مقالات وآراء

ما الذي يجعل النظام متفائلاً بنجاح المفاوضات القادمة مع الحركة الشعبية -شمال؟..

عبدالغني بريش فيوف

أبدى وفد الحكومة السودانية لمفاوضات المنطقتين تفاؤلا بأن تكون جولة استئنافها في الأول من فبراير حاسمة في التوصل لوقف عدائيات شامل، من واقع أن المباحثات ستنحصر فقط على المنطقتين بدون “حمولات قومية”.

ورجح المتحدث باسم وفد الحكومة لمفاوضات المنطقتين السفير حسن حامد أن تكون الجولة المقبلة، “حاسمة لجدية الحكومة في تحقيق السلام ورغبة الطرف الآخر في الجنوح نحو خيار السلام”.

وقال حامد في تصريحات صحفية إنه متفائل بأن تكون الجولة الخاصة بالمنطقتين حاسمة وأكثر عزماً للمضى بها نحو تحقيق السلام، مضيفاً “ذلك لجدية الحكومة في هذا المنحى ولما لمسناه من الطرف الآخر للجنوح نحو خيار السلام”.

وعقدت اللجنة الاعلامية لوفد التفاوض، الإثنين 29/1/2018م، اجتماعا برئاسة وزير الدولة للإعلام، ياسر يوسف، بخصوص التعاطي الإعلامي مع جولة المفاوضات المقبلة.

وأوضح المتحدث باسم وفد الحكومة المفاوض أن الجولة تأتي كاستئناف لآخر جولة انعقدت في أغسطس الماضي بعد أن توافرت كل المعطيات اللازمة لأجل إنجاحها.

وأكد أن الأول من فبراير ستنعقد الجولة حول اتفاق وقف العدائيات وفق استئنافها من حيث انتهت الجولة السابقة، على أن يخصص يومي الثالث والرابع من فبراير لمواقف الأطراف فيما يلي خارطة الطريق الأفريقية.

وقال إنه منذ أغسطس الماضي حدثت متغيرات تصب في إتجاه تحقيق السلام، مشيرا إلى أنه بعد اعتماد وثيقة الحوار الوطني لم يعد هناك مبرر لحمل السلاح كما أن تمديد وقف العدائيات خلق بيئة مناسبة.

وتابع “فضلاً عن الإنفراج الذى تشهده علاقات السودان الخارجية عقب فك الحظر الذي واجهته البلاد، كل ذلك يمثل منطلقاً إيجابياً نحو جولة توافرت لها بيئة تبشر بالخير للبلاد”.

من جهته قال عضو وفد التفاوض، حسين كرشوم، إن الجولة المقبلة تختلف عن الجولات السابقة باعتبار أنها تناقش موضوع المنطقتين بخلاف الجولات السابقة التي كان يصر فيها وفد الحركة المفاوض على تحميل قضية المنطقتين حمولات قومية وربطها بقضايا الحريات والتحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية.

وأضاف “لأول مرة سنتفاوض على قضية المنطقتين بعد انقسام الحركة الشعبية، ولأول مرة يقبل المجتمع الدولي الطرح الموضوعي للحكومة بعيدا عن تحميل عملية التفاوض موضوعات قومية مكانها الحوار الوطني والمؤسسات الأخرى”.

عزيزي القارئ..

منذ التغييرات التنظيمية التي أحدثتها الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال في هيكلها القيادي بموجب قرارات مجلس التحرير الإقليمي في مارس 2017م ، والمؤتمر الإستثنائي الذي عقدها في المناطق المحررة بتأريخ 8 أكتوبر 2017 إلى 12 منه بالمناطق المحررة، يبعث النظام السوداني وحلفاءه بالداخل والخارج برسائل متفائلة مفادها أن جولة المفاوضات القادمة مع القيادة الجديدة للحركة الشعبية ستكون سهلة وأن امكانية الوصول معها إلى سلام ووقف الحرب في المنطقتين كبيرة جداً. لكن ما هي التصورات والأفكار والخرافات التي اقتنع بها النظام للقول بإمكانية الوصول إلى السلام مع القيادة الجديدة؟.

تفاؤل النظام السوداني بإمكانية الوصول إلى وقف لإطلاق النار ومن ثم توقيع اتفاقية سلام شامل مع الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال ، إنما شطط وأحلام في تقديرنا ، ذلك أن هذا النظام قد أعتاد وأبواقه ومزاميره عندما تقترب المواعيد الهامة في تحديد المسرح السياسي وطبيعة المرحلة وكل مواصفاتها في حبك الوهم السياسي بعدما تفننوا في إنتاج الفشل لثماني وعشرين عاما، وترويج الوهم السياسي واجبار الناس على تصديقه.

الحديث عن امكانية التوصول إلى سلام حقيقي وشامل وعادل في ظل وجود نظام مستبد قاتل عنصري وقح شرير، إنما وهم سياسي ينطلق من التباشير والأماني التي لا صلة بالواقع، لأن الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال تتحدث منذ البدء عن هيكلة الدولة السودانية وبناء نظام ديمقراطي علماني ، أو حق تقرير المصير لكل شعوب السودان وموقفها هذا ثابت لم يتغير.

من الأسباب التي عجلت بإقالة ياسر عرمان من الأمانة العامة للحركة الشعبية ومالك عقار من رئاسة الحركة الشعبية ، ومن ثم حل وفده التفاوضي، تراخيه في ملف (الجيش الشعبي) والتنازلات التي قدمها للخرطوم عندما تحدثا عن ادماج الجيش الشعبي لتحرير السودان في مليشيات حزب المؤتمر الوطني.. إذ كيف إذن تكون الجولة القادمة حاسمة ونهائية مع القيادة الجديدة للحركة الشعبية وهي التي تتخذ موقفاً أكثر تشددا حول موضوع الجيش الشعبي ومجمل الملفات التفاوضية؟..

الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، تريد سلاما حقيقيا في كل ربوع السودان اليوم قبل غد. لكن المشكلة تكمن في أن نظام الإخوان المسلمين الحاكم في السودان، لديه مفهوم خاص للسلام يتناسب مع قيمه الأخلاقية ومفاهيمه للإسلام الذي يتبناه. هذا الفهم جعله لا يلتزم بميثاق أو عهد مع الآخرين.

فنقض العهد والميثاق والإتفاقات عند أهل الإنقاذ نابع من عقيدة يؤمنون بها، وجبلة نشئوا عليها، وسلوك اعتادوا عليه. فالسلام الذي يتحدثون عنه، هو السلام الذي يأتي عن طريق إخضاعهم لجميع شعوب السودان لهم وهي ذليلة مهانة. سلام الوصول إلى ما عجزوا عن طريق الحرب في الوصول إليه. ومثل هكذا السلام مرفوض من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال جملة وتفصيلا. وكما قال الراحل الدكتور جون قرنق، فإن استمرار الحرب أفضل من سلام “سيئ”.

ما يجب ان يدركه الواهمون من أهل الإنقاذ المتفائلين بنجاح الجولة القادمة من مفاوضاتهم مع الحركة الشعبية، هو ان صناعة المرحلة السياسية المقبلة ليست بأيديهم، وكل ما يجب عليهم القيام به هو صناعة المراكب ورفع الأشرعة وانتظار الإذن بالملاحة إلى السجون.

مقالات ذات صلة