ترتيبات منصفة و بناءة.
دمتم و دام نضالات الهامش
