د.بخيت أوبي
قديما عندما كنا صغارا يحكي لنا الحبوبات الكثير من القصص الاسطورية، التي يعيد الصغار انتاجها عند التسامر تحت ضوء القمر في الليالي الصافية المقمرة والهادئة، يملئها الدفء والحنان والتواصل الفاعل بكل الحواس وعلى رأسها الاذن المصغي والفؤاد المتعطش للتفاصيل وانتظار بطء انقضاء ساعات النهار فى طريقه الى مجلس السمر، من تلك القصص ظاهرات المخلوقات ذات الارواح المتعددة التى تأبي ان تفارق كوننا الصغير القرية بكل ما تحمله من لوحة عظيمة مدهشة وجاذبة معا جداول المياه، الجبال المحيطة التى ننقش عليها ذكرياتنا، فصول الدراسة والكرة المدسوسة في الشنطة المدرسية، هديل الحمام، اصطياد الطيور في باكورة اليوم، سباق الحمير، السباحة في الوادي والسياحة في السهول والفيافي وغيرها، جلسات السمر وقصصها المدهشة التى تضاهي فصول الروايات العالمية، قصص ذوات الاروح والحيوات المتعددة …البعاتي المصر على مواصلة الحياة في مكان جديد غير موطنه حتى لا يعرفه الناس، يبدأ حياة جديدة يتكاثر ويتناسل ويمشي بين الناس في الاسواق كأنه لم يكن هناك شئ…قابله عمك احمد في ازقة المدينه المكتظة وحينما تعرف عليه، احاطه الريح الممزوج بالاتربة الصفراء واختفي عن الانظار بكل سهولة ويسر..ربما ذهب الى قرية جديدة عمل وتزوج وانجب اطفالا وصار اسمه محجوب بدلا عن محمود، من الحكاوي الاسطوريه الكلب ذلك المخلوق العجيب الذي يستحضر ارواح جديدة تضاف الى روحه المفارقة…حينما حاصره اطفال قريتنا بين حيشان البيوت في مكان ضيق عبر شرك من حبل الجلد المتقن ..ابرحوه ضربا حتى مات وشبع غيابا في عوالم البرزخ وصار جسدا هامدا وما ان لاحت اشعة الشمس على جسدة المتهالك والمثقن بالجراح حتى حرك يديه مؤذنا بقدوم اول يوم في حياته الجديدة، تداول وتعدد الارواح تنسب الى المخلوقات والمنظومات التي تفيض شرا منها ما اصطلح علي تعريفه في زماننا الحاضر بالفساد والتمكين والاحتكار والتعطش في السلطة، حتى تتحد معه مع مرور الايام وتضيف اليها ارواح ومبررات ومسوغات جديدة كل يوم، ابتلعت المؤسسات حتى اضحت لا تعرف الا باسمه ورسمه، وسوت بالقري الارض حتى اصبحت رمادا باقوامها و طوتهم فصول النسيان، افقرت الناس في المدن واشباهها، واختطفت الاحلام من ألباب الشباب وجعل تلك الألباب نهبا للالام والاوهام والمخدرات واللاشئ الممتد على طول الافق، باعتهم وعودا زائفة كسراب الصحاري التي يحسبها الظمآن ماءا، خطفت الدواء من المرضي والكساء من الفقراء واليتامي، دخل كل بيت وكل حله وكل فريق ومدينه ووزع الرعب مجانا بلا مقدمات وزرعت بذور الشكوك والتفرقة، هذا الكائن الغريب العجيب يتمتع بمهارات فوق الطبيعة وتصورات البشر، بفضله اختفت معالم الدولة، بل صارت دول وامبراطوريات للمجموعات والاسر والقبائل والاتجاهات السياسية واذرع الدول الاجنية، منظمومة الايدولوجيا الثيوقراطية المتطرفة التى ابتلعت بقايا الغنائم المتوارثة منذ مغادرة الاستعمار واضفت عليها المزيد من الشرعية في الحقوق والامتيازات، والتعدد الظاهر المسيطر عليه والخلافات المصطتنعة، بعدما هز الشباب اركان دولة الطغيان، رسم خطا جديدا لازالة التمكين لعهد الجبهة الاسلامية، ان ما يحتاجة مفتاح متعدد الاوجه والمقاسات والاشكال حسب الحالة وعمق الظاهرة ، مفتاح لازالة وتفكيك التمكين، مفتاح لتفكيك مؤسسات القبائل والاثنيات والاسر، مفتاح لتفكيك الاحتكار، مفتاح لتفكيك مؤسسة الاسرة الواحدة، مفتاح لتفكيك السيطرة والتمكين الحزبي، مفتاح لتفكيك المؤسسات الجهوية ومفتاح لتفكيك العلو والضغيان والفساد والرؤية بعين واحدة، مفتاح لتفكيك الاستغلال للمناصب والنفوذ، اذ ان الامر بحاجة الى مجموعة من المفاتيح للمعالجة وليس مفتاحا واحدا.