مدينة الفاشر، السلطان الصامد، تقاوم وحدها مليشيا الدعم السريع، لمدة عامين دون هوادة. في الوقت الذي سقطت فيه الخرطوم بمحلياتها الثلاثة، والجزيرة، والجيلي تحت بطش هذه المليشيا، ظلت الفاشر عصية على الاختراق، رمزًا للصمود والتحدي. بفضل مقاومة أهلها، اضطرت المليشيا لسحب قواتها من المدن المحتلة لتواجه الفاشر، مما ساهم في تحرير تلك المدن. لكن، وعلى الرغم من هذا النصر البطولي، لا تزال الفاشر محاصرة بالكامل منذ عامين، دون أن يصلها دواء أو غذاء، مما أدى إلى كارثة إنسانية تُزهق أرواح الأطفال جوعًا ونقصًا في العلاج.
الأمر المؤسف أن حكومة السودان، ممثلة في مجلس السيادة وقيادة الجيش، لم تحرك ساكنًا لفك هذا الحصار. لا عمليات إسقاط جوي للمساعدات، ولا تحركات عسكرية على الأرض لدعم القوات المشتركة في كردفان للوصول إلى الفاشر. هذا التخاذل يعكس غيابًا واضحًا للإرادة السياسية والعسكرية لإنقاذ مدينة هي العمود الفقري للمقاومة ضد المليشيا.
والأكثر إيلامًا هو موقف بعض الشعب السوداني. قبل تحرير الخرطوم، كانت الشعارات القومية مثل “القومية تنتصر ” و”معركة الكرامة” تتردد بقوة، لكن بعد تحرير العاصمة، سكتت الأصوات وخفت الحماس، تاركة الفاشر تواجه مصيرها وحيدة. هذا الصمت يكشف عن غياب وجدان مشترك يربط بين أبناء الوطن، ويؤكد أن الفرح بالانتصارات الجزئية قد طغى على الالتزام الأخلاقي تجاه الفاشر وأهلها.
إن على رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، وقيادة أركان الجيش، أن ينظروا إلى قضية الفاشر بجدية وحسم. إن سقوط الفاشر، لا قدر الله، لن يكون مجرد خسارة لمدينة، بل سيعيد المليشيا إلى كل المدن التي تحررت، وبقوة أكبر مما كانت عليه. تحرير الفاشر ودعم كردفان ليس مجرد واجب عسكري، بل ضرورة استراتيجية للقضاء على تهديد المليشيا نهائيًا. إن التاريخ لن يرحم من يتخاذل اليوم، وسيظل صمود الفاشر وصمة عار على جبين كل من سكت عن نجدتها.
الفاشر ليست مجرد مدينة، بل هي رمز كرامة السودان
فهل سينهض السودان لنجدتها قبل فوات الأوان ؟
مصطفي مانيس
محلل سياسي

تعليق واحد
Nice post! 1754749242