مقالات وآراء

من أجل السودان ..لا للمشاركة في انتخابات 2020م المزورة!!..

عبدالغني بريش فيوف

ذكر الكاتب الأميركي الشهير فرانسيس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ وخاتم البشر) أن الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط تسعى إلى تحقيق ديمقراطية زائفة من خلال انتخابات واهية مزورة لإضفاء شرعية على حكمها ، فهي تريد مصدرا للشرعية للتبجح به أمام العالم الخارجي الذي لا يهتم كثيرا ما إذا كانت هذه الإنتخابات شفافة نزيهة وذات مصداقية أم لا.

في السودان الوضع لا يختلف عن ما هو عليه الأنظمة السياسية الإستبدادية والديكتاتورية في الشرق الأوسط التي وصفها الكاتب الأمريكي في كتابه. ففي سودان عمر البشير تجرى من وقت لآخر انتخابات من نوع ما (رئاسية +برلمانية +نقابية +طلابية +وووالخ)، بيد أن هذه الإنتخابات لا يمكن اعتبارها ديمقراطية لأنها ليست تنافسية وحرة ، إذ طوّر حزب المؤتمر الوطني الحاكم أدوات وأساليب للتلاعب فيها ليحصل على شرعية سياسية أمام الداخل والخارج.

والنظام إذن يلجأ إلى جموع الشعب والتأثير فيها للحصول على تأييدها بالإنتخابات، لكن هذه الإنتخابات تنقصها جوهر العملية الديمقراطية مثل ، النزاهة، والشفافية، والمساءلة، والتنافسية ..فأي انتخابات تجرى في بلد ينعدم فيه الحريات العامة، ولديه آلاف المعتقلين السياسيين، والرقابة القبلية من الأجهزة الأمنية تحاصر الصحف عدا تلك التي تؤيد النظام وتزمر له.

تدور هذه الأيام نقاشات وحوارات حادة بين السودانيين عن الإنتخابات القادمة في 2020م وما إذا على قوى المعارضة السياسية المشاركة فيها أم مقاطعتها..

أما أصحاب المقاطعة وأنا واحد منهم ..فحجتهم هي أن النظام غير قابل للإصلاح أبداً. نظام شمولي استبدادييتسم بالتحكم السلطوي في كل أوجه الحياة المجتمعية، سياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية على حد سواء ، بحيث اضحى حزب المؤتمر الوطني هو “الدولة” والدولة هي حزب المؤتمر الوطني. وأن هذه الدولة هي المصدر الوحيد للشرعية ولا تسمح بوجود مؤسسات تتمتع ولو بهامش من الاستقلال والحرية ، فقيام هذه المؤسسات أصلاً أو ممارسة المؤسسات القائمة لنشاطات ذات طابع سياسي مرهون بتصريح من الأجهزة الأمنية المختلفة للدولة. وعليه من الصعوبة بمكانأن تحظى أي عملية انتخابية بالثقة العامة، وبالنزاهة، والمصداقية.

كما أن النظام في السودان أصلا لا يسعى إلى تغيير “ديمقراطي”بإنتخاباته العبثية، بل يبحث فقط عن شرعية سياسية لإضفاءه على نظام حكمه -أي أنه يستخدم الانتخابات كمرادف للديمقراطية، فهذا ما يتنافى مع مقاصد الانتخابات التي تتلخص في شروط ، هي “حق التصويت العام لكل المواطنين البالغين، دورية الانتخابات وانتظامها، عدم حرمان أي جماعة من تشكيل حزب سياسي ومن الترشح للمناصب السياسية، حق التنافس على كل مقاعد المجالس التشريعية، حرية إدارة الحملات الانتخابية على وضع لا يحرم فيه القانون ولا وسائل العنف المرشحين من عرض آرائهم وقدراتهم ولا الناخبين من مناقشة تلك الآراء، وتمكين الناخبين من الإدلاء بأصواتهم وسط جو من الحرية والسرية وفرز الأصوات وإعلانها بشفافية وكذا تمكين المنتصرين من مناصبهم السياسية”.

أما أصحاب المشاركة في انتخابات 2020م، فحجتهم هي : أنه طالما فشلت المعارضة ولقرابة الثلاثين عام في هزيمة النظام السوداني، فالإستسلام والخضوع له هو الحل الواقعي والمتاح.

ويرى هؤلاء أن تبدأ عملية الإستسلام هذه بالمشاركة في مختلف معارك النظام الإنتخابية -رئاسيةً كانت أم نيابية أم بلدية أم نقابية، حتى لا تترك المجال مفتوحاً للظلم والإستبداد والفساد ، الذي استشرى في عهد نظام الإنقاذ، وإن عدم المشاركة يعتبر أكبر خدمة للنظام الشمولي.

ويذهبون إلى أن مسألة خوض قوى المعارضة السودانية المعركة الإنتخابية ضرورية ويجعلها أكثر تأثيراً وإيجابية في القرار السياسي العام، مما يقوي ويعزز ثقة الجماهير بها ، الأمر الذي يجعل قاعدتها وأنصارها أعرض وأوسع.

الأسباب التي سردها أصحاب “المشاركة” في انتخابات عمر البشير، تبدو من الوهلة الأولى جذابة ومقبولة، لكن سرعان ما تفقد وجاهتها ومقبوليتها ،إذ أن هذا النظام يحكم السودان منذ عام 1989م وهو نظام شمولي مستبد يحاول أن ينتزع من الشعوب السودانية اعترافا إراديا بأنه يحكم بإسمها عبر انتخاباته التي ينظمها كل مرة ولتسع وعشرين عاما.

عزيزي القارئ ..أي انتخابات لكي توصف على أنها ديمقراطية لابد من توافر شروط معينة كما ذكرت في أعلى المقال ، وتلك الشروط لم تتوافر في حالة الانتخابات التي يجريها النظام، الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن الأسباب الحقيقة من وراء دعوة المشاركة في انتخابات 2020م، وما إذا كان أصحاب المشاركة مصابون بمرض “الغباء السياسي”، بل هل تجاوز بعضهم هذه المرحلة إلى ما يمكن تسميته بفرط الغباء السياسي ، وهم يبررون المشاركة في انتخابات 2020م التي لم ولن تكن ديمقراطية حتى لو راقبتها ملائكة السماء؟.

كيف لا نعتقد في أصحاب الذين يتحدثون عن المشاركة في انتخابات 2020م، الغباء السياسي وقد عارض هولاء نظام الإنقاذ لأكثر من ربع قرن من الزمان، وحتى وقت قريب كانوا يتحدثون عن أن النظامعلى شفا الإنهيار وعلى قاب قوسين أو أدنى من الرحيل؟..

كيف لا نفترض الغباء المفرط في هؤلاء “السياسيين المعارضين” وقد أرجع وبكل وقاحة أحدهم سبب هزيمة نقابة المحامين الديمقراطيين، ليس للتزوير الكبير الذي صاحب عملية الإنتخابات، بل لعدم التزام المعارضة -أي غيابها أثناء الإقتراع والتصويت؟..

لأصحاب المشاركة في مسرحية النظام في 2020م، نقول: إن الديمقراطية والأنظمة الشمولية خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا، ذلك أن أي نظام شمولي استبدادي يسعى إلى البحث عن مصدر لشرعيته بالرغم من كونه استبداديا يجري انتخابات مزورة مضللة مزيفة ، فما يهمه هو إضفاء واجهة جميلة على نظام حكمه -أي أنه يستخدم الانتخابات كمرادف للديمقراطية!..

لقد انهك النظام السوداني شعوبه، وبثّ فيها القلق، والتوتر، والرعب، وشلّ قدرتها على التحرك، ولم يعطها فرصة للتفكير، ولو للحظة واحدة. لكن رغم الضغط المعنوي والنفسي، فضلاً عن الجور والظلم الذي فاق التصور ، فإن الشعوب السودانية ستتجاوز سدود وحدود الخوف لإستعادة كرامتها وحريتها وتعمل على اسقاط النظام ، ولن تقبل المشاركة في انتخابات نتيجتها محسومة لصالح حزب المؤتمر الوطني.

مقالات ذات صلة