قراءات و تحليلات

هل الجيش والشعب والحركات المسلحة يمكن أن يصبحوا ايد واحدة لاسقاط النظام ؟

عثمان نواي

في أيام الثورة المصرية كان شعار الشعب المصري بعد أن نزل الجيش الي الشارع ( الجيش والشعب ايد واحدة). والحقيقة أن الجيش المصري له نقطة أساسية فارقة عن الجيش السوداني وهو أنه لم يقوم بحروب أهلية قتل فيها شعبه، لذلك ايام ثورة يناير كان هناك مظهر تلاحم حقيقي بين الجيش والشعب. والمشهد تكرر أيضا عند إزالة نظام الإخوان المسلمين عام 2013. لكن المشهد السوداني مختلف للغاية. ليس فقط لأن الجيش يقتل المواطنين السودانيين منذ الاستقلال إلى الان، ولكن لأن الجيش أيضا أصبح مؤسسة شديد الضعف مسيسة ومهددة بمخاطر أساسية، أهمها هو حقيقة أن السلاح حتى داخل الدولة ليس محتكر لدى الجيش، بل هناك مليشيات الدعم السريع وابو طيرة من جهاز الأمن التي تمتلك أسلحة ثقيلة، لا يكاد يكون الفارق بينها وبين الجيش الا سلاح الطيران.

لذلك إلى من ينحاز الجيش الان في حالة الانهيار المدوي الذي يحدث حاليا هو أمر معقد وقد يؤدي إلى تأخر إسقاط النظام بشكل نهائي. ان وجود المليشيات من أمثال حميدتي ومليشيات جهاز الأمن يعتمد تماما على بقاء النظام وعلى بقاء البشير شخصيا في الحكم. ولذلك هدد قبل أيام حميدتي قائلا إن البشير سيترشح فوق راس اي زول. لذا فإن احتمالات قدرة الجيش على السيطرة على السلطة لن تكون ممكنة بدون قدرة قيادات الجيش على أحكام لجام المليشيات والسيطرة على الأجهزة الأمنية بشكل أو بآخر. حيث أن أجهزة الدولة التي اصبحت جزر معزولة خاصة في الملفات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وأصبحت حتى لديها ميزانيات معزولة واستثمارات خاصة، جعل هذه الكنتونات تشكل عقبة حقيقية في سبيل اي سيطرة محتملة للجيش على السلطة. في حال دخول الجيش في مواجهات مع المليشيات فإن أي أمل في انتقال سلمي سينتهي وهذه المرة الخطر لن يأتي من الهامش البعيد بل هو داخل الخرطوم نفسها. فالذين كانوا يخشون التغيير بحجة أن الحركات المسلحة من الهامش ستنقل العنف إلى المركز عليهم الان ان يدركوا أن المشهد ربما تغير تماما. فالحركات المسلحة من الهامش هي الآن ربما تكون صمام الأمان ووسيلة الضغط الأساسية التي يمكن أن يعتمد عليها الجيش السوداني إذا ما أراد السيطرة على المليشيات التابعة للبشير والكيزان. إذا كان هناك ثمة يد واحدة وتحالف مستقبلي قد يؤدي فعليا إلى كبح جماح البشير ونظام الكيزان فهو التحالف بين الجيش وبين الحركات المسلحة في الهامش والشعب .

من المعلوم جيدا أن الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال في جبال النوبة تسيطر على مناطق محررة لم يتمكن ابدا قوات ألدعم السريع من اختراقها.. وهذه القوات تعلم جيدا أن جنود الحركات المسلحة يقاتلون بعقيدة قتالية وروح معنوية عالية، والتزام لقضية والتزام عسكري منضبط وليسوا مجرد مرتزقة مثلهم يفرون إذا حمى الوطيس. لذلك فإن قلب الطاولة تماما على نظام البشير لا يبدأ من القصر الجمهوري بل يبدأ من القيادة العامة ومن الجيش، إذا أراد قادته ممن لازالت فيهم روح الوطنية والولاء للأرض والعلم أن يخرجوا السودان من بين براثن الإسلاميين.

ان الدرس الذي يمكن تعلمه من إخراج الإسلاميين في مصر هو هذا التحالف القوى بين الشعب والجيش، ولكن في السيناريو السوداني الشعب الذي يجب على الجيش التحالف معه لحماية السودان وتحريره ليس فقط المتظاهرين في الشوارع والقوى السياسية السلمية بل أيضا القوى المسلحة التي هي جديرة بأن تكون الشريك الرئيس لجيش وطني ذو أهداف عليا في تحرير الشعب المعتقل رهينة بين يدي الكيزان. هكذا تحالف لن يعني فقط إسقاط النظام بل سيعني أيضا إنهاء احلام الكيزان في السيطرة على البلاد. وهذا إضافة إلى أن هكذا تحالف سينهي حالة الحرب الأهلية ويجمع الجيش والقوى المسلحة في خندق الدفاع عن الوطن الواحد. في ظل دعم شعبي ووجود قوي مدنية وسياسية مساندة في الشارع، ربما تكون هذه هي الوسيلة الأمنة لعملية انتقال لن يكون سلميا بالكامل لكن سيكون الأقل من ناحية الخسائر . وان تم التحالف بين الجيش والحركات المسلحة والقوى المدنية بشكل قوي وسريع فإن احتمالات العنف ستقل أو تنعدم. للأسف أن هذا السيناريو رهين تماما بالجيش وبما إذا كان فيه من الرجال الحكماء والشجاعة و من هم قادرين على أحداث تغيير حقيقي يحمي السودان من النهايات الكارثية التي تحوم حوله الان.

ان تحقق هذا التحالف الذي قد يظنه البعض حالما هو قد يكون المخرج الذي يحدث قطيعة تاريخية مع ماضي الجيش السوداني المؤلم في حربه ضد الهامش، عبر استعادة الثقة في هذا الجيش وادراكه لدوره الوطني في حماية الوطن من المخاطر وليس قتل الشعب السوداني خاصة في الهامش. ان تم هكذا تحالف سيكون هناك أرضية جديدة لبناء الدولة السودانية مبنية على حقيقة أن أعداء الوطن الحقيقين هم الذين يفرقون بين أبناءه بغطاء الدين والعنصرية القبلية والتعالي الثقافي. إذ يعلم قادة الجيش جيدا أن جنود وضباط القوات المسلحة من الهامش هم الذين يقومون فعليا بحماية ثغور السودان. وأنهم فرض عليهم القتال ضد أهلهم وهو كره لهم، وهذا تناقض في المعادلة السياسية والعسكرية السودانية يمكن أن ينتهي بأن يجتمع صفوف المقاتلين في جبهة الدفاع عن الوطن بدلا عن القتال بين الاخوة. وإذا ما تم هكذا تحالف، بين الحركات المسلحة والقوات المسلحة فإن مرتزقة الكيزان ومليشياهم سوف لن يجدوا بداً سوى أن يولوا الادبار، لأنهم يعلمون جيدا شجاعة ومهنية الرجال الذين سيكونون في مواجهتهم. ان هذه فرصة تاريخية لقطع الطريق على البشير وعصابته. وحتى على بقية مجرمي الحرب الذين استنزفوا الجيش وحولوه إلى مجموعات مرتزقة تحارب نيابة عن العرب والخليج دون كرامة أو عزة كما عهدها جيش السودان سابقا عند مشاركاته العربية من حروب ضد إسرائيل في القرن الماضي.
في حال عدم وجود ما يكفي من الحكمة والوطنية بين قيادات الجيش الموجودة حاليا فإن سيناريو زيمبابوى يبدو للبعض محتملا، بأن يصبح نائب الرئيس في مكان البشير، لكن يظل التحدي ماثلا في وجود المليشيات وجهاز الأمن الموالي للكيزان والذي لن يستسلم لانتقال كامل للسلطة إلى يد الجيش والعسكر دون أي دور للإسلاميين أو الكيزان. وتسريبات بكاء البشير الأمس واتهامه المدنيين بغش العسكريين هي في قلب هذا الصراع الذي هو جزء كبير من الصراع الدائر الان والذي سيستمر مستقبلا.
ان إنهاء وجود الإسلاميين في السلطة في السودان هو الآن مطلب دولي وإقليمي وليس فقط مطلب الشعب السوداني. لذلك فإن الجيش أن تسلم السلطة ولو تحت قيادة بكرى حسن صالح لن يسمح بتواجد الإسلاميين بشكل مؤثر ابدا. وهنا يبدأ الصراع. ولذلك صرح على عثمان بالأمس لصحيفة المجهر في حوار واضح انه يؤيد ترشيح البشير من أجل استقرار البلاد. إذن الإسلاميين مصرين على البقاء ولو على رماد الشعب السوداني. ولذلك فإن السيناريو الأفضل سيكون هو التحالف بين الجيش والحركات المسلحة والشعب والقوي السياسية المدنية من أجل إنهاء كامل لجميع فرص الكيزان في استمرار السيطرة على البلاد وإيصالها للدمار الشامل.
ربما يتساءل الكثيرون حول المستقبل وما إذا كان تدخل الجيش سيؤدي مستقبلا الي سيطرة عسكرية على الدولة، للأسف أن هذا احتمال لا يمكن أبدا تجاوزه، لكن للأسف أيضا أن الخيار الآخر في المرحلة الحالية سيكون أكثر كلفة بكثير وقد يعني التسليم بانهيار الدولة تماما. لا يوجد تغيير شامل من مرحلة واحدة. فعمليات الانتقال إلى بناء دولة يجب أن تمر بمراحل عديدة. فالثورة الفرنسية لم تصل إلى الجمهورية الديموقراطية التي بشرت بها إلا بعد محاولات عديدة. يجب أن ندرك اننا في معركة أن يكون السودان او لا يكون الان. والتفكير خارج الصندوق واتخاذ بعض المخاطر المحسوبة ربما هو الخطوة الأكثر شجاعة القادرة على تقديم حلول تواكب مقدار الخطر الداهم والغير مسبوق الذي تواجهه البلاد الان. ولذلك هذه دعوة مفتوحة لأبناء الوطن الشرفاء داخل الجيش السوداني للقيام بدور تاريخي ينهي الصراعات في السودان وينهي نظام الإخوان المسلمين بضربة واحدة.

هذا أو الطوفان.
nawayosman@gmail.com

مقالات ذات صلة