مقالات وآراء

مؤتمر “شعيرية” للصلح .. خطوة نحو الإتجاه الصحيح

أحمد محمود كانم

ما لا يستطيع معظم قادة قبائل السودان علي إختلاف ألسنتها وألوانها إدراكه هو أن الأنظمة المتعاقبة علي حكم البلاد لا تقيم لقبائلهم وزنا إلا من منظور اتخاذها سلما لتعتلي عبرها إلي مراميها في استمرارية استحكام قبضتها علي مفاصل الدولة ﻷطول فترة ممكنة ، مع الأخذ في الاعتبار أن أي تقارب يجمع بين قبيلتين تعتبره الحكومة مهددا لبقائه ، فتسعي لقطع كل خيوط التواصل بينها حتي تضمحل وتتهاوي ، وقد بلغت حكومة المؤتمر الوطني في ذلك شأواً عظيماً .
* فما إن تفجرت ثورات التحرر بدارفور حتي هرعت أكابر مجرمي حكومة المؤتمر الوطني صوب قبائل بعينها لطلب الغوث منها بغرض كبح جماح تلك الشرارة سريعة الإنتشار ، وعندما قوبلت تلك الخطوة بالرفض القاطع من قبل جل عقلاء تلك القبائل اضطرت الحكومة للاستعاضة عنها بمتفلتي بعض القبائل و”همباتتها” المعروفين سلفاً لأهل الإقليم بخبيث فعالهم كأمثال الشيخ ” موسي هلال ” الذي كان وقتئذ سجيناً بسجن بورتسودان لإدانته بجرائم قتل 17 شخصاً من أهالي الإقليم ، وغيره من زعماء مليشيات “الأم باخة ” حينذاك .
* يطلق إسم “الأم باخة ” علي مجموعة من العصابات المتفلتة من بعض قبائل الرحل ، وإليها تنسب كل الجرائم التي ترتكب في خواتيم مواسم الخريف من حرق للقري المجاورة للمراحيل ونهب المواشي بل واختطاف الأطفال أحياناً ، والتي تأتي متزامنة مع عودة قبائل الرحل إلي الصعيد بعد قضاء فصل الخريف في أمان وسلام .
قامت حكومة البشير باستقطاب زعماء تلك العصابات وتمليكهم معدات ومؤن قتالية وأطلقت يدهم ليعبثوا بأملاك وأعراض وأرواح من تراهم الحكومة مصادر تغذية للحركات المسلحة ، فكان الهدف الشرعي لغزوات تلك المليشيات هي قبائل ” الزرقة عموماً ” في دارفور ، فتطورت تلك المليشيات لتغدوا فيما عرف ب”الجنجويد ” ف”حرس الحدود فالدعم السريع …الخ
* كانت قبيلتي ” البرقد ” و”الزغاوة” السودانيتان الدارفوريتان قد صنفتا ضمن قبائل “الزرقة” ، فعانتا أشد أنواع القهر والبطش والنزوح علي أيدي تلك المليشيات ، ورأت شباب هاتين القبيلتين أن لا مناص من الإنخراط في صفوف الحركات الثائرة في وجه نظام الخرطوم العنصري الظالم ، فإلتحقوا بحركات التحرر زرافات ووحدانا ، إلا أن سوء تفاهم نشبت بين بعض منتسبي هاتين القبيلتين داخل الحركات في “مهاجرية” واتسعت رقعت الخلاف بينهما بعد أن إختارت مجموعة من أبناء البرقد بقيادة ” آدم صالح أبكر” الانشقاق عن حركة تحرير السودان مناوي في العام 2005 فكونت حركة تحرير السودان “الإرادة الحرة”
لتصبحا كليهما فيما بعد جزءاً من السلطة الإنتقالية .
* إلا أن أهالي الطرفين انخرطوا في حروبات استنزافية فارغة لا ناقة لهم فيها ولا وجمل ، بعد أن شن المدعو آدم صالح عدة هجمات ضد سكان مناطق مهاجرية وقابلتها الحركة المسيطرة غداتئذ علي المنطقة بهجمات مضادة وامتدت لتشمل عدة مناطق تناثرت خلالها المئات من الأرواح عبثاً بين قبيلتي الزغاوة والبرقد في حرب أعتقد أنها حرب وكالة بامتياز ، ذلك أن قبيلة البرقد تحارب قبيلة الزغاوة علي اعتبار أنها هي ذاتها ” حركة تحرير السودان مناوي” معتقدة أنها تهدف الي الاستحواذ على أراضيها وتطلق عليها إسم المناطق المحررة ، كما يتضح ذلك من خلال نص البيان الختامي لمؤتمر شعيرية للصلح ،
ومن جانب آخر نجد أن قبيلة الزغاوة تحارب قبيلة البرقد من منظور أنها مدعومة من قبل الحكومة بالدفاع الشعبي وبعض مليشيات الجنجويد التي يقودها المدعو ” إبراهيم أبدور” إضافة إلي “حركة تحرير السودان الإرادة الحرة” للقضاء على قبيلة الزغاوة وطردها من جغرافية دار البرقد
استناداً الى تلك الفظائع التي أرتكبت بحقهم في مناطق “شعيرية” عند بداية الحرب في دارفور ،
وكلاهما مخطئتان ،
فلا “البرقد” تمثل الحكومة ولا “الزغاوة” تمثل الحركة ، وانتساب أفراد من قبيلة ما لجهة ما حركة كانت أم حكومة لا يعني انتساب كيان بأكمله إلي ذاك التنظيم بأي حال من الأحوال ،
وما ارتكبته أبناء قبيلتي البرقد والزغاوة بحق العشرة التي كانت بينهما لعقود لا يغفرها إلا مؤتمر تصالحات شاملة تعيد المياه إلي مجاريها وتعيد إلي كل ذي حق حقه بلا من ولا أذي .
* ولما كان لا بد من العودة إلي الرشد بعد طيلة السنوات الماضية
عقدت قبيلتي البرقد والزغاوة مؤتمراً للصلح برئاسة محلية “شعيرية” في الثالث عشر من يناير الجاري ليخرج في مطلع الأسبوع الماضي بعدة توصيات و قرارات وأحكام عامة في اعتقادي إذا ما أنزلت الي أرض الواقع ستضمد حتماً تلكم الجراحات المتقيحة وتصلح ما أفسدته حماقات المستسيسين من أبناء الطرفين وستصبح أولي خطوات تقدم إنسان تلك المناطق نحو اللحاق بركب الاستقرار والتنمية .
* بقي أن نلفت إلي أنه يجب علي الإدارات الاهلية من الطرفين النأي بعيداً عن الانتماء السياسي الذي يملي عليهم التمييز البغيض بين شعوب المنطقة ،
فإلي متي تظل عقولكم تدور في حلقة تنفيذ أجندات الغير في الوقت الذي يعاني شعوبكم في مخيمات النزوح واللجوء كل أصناف الذل والهوان بينما حكومة البشير تتلذذ بمعاناة إنسان الإقليم ولا يأبه بأوجاع مواطنيكم وأنينيه أبداً ؟؟!!

مقالات ذات صلة