د.بخيت أوبي
في رحلة اقامة التواصل والتفاعل بين الانسان و الحاسوب، تحتاج تلك الآلة إلى لغة خاصة بها، وهى تختزنها من وراء ما يبدو لنا من مساحة مستطيلة زرقاء او سوداء نجهل كثيرا محركاتها من خلف ما يبين لنا فى اول الامر، حتى اذا فهمنا طريقة عمل ماخلف الصورة الظاهرة من سماء زرقاء تكونها نقاط متصلة لا يألفها العين المجردة، لانكرنا وجودها أيما انكار ومارينا في الحق الذى لا يرى، الا ان ذلك لا ينفى وجود محرك خفي ولغة خفية تغذيها قاعدة من البيانات المختزنة في صورة الصفر والواحد، ولا يقبل طريقة اخرى للفهم غير هذه اللغة، فما كان من المتخصيين فى هذا الصنف من المعرفة، الا ان اجتهدوا ايما اجتهاد لا يجاد لغة مشتركة بين الانسان والآلة حتى تصبح مدخل لكل من يريد التواصل والتبادل المشترك والمنفعة الايجابية للطرفين، بالتالي تعطى الالة منافعها بصورة لا تحدها حدود، بحيث شملت كل ميادين المعرفة، فاخترع العلماء لغات والسنة متعددة تستانسها الالة وتعطى ثمراتها بلا ادنى ممانعة او ارتياب، حسب المطلوب والمبتغى، والا صارت كومة من الخردة لا تصلح لشئ ولا تثير اهتمام احد.
في اطار فهم الانسان مع تعدد مناهجة وطرق تفكيره ووسائل حياته ومنجزاته، تعمق فيه جهابذة العلوم الاجتماعية بما يحويها من اصناف من علوم متعدده تتناول الانسان من كل جوانبه، فكان علم النفس الاجتماعي،وعلم الانسان ، والتأريخ والاثار وغيرها من العلوم بما تحملها من اطر ومفهومات عمليه وعلمية.
فعادة لا يميل الانسان بطبعه للغريب من اللغة والمصطلحات، وكذا المجتمعات، لا نها لها ادواتها الخاصة لتفسير الكون، وقولب جاهزة للتعامل مع المشكلات، وعادات راسخة تربط اواصر الصلات وتعمل ناظما للسلوك وتناغم الحياة، فمدخل مثلها من مجتمعات انسانية تحتاج الى لغتها الخاصة للتفاعل والتواصل معها، الا ما وجد اليها المبتغون للتواصل سبيلا للنفاذ والتأثير وتبادل المنافع كحال الحاسوب مع الانسان الذى لا يفقه شيئا من لغته الخاصة، فتضحى حوارا بلا معني، وخطابات مرسلة في اتجاه واحد، لا تجد طريقها للتغذية المنعكسة او المردود الايجابي فتصبح صورة بلا روح او معني، فالامر يحتاج الى ترجمة المفاهيم وتأطيرها في قوالب المجتمع المراد مخاطبته بلغته المألوفه وعبر ادواته المحلية الصرفة ومؤسساته التأريخية، ولا يمكن تفويت ان للمجتمعات فصحائها وشعرائها وادبائها وتراثها وقادتها الذين يملكون مفاتيح ذلك المجتمع ومداخل للافئدة حتى تصبح منقادة اليهم بلا ادنى جهد او اجتهاد .
فالمفارقة الغريبة ان الساسة لا يحملون تلك الادوات المحلية المحضة المتوافرة، ويأنفون كذلك عن الدخول عن طريق اصحاب الفصاحة واللباقة والبيان لتلك المجتمعات المحلية، الذين لا يغلبهم تحويل وتاصيل المصطلحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تحويلها الى مصطلحات محلية صرفة يفهما المجتمع بيسر منقطع النظير، مثل مفهوم المدنية والديمقراطية ودولة القانون والاقتصاد الكلي، والتضخم، والكساد، والرعاية الاجتماعية وغيرها، وبالتالى كفاية رهق التواصل والتفاعل والتبادل، والا غرد الساسة في اتجاه لا يرقص على موسيقاها المجتمعات المحلية، فتصبح المفهومات مكانا للتخمين والتحوير بشكل يسلب المعنى من السياق.
ولا يخفى على المتتبع لاثار وسائل الاعلام في السودان، انها تسير فى متجهات زوايا بعيدة عن فهم المجتمعات التقليدية ، جل ما جاورنا الدول تتحدث باللغة العادية التى يفهما المواطن في تلك البقاع، الا في السودان لا يفهم اللغة المستخدمة الا من اوتوا من العلم واستانسوا بالمدن واشباهها، فكثير من المناطق المأهولة بالاكثرية المقهورة لا تفهم لغة الاقلية المحظوظة فى اقتسام فصول الحياة وحظوة البلاد ووسائل اعلامها ومؤسساتها ووادواتها الباطشة. كما ان للحاسوب لغة يجب علينا فهمه للتعامل معه فان لكل مجتمع لغة ولكل رقعة لسان ولكل مكان ادوات ومفاتيح.