مقالات وآراء

ما المقاسم المُشترك بين القوات المُسلحة التركية ونظيرتها السودانية من حيث المبادئ… ؟

الهادي عبدالله

شنت القوات المُسلحة التركية مسنودة بفصائل من المعارضة السورية ،هجوماً علي قوات سورية الديمقراطية وهي فصيل من المعارضة السورية ايضا في منطقة عفرين السورية،وقتلت خلاله احدى المقالات السوريات الكرديات تُدعي (كاترين كوباني)، ومثّـل جنود الجيش التركي بجثة القتيلة، ومما أثارت عملية الثميل هذه سقطاً و إدانة واسعة وسط السورين، وذلك حسب تقارير إعلامية ،وهذه العملية تفتح الباب علي مصرعيه لطرح الأسئلة مهمة في ميدان الاخلاقيات فحوها إلي أي مدى يظل النظام التركي بزعامة الرئيس المنفعل دائماً رجب طيب اردكان في ان يستمر بعدم التزامه بالاخلاق؟ ، ومتي يلتزم بقوانين الحرب؟.

والمشـكلة الكبرى، هي أن تركيا تحارب السوريين في بلادهم، وتقتلهم وتمارس كل الافعال المنافية للاعراف والأخلاق والقوانيين الدولية ودون أي مبرر مقنع ،وبالرغم من أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يتخذ من الإسلام مرجعية سياسية له.

ولقـد شهادتُ فديو وصور لتلك المقالتة السورية البطلة، وكان مشهداً مقذذاً ومهيناً للكرامة الإنسانية ، وعملية التمثيل هذه لا تعفي الجنود الأتراك من مسؤليتهم تجاه الضحايا غير انها تنم عن وحشية الجنود الأتراك وساديتهم الراسخة في تعذيب ضحاياهم، وفي هذا المنعطف نستدعي من ذاكرة التأريخ حيث القساوة وجرائم القتل التي مارسها جنود الجيش التركي أيام الامبراطورية العثمانية علي السودانيين حينما غذ اجداد رجب اردكان بلادنا السودان.

وأما السلوك البربري المشين وغير الإنساني، الذي مارسه الاتراك بحق جثة المرأة السورية (كاترين كوباني) القتيلة والتي لا ذنب لها سوى أنها قاتلت دافعاً عن حقوقها وحقوق الإنسان السوري في العيش بسلام وكرامة، فبالنسبة لي ليس جديداً ،إذ أنني عشتُ بدايات الحرب عندما اندلعت في إقليم دارفور في عام 2003م ،حيث القتل المجاني الذي احترفته القوات المسلحة الحكومية علي سكان الإقليم ، لقد ومارست هذه القوات عمليات تمثيل بجثث القتلى، وتعذيب ممن لم يُقتل،واغتصاب الفتيات والنساء المسنات أيضاً، وماتزال هذه المشاهد المرعبة حية في ذاكرتي، وستظل إلي أبد الابدين.

وددتُ ربط هذه الحادثة، بوقائع و عمليات تثميل أخرى كثيرة ؛ولكن هذه المرة في السودان ،وبالتحديد في دارفور حيث نفذتها القوات المسلحة والمليشيات الحكومية.

وهذه الواقعة المدانة، تجرني إلي هذا التسائل ،وهو ما القاسم المشترك بين القوات المسلحة التركية ونظيرتها السودانية من حيث المبادئ… ؟ الإجابة هو أنها تعاني من تفسخ اخلاقي وانحطاط قيمي ،وتحمل في صدرها عقيدة عسكرية وحشية لا تكترث لأي مبدأ مهما كان نبيلاً ،وتعمل بها في زمن الحرب و السلم معاً ،وانها تعمل تحت قيادات تشبعت بفكر “الإسلام السياسي” الذي يستبيح قتل البشر ومس الكرامة الإنسانية دون تأنيب الضمير ،وهذا ما يجعل هذه القوات البربرية لم تجد مانعاً في التثميل بجثث القتلى… وتعذيب الأسرى حتى الموت.

وبكل تأكيد إن في ذاكرة كل طفل و إنسان عاش أيام حرب دارفور، منذ بدايتها وإلي الآن، مشاهد مرعبة ،و إذا عرضوا هذا المشاهد المرعبة في شاشات التلفزيون والسينما إلي الذين لم يرونها، فبلا ريب يصيبهم الرعب أيضاً وبل تخلق لهم كوابيساً دائمة وكلما اغمضوا اعيينهم.

وللتذكير القارئ إن تداعيات الحرب في دارفور مازال تلاحقنا ،ولم تسمح لنا بالراحة النفسية طِوال منذ اندلاع الحرب وإلي وقتنا الحاضر ، كبقية البشر الآمنين، ولهذا إن الضحايا والمظلومين لن يقبلوا غير الحل الجذري لهذه الأزمة ، والذي يتضمن في طياته تقديم عمر البشير ووزير داخليته الفريق عبدالرحيم محمد حسين والذي كان ممثلاً لرئيس الجمهورية في دارفور ،إبان نشوب الحرب وبقية المشاركين في جرائم الحرب والقتل والاغتصاب إلي العدالة.

وفي هذا المنحي إن الكثيرين من الباحيثين واللاحثين خلف الأموال و المناصب التضليلية من الدارفورين، من قبيل التجاني السيسي ،وادريس ابوقردة، وبخيت دبجو، ومنصور أرباب، وابوالقاسم امام الحاج… ،وغيرهم من السودانيين والأجانب لعبوا كثيراً بقضايا ضحايا الحرب في دارفور ، من خلال عمليات سلام صورية تخدم ذواتهم المريضة جداً ومحاولة لتعزيز بقاء حكومة المؤتمر الوطني في سدة الحكم لاطول زمن ممكن، وبيد أنهم فشلوا إلي الآن في إجهاد هذه القضية الكبرى.

وبالطبع لو لا الأزمة الاقتصادية التي دخلت خزينة نظام الحركة الإسلامية لرأينا لاعبين جدد، يقدمون أنفسهم كمدافعين عن ضحايا الحرب نذير الحصول علي فُتات الخبز وموية الفول ،وفضلاً عن مناصب خفراء في بوابات مؤسسات حزب المؤتمر الوطني.

وخلاصة القول إن الدافع في كتابة هذا المقال اساساً، هو أزمة الأخلاق التي ما فتئت تلازم الجنود الأتراك، الذين مثلوا بجثة المقالتة السورية العنيدة البطلة كاترين كوباني، والتي ذكّرتني بمشاهد مرعبة عشتها في إقليم دارفور وماتزال محفورة في ذاكرتي .

مقالات ذات صلة