مقالات وآراء

نضوج عملية التغيير…

عبدالباسط محمد الحاج – المحامى

لا اود أشرع في تناول إخفاقات نظام الجبهة الإسلامية بحكم أن هذا أمر مفرغ عنه وأضحى واقع منظورامامنا لا يتجادل فينا أثنان عقلاء علي فشل الإنقاذ وإنهيار المنظومة الحاكمة من الداخل بعد تآكل دام عقدين من الزمان وهذا بالطبع يعود إلى مفارقات المشروع للموضوعية والظروف الأجتماعية للمجتمع السودانى ، وإلى أيدولوجيا التمكين والسيطرة التى تبنتها الإنقاذ .
لقد تابعنا جميعنا الأحداث المتفرقة التى إندلعت في الشهر الماضي من مظاهرات ووقفات إحتجاجية نظمتها قوى المعارضة السودانية ، إحتجاجاً علي الغلاء والوضع الإقتصادي المتأزم وإنهيار تام للعملة ، قدم عدد كبير من السياسين حرياتهم الشخصية فاتورة لصناعة موقف عام تجاه التغيير وقادة احزاب سياسية وناشطين ومواطنين سودانين ، تكبدو قمع السلطات الأمنية الباطشة ، وإعتقد أن هذا المصير كان معلوماً او يجب أن يكون معلوم لدي كل الفاعلين فى التغيير بأن النظام لا يتفهم لغة السلم أو الحراك المدني بالشكل الذي تنادت به الأحزاب المدنى إذ يصبح الأمر هنا مسألة تحدي للجلاد ومقاومة كل أساليب القمع وتقديم المزيد من الآثرين للتضحية في سبيل التغيير .
ملخص الحراكات السياسية خلال عهد الأنقاذ أن هناك فعلا رغبة في التغيير ولكن تظل هناك أسئلة جوهرية قائمة علي عتبات أجندات التغيير الذي نسعى إليه ! وهل تم وضع أولويات التغيير من حيث الأهمية بحكم أن هنالك نقاط جوهرية كانت تاريخياً محل جدال واسع في أوساط القوى السياسية المدنية وحركات التغيير ؟ وهناك أسئلة مطروحة للآن على المشهد العام السودان لم توضع لها أجابات ؟ وأن صياغة الموقف العام من التغيير في هذه المرحلة تختلف عن سابقتها بحكم سيرورة التاريخ تتولد أسئلة مستحدثة على الساحة السياسية تطغى علي تلك الشعارات التى ظلت مرفوعة تاريخاً ؟
فيما يبدو وبناء علي الظروف السياسية الماثلة أمامنا الآن ان اجندة التغيير عميقة او يجب ان تكون كذلك ، ومرحلة مفصلية بحكم تعدد عناصر التغيير بمختلف وسائله وبما ان الامراض التى عاني منها السودان طوالى التاريخ تجسدت الآن في شكل النظام القائم وان نظام الأنقاذ قد جمَع كل سوءات المنظومات السابقة بالتالى يجب مخاطبة كل هذه الأزمات ووضع أسس الأزمة فى جوهر عملية التغيير حتى تكون محور ينطلق منه كل الفاعلين السياسين إبتداءا من ترسيخ وإيجاد نظام ديمقرطي يقبل بالتعدد الحزبي وصياغة دستور دائم متفق عليه بإستفتاء دستور عام بشكل أساسي يحوى كل هذا الكم من التعدد الثقافي والديني واللغوي ، ومحاكمة المجرمين والمطالبين لدى العدالة وجبرر الضرر لضحايا الإنتهاكات التى حدثت ولازالت مستمرة في أنحاء السودان وبصورة خاصة المناطق الثلاثة ،ووضع ترتيبات لمرحلة إنتقالية مصحوبة بتدابير عدالة إنتقالية شاملة لرتق النسيج الإجتماعى ، ووضع رؤية شاملة لمسألة الثروة وإعادة التوزيع بما أن الثورة طيلة الفترات السابقة متراكمة في أيادي فئات معينة نهضت بحرمان مجموعات كثيرة مضطهدة .
أعتقد ان ما يجب علينا التفكير فيه فعليا هو الصياغة الجماعية للرؤية المطروحة للمرحلة القادمة وبشكل جاد مناقشة جذور الأزمة الحقيقة للسودان والتنازل عن السباق السياسي الحزبي للفوز بالتاريخ السياسي او كسب رصيد تنظيمي بمعزل عن المشاركة الجماعية والمساهمين في عمليات التغيير ، ذلك ولأن التسابق التنظيمي يتبدى في أغلب الأحيايين في عمليات الإئتلاف التى حدثت في تاريخنا السياسي والحالى ، فعلينا أن نكون يقظين تماماً وحريصين علي صناعة تغيير يليغ بنا كجيل حالم لصناعة غد أفضل ووضع حجر أساس للأجيال القادمة ، فزمام المبادرة شبابية من الدرجة الأولى ..

abdalbasitm@yahoo.com

مقالات ذات صلة