دانيال كالو ترلي
لقد لعبت الأمم المتحدة دورا هاما في حفظ الأمن والسلم الدوليين منذ تأسيسها في العام١٩٥٤م بعد فشل عصبة الأمم واندلاع الحرب العالمية الثانية والى الان ما زالت تقوم بهذا الدور في العالم ولا سيما في أفريقيا والتي شهدت بدورها أكبر تواجد لعمليات حفظ السلام من بين كل قارات العالم، ويرجع ذألك إلى النزاعات الدامية التي دارت في أفريقيا وبسببها فقدت الكثير من أبنائها في هذه النزاعات المسلحة الدامية في كل من الكونغو والصومال وليبيريا ورواندا والسودان وجنوب السودان على سبيل المثال وليس الحصر. في هذه الورقة نريد ان نسلط الأضواء على الدور الذي قامت بها الأمم المتحدة في السودان والبعثات التي تعاقبت على الدولة والتحديات والفرص الممكنة للاستفادة القسوة منها.
السودان واحدة من اوائل الدول الإفريقية التي نالت استقلالها مبكر منذ عام ١٩٥٦ م وبرغم ذلك لم تنعم الدولة السودانية بالاستقرار المستدام، او الاستفادة من امكانياتها ومواردها الهائلة التي يتمتع بها، من خلال موقع جغرافي المتميز وحدودها مع العديد من دول بالإضافة الى الموارد البشرية الضخمة من فكر وتنوع ثقافي واجتماعي فريد…الخ
الا ان الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم السودان لم يكتشفوا هذه الفرص ولم يديروا الدولة بالطريقة الصحيحة، مما أدى ذألك الي تمرد على تلك الأنظمة مما ادخلت البلاد في حروب أهلية ونزاعات في كل أرجاء السودان الى يومنا هذا، مما جعلها عرضة للطامعين في مواردها وامكانياتها بالتدخل سواء لمصالحهم الخاصة او للعمل الإنساني وهنا يكمن دور الأمم المتحدة، وهي المنظمة الدولية المنوطة بالأمن والسلم الدوليين.
نعلم جيدا بان الأمم المتحدة موجودة في السودان منذ زمن مبكر عبر مؤسساتها وواجهاتها المختلفة، مثل برنامجها الإنمائي وبرنامج الغذاء العلمي والصحة العالمية واليونيسف والخ. من هنا نطرح السؤال الموضوعي، إذا كانت الأمم المتحدة موجودة في السودان منذ ذلك الزمان…لماذا الرفض الان؟ او اعترض البعض على طلب رأس الحكومة الانتقالية للبعثة الأممية لدعم السودان في الفترة العصيبة التي تمر بها الان؟ وما هي هذه الدوافع لهذا الاعتراض؟ هل هي دوافع إيديولوجية أم دوافع ومخاوف حقيقية؟ للإجابة على هذه الأسئلة دعنا نعود إلى مسألة النزاعات منذ الاستقلال وحتى الآن ونسأل سؤالا موضوعيا.
لماذا قامت هذه النزاعات بين أبناء الشعب الواحد؟ أو لما تحارب أبناء البلد الواحد فيما بينهم؟ ولماذا لم تحل هذه المشكلات منذ الاستقلال وحتى الآن؟ الم يكن للسودانيين إرادة سياسية حقيقية لتدارك هذه مشكلات وحلها؟ أم كل الحلول التي توصلوا إليها كانت خاطئة غير مرضية لكل الاطراف؟ وكثير من الأسئلة التي يمكن أن نطرحها، ولكن لأجل موضوعنا دعني أيضا اطرح السؤال المهم لماذا الأمم المتحدة في السودان؟ للإجابة على هذه السؤال دعني استعرض تاريخ البعثات الأممية في السودان.
أولا: في العام ٢٠٠٢ م كانت هنالك قوات من أصدقاء النوبة في بعثة لحفظ اتفاقية وقف إطلاق النار (JMC) Joined Military commission في ولاية جنوب كرفان والتي أتت بموجب اتفاقية سويسرا ما بين حكومة السودان (الانقاذ) والحركة الشعبية لتحرير السودان-اقليم جبال النوبة، وذلك لمراقبة وقف إطلاق النار.
ثانيا: في عام ٢٠٠٤م وبموجب قرار رقم ١٥٤٦ بتاريخ ١١ يونيو ٢٠٠٤ م قرار من مجلس الامن الدولي بإنشاء بعثة سياسية خاصة سميت ببعثة المقدمة الخاصة للأمم المتحدة في السودان UNAMIS-United Nations Advance Mission in Sudan.. ومن مهامها تسهيل والتواصل مع الاطرف المعنية لإنشاء عملية دعم السلام وعلى رأسها يأن برونك.
ثالثا: وفي نفس العام وبتاريخ ٣٠ يوليو تم إسناد البعثة السابقة الذكر بمهام جديد وذلك للاستجابة للأزمة في دارفور. وبعد تقرير س/٢٠٠٥/٥٧ المعنون بتاريخ ٣١ يناير ٢٠٠٥ من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون آنذاك، الذي وصى فيها ببعثة متعدد الجنسيات قوامها ١٠٠٠٠ جندي و٧٠٠ شرطي من الشرطة الدولية وعدد مقدر من المدنيين.
رابعا: في يوم ٢٤ مارس ٢٠٠٥م بقرار رقم ١٥٩٠ من مجلس الامن الدولي تم إنشاء بعثة الأمم المتحدة في السودان-اقليم UNMIS-United Nations Mission in Sudan. واسندت لها مهام، دعم تنفيذ اتفاقية السلام الشامل وتسهيل وتنسيق عملية العودة التطوعية للنازحين واللاجئين وكذلك إزالة الألغام ودعم وحماية حقوق الإنسان.
خامسا: في عام ٢٠٠٦ زادت الأمم المتحدة من قوامها إلى ١٨٦٠٠ جندي وذلك للمشاركة في البعثة المشتركة بين الامم المتحدة والاتحاد الافريقي لدارفورUNAMID – United Nations Africa AU in Darfur
سادسا: بتاريخ ٢٧ يونيو ٢٠١١م أصدرت الأمم المتحدة قرارا اخر رقم ١٩٩٠ بالتاريخ المذكور للاستجابة للأوضاع في أبيي التي أصبحت حين ذألك منطقة نزاع دولي باعتبار نتائج الاستفتاء لجنوب السودانUNISFA
سابعا: ٢٠٢٠م بريطانيا وألمانيا اعدتا مسودة بقرار لإنشاء بعثة سياسية لدعم الحكومة الانتقالية وذلك بطلب من الحكومة الانتقالية في السودان اي من رئيس الوزراء. وسوف يكون كبعثة مقدمة تمهيدا لبعثة أكبر بعد التوقيع على اتفاق السلام مع كل حاملي السلاح – بجوبا
إذا دعونا نسأل سؤالا جوهريا هنا وبعد هذا الاستعراض على تواجد الأمم المتحدة وقواتها في السودان وعبر كل هذه البعثات السابقة الزكر. هل اخطاء رئيس الوزراء في طلب دعم المنظمة الدولية أم هو على صواب ويريد بأن لا يتكرر تواجد الأمم المتحدة ويكون هذه هي اخر البعثات في السودان؟ بالطبع لم يخطأ رئيس الوزراء الحكومة على طلبه هذا والدليل على ذلك، للرجل خبر طويلة في هذا الشأن يعرف جيدا ما يدور داخل أروقة هذه المنظمة، ثانيا هو الرجل الذي اختارته الثورة ليقود التغيير المنشود وادرا بهموم الثورة، في تقديري يريد أيضا تجنيب البلاد من البند السادس او السابع والتي قد يكون غير مناسبا في هذا التوقيت بالذات. ومن المعروف ان الأمم المتحدة لا تتدخل في الشأن الداخلي وسيادة الدول الاعضاء الا بطلب منها (ميثاق الأمم المتحدة) باعتبار ان السودان واحدة، من الدول العضوة في الامم المتحدة إذا لها الحق في طلب الدعم من المنظمة الدولية في أي وقت ترى أنها بحاجة إلى دعم المنظمة الدولية. وهذا ما تم باستجابة لخطاب حكومة السودان الى الأمين العام للأمم المتحدة رقم s/2020/221 بعد تقارير الاتحاد الافريقي تم قبول الطلب بأنشاء بعثة تحت مسمى UNITAMS ولكن هنالك تحديات وفرص نجاح تنتظرها وهي تتمثل في الاتي:
أولا تحديات دولية ومنها الوضع الصحي العالمي والمتمثل في جائحة كرونا والذي بدوره يعيق دعم عمليات البعثة سواء علي الدول الداعمة أو على المنظمة نفسها في إيجاد الدعم المالي الكافي للقيام بمهامها على أكمل وجه…الخ.
ثانيا تحديات محلية وهي كثير واهمها ان الأطراف المكونة لحكومة الفترة الانتقالية وخاصة المكون العسكري غير راضية بفكرة البعثة بما عليها من ملاحقات دولية الخاصة بجرائم الحرب في دارفور اي مسألة ملاحقة محكمة الجنايات الدولية لبعض الأشخاص وخاصة بعد تسليم أحد المتهمين الرئيسيين نفسه اليها وما يترتب عليه التحقيق الجارية معه، مما قد يشكل تحديا حقيقيا للحكومة والأمم المتحدة…. الخ.
وبرغم التحديات الا ان هنالك فرص عدة للاستفادة القسوة من بعثة الأمم المتحدة على أكمل وجه وذلك بوضع أولويات والحاجيات من طلبنا المساعدة الدولية والتخطيط للاستفادة من الخبرات الدولية لا سيما انها بعثة سياسية سوف توفر الدعم للعملية الدمقراطية وبناء السلام وحكم القانون وتعمل أيضا على تقديم الدعم الاقتصادي بالتسهيل مع المانحين وقد تساهم على رفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب والتي القت بظلالها ضررا كبيرا علي الدولة طيلة فترة النظام البائد. وضرورة تجنب تكرار أخطاء التجارب السابقة لتجنب عودة السودان الى المربع الأول، والا سوف تتوالى على السودان بعثات تلي الاخر، لاسيما سوف يكون هنالك بعثة لحفظ السلام إذا توصل الاطرف في جوبا لتوقيع على اتفاق سلام لحل كل مشاكل السودان وان لم يتم التوصل إلى سلام شامل وعادل يحقق طموحات كل الشعب السودان وخاصة الهامش منها فسوف تشهد البلاد بعثات أممية كثيرة جدا مثلا بعثة الامم المتحدة لدولة جبال النوبة ودارفور والشرق وحتى الشمال ولم لا فان هنالك تجربة جنوب السودان دليلا على تعنت الأنظمة والنخب في الخرطوم وعدم الاستفادة من التجارب السابقة
ودمتم ودام السودان قويا موحدا
