بقلم عثمان نواى
نشرت نقابة الأطباء ببريطانيا بيان هو بمثابة فضيحة أخرى تضاف الى درجات الانحدار الأخلاقى فى ثوب من التعالي الأعمى التى اتسمت بها تصرفات النقابة مؤخرا فى أعقاب قضية رفضها او تأجيلها دعم مستشفى بالمناطق المحررة، بحجج تتسم بدرجة عالية من عدم الاتساق والتبريرات الأسوأ من الذنوب. ولم يجف حبر البيان حتى قامت بخطوة أخرى اكثر سوءا وهى إيقاف الدكتور عز الدين حمو عضو النقابة وعضو مجموعة مانشستر الذى فضح السلوك العنصرى داخل النقابة وتمييز بعض قيادتها ضد شعب جبال النوبة بتعليقات تقلل من أهمية دورهم فى الثورة كما ادعى البعض من الاطباء فى النقابة فى اطار رفضهم دعم المنطقة .
بتجميد عضوية دكتور عز الدين والبيان التبريرى وليس التوضيحي من النقابة فانها تسقط فى وحل العنصرية وبل حماية الخطاب العنصرى وبل التخلص من الأصوات ذات الضمير الحى التى تحاول فضح تلك العنصرية وتقويم مسار ممارسات النقابة. وهنا يجب ان نبعث بالتحية للدكتور عز الدين الذى ما توانى عن كشف الحقيقة رغم ما يتعرض له الآن من اقصاء واستبعاد بسبب مواقفه المتسقة مع ضميره وقيمه. ولكن فى ذات الوقت ما يتعرض له يكشف عن سلوك شلليات الاحتكار وحماة الامتيازات الذين يقومون باقصاء كل الأصوات التى تحاول تغيير مسار الأمور وكشف عقلية التمييز واصلاحها. وسلوكيات القمع والإقصاء هذه سوف تقود بلا شك الى استمرار هذه العقليات المريضة فى غيها. وللأسف ان الكثيرين ممن ربما تكون لديهم مواقف مناهضة لما يجرى من ممارسات كارتيلات العنصرية والأمتيازات لا يستطيعون الوقوف فى وجهها، لانهم يخشون من الاستبعاد من جماعاتهم وعزلهم.
للأسف ان قيادة النقابة التى اختارت التعالى على على الاعتذار عن سلوكيات افرادها العنصرية، لم تحقق فى التعليقات التى تقلل من شان شعب جبال ونضاله. ،بل استمرت فى التبرير لمواقفها بإيقاف من كشف تلك العنصرية داخل النقابة. ولكن يبدو ان قيادتها لازالت تعيش فى زمان مضي، فهى لا زالت تتوهم ان فئات معينة فى السودان هى فقط المخولة بتقرير كل شيء فيه وتحديد من يعطى ماذا ولمن.. ولكن هذا العهد قد ولى وانتهى.. وهذه العقليات العنصرية الإقصائية لا يجب ولا يحق لها ان تستمر فى إدارة شئون وقضايا حيوية تخص السودان وشعوبه…وهى تدعى المهنية وتصدر التقارير عن الانتهاكات وتتعاون مع مؤسسات دولية لعكس وضع حقوق الإنسان والاوضاع الصحية فى السودان ولكنها تنحصر فقط فى تقاريرها حول مناطق معينة ولا تبذل مجهود لعكس ما يجرى فى مناطق النزاعات بنفس مستوى المجهود فى الخرطوم. هذه المركزية والإقصاء هى درجة أخرى من انعدام المهنية وتناقض المعايير والتمييز المنهجى فى عمل النقابة نفسها. التى لم نسمع يوما انها قدمت تقرير او كتبت بيانا عن الأوضاع الصحية فى جبال النوبة وقد صدرت تقارير من هيومن رايتس ووتش قبل ثلاث أعوام توضح الوضع الصحي السئ هناك الناتج من وضع المنطقة فى حصار كامل من قبل الإنقاذ لتسع سنوات.
ولن تقبل الكثير من الجهات فى العالم من منظمات تمويل او مجموعات حقوقية، لن تقبل ابدا العمل مع مجموعات ذات عقلية عنصرية او سياسات عنصرية تتجاهل قضايا هامة وتضع اولويات بمقاس عنصرى واقصائى. ولا يجب ان تكون هذه هى قيادات المؤسسات المدنية التى تمثل سودان ما بعد الثورة، وليس حادث إحسان فقيرى وموقف لا لقهر النساء ببعيد عن الاذهان. ولن تتسم هذه المؤسسات باى مصداقية في تعاملاتها مع الجهات الداعمة لها وهى تتبنى سياسات تغطى بها على عمليات اقصاء ممنهج كما يجرى الان.
ليس من المستغرب مثل هكذا عقليات تربت وتعلمت ومارست مهنتها في عهد الإنقاذ، فمن الطبيعي ان تستلف أدوات قاهرها وبيئتها وحاضنتها وليس مدهشا ان تكون معبر عن مكونها النفسى المشبع بالقهر وإقصاء الآخر الموروث من تجربة الإنقاذ. واستمرار وجود هذه العقليات يؤكد ان الإنقاذ نفسية وطريقة تفكير، و بينما سقطت الإنقاذ المؤسسة ،تبقت النفسيات والعقليات التى انتجتها فى انتظار السقوط.
كما ان السودان نفسه كوطن لن يصمد كثيرا وهو يتم إدارة أموره من مجموعات النخب قصيرى النظر وضعيفى الهمم هؤلاء الذين يتبارون فى تجويد الأسوأ والادهاش بالاحقر فى معظم ما يصدر عنهم. الأمر الذى يجعل مصير البلد ينحدر نحو التفكك والتدمير. ولكن هذا السودان ليس ملك لهم وحدهم ويجب دوما فضح هذه العقليات وانقاذ البلاد منها ليس فقط من أجل اهل جبال النوبة او الهامش ولكن لأنها تضيع فرص الوطن بأكمله.
nawayosman@gmail.com