مقالات وآراء

نظام البشير يصبح مخبر الامريكان ضد داعش ليحافظ على بقائه

 عثمان نواي
عثمان نواي

على عكس ما تدعى الادارة الامريكية من نصرة لحقوق الانسان والديمقراطية والحرية, الا ان الحكومات الامريكية المتباينة خاصة فى حقبة الحرب الباردة وحتى الان اشتهرت بتبنى وحماية الديكتاتوريات فى دول عديدة فى العالم. فما يحكم السياسة الامريكية هو المصالح وليس قيم الحرية والديمقراطية التى ينص عليها الدستور الامريكى نفسه. رغم ان السياسات المعلنة لامريكا تدين شكلا نظما مثل النظام السودانى الا انها فى ذات الوقت تعمل على الحفاظ عليه وربما حتى دعم بقائه فى حالة توافقه مع مصالحها. ومن المعروف ان نظام البشير مصنف كنظام راعى للارهاب وتنفذ عليه عقوبات هى فى الحقيقة عقوبات لم تؤثر كثيرا على قدرة النظام على البقاء لان مراقبتها ليست بتلك القوة. وفى ظل معرفة نظام البشير بما تريده امريكا فانه يزحف على رجليه وقدميه مقدما خدماته الاستخباراتية ليتحول الى مخبر الامريكان وغواصتهم داخل التنظيمات الاسلامية المتشددة باعتباره قريبا منها منذ بدايته فى التسعينات حينما كان مستضيفا لابن لادن. وبالفعل فان مدراء الاستخبارات السودانية والاجهزة الامنية وخاصة صلاح قوش لديهم علاقات خاصة بالاستخبارات الامريكية.

اكد هذا المنحى سفير السودان بواشنطن فى لقاء مؤخرا مع صحيفة الواشنطن بوست , حيث قال “ ان الاتصالات بين الاجهزة الاستخبارتية فى امريكا والسودان وصلت لدرجة اصبحت اشكال التعاون مفتوحة على كل المجالات” وهذا كان فى اطار سؤال مباشر من واشنطن بوست حول ما اذا كان السودان سيسمح لقوات امريكية مثلا باستعمال اراضيه لمحاربة داعش فى منطقة شرق وشمال افريقيا. ووحسب الصحيفة فان السودان عرض خدماته ليصبح مركزا لادارة عمليات دولية لمكافحة الارهاب فى المنطقة, سعيا ليغير موقفه من دولة راعية الى دولة( حليفة) فى مكافحة الارهاب. اذن هى خطة النظام فى البقاء العمل كمركز استخباراتى وربما فى المستقبل كقاعدة عسكرية امريكية تخدم فقط بقاء النظام فى الحكم لاطول فترة ممكنة. وما يتجلى حاليا فى الساحة السياسية السودانية من تجاهل دولى لما يحدث من جرائم للنظام فى جبال النوبة ودارفور وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والتى تحدث بشكل شبه يومى , يثبت ان النظام يوطد قدميه ويعمل بكل ما يمتلك من قدرات على ترسيخ مكانته الدولية عبر استغلال التحالفات الدولية لمكافحة الارهاب. فان علاقات النظام الوثيقة مع الخليج وتخليه عن حليفته التى دعمته طوال سنوات المقاطعة العشرين الماضية , ايران من اجل ان ينضم للتحالف العربى ضد اليمن , انما هو جزء من اللعبة التى يلعبها النظام على مستوى دولى لتثبيت اقدامه. والنظام السودانى يبدو انه على الرغم من كثرة الضغوط الدولية من جانب يتعلق بالمجتمع المدنى والحقوقى , دائما ما استطاع صنع تحالف ليخلق تصدي كبير من الدول التى لديها القوة الحقيقية لاتخاذ القرارت التى تدين السودان فى المحافل الدولية سواء فى مجلس حقوق الانسان فى جنيف او فى مجلس الامن او فى مستوى القارة الافريقية .

ومع ضعف بنى النظام على المستوى الداخلى , فانه يحاول الاحتماء بالوجود على المستوى الدولى لقطع الطريق امام اى شكل من التغيير السياسى الداخلى الذى قد يدعمه المجتمع الدولى كما حدث فى دول اخرى , فالنظام يحاول نقل نفسه الى الضفة الاخرى التى تحميها الدول الكبرى , مثل نظام السيسى فى مصر. فحتى مسرحية الحوار الوطنى هى ايضا ضمن محاولات النظام تصوير نفسه كنظام ديمقراطى منفتح. ولكن النظام لا يستطيع تزوير صورته الى هذا الحد , فاجهزته الامنية لا تتوقف عن القمع للصحافة والمتظاهرين ولكنها ايضا تنحو الى نهج جديد وهو تلفيق التهم ضد الناشطين والصحفيين ومحاولة استغلال القانون , من اجل تحجيم الناشطين واغلاق الافواه. واستمرار حملات النظام الوحشية عبر مليشيات الجنجويد والدعم السريع فى مناطق الحرب ايضا هى الشكل الاخر لغلبة الطبع على التطبع , وحقيقة النظام التى لا تخفى على امريكا ولا بقية المجتمع الدولى . ولكن الخارطة السياسية للعالم تشهد تحولات وتحالفات جديدة وتغيير فى خارطة المنطقة , وفى ظل ما سمى بالفوضى الخلاقة , يبحث نظام البشير لنفسه عن موطء قدم. واستطاع النظام عبر العمل كجاسوس فعال فى المنطقة وتحويل الجيش السودانى الى مرتزقة تحارب بدلا عن دول الخليج , فانه قد اشترى لنفسه وقتا ليبقى على سدة الحكم, ويبدو ذلك فى من خلال محاولات الضغط الدولى على المعارضة لتوقيع خارطة الطريق التى تشرعن الحوار الوطنى وتبرر موقع النظام الحاكم فى سيادة البلاد وتضمن مكانته فى المستقبل. وويبقى لهث النظام من اجل رفع العقوبات عنه وكسب امريكا وبقية الدول الغربية كحليف لمكافحة الارهاب هو مخرجه الوحيد للبقاء فى ظل التململ الداخلى المضطرد والاحتجاجات التى تتزايد ببطء والغضب الشعبى المحتقن. والحل للسودان هو دائما وسيظل هو رهان يعتمد على القوى السياسية السودانية وقدرتها على الالتحام مع الشعب لسودانى لتحقيق تطلعاته وقيادته للتخلص من هذا النظام.

عثمان نواى

osman.habila@gmail.com

مقالات ذات صلة