مقالات وآراء

فجر الخلاص

اسماعيل عبد الله

كل المؤشرات الاقتصادية والسياسية تؤكد على ان العد التنازلي السريع لنهاية عصر الظلام قد بدأ , ومنظومة الانقاذ تقاوم يائسة و هي تلفظ انفاسها الاخيرة , فالعامل الاقتصادي كان هو الفيصل في استمرارها , واليوم ذات العامل الاقتصادي يلعب الدور الحاسم في ألتعجيل بنهايتها لان المال عصب الحياة , والافلاس الذي ضرب نظام المفسدين يماثل الى حد كبير , الانهيار الذي منيت به سدود مملكة سبأ بسبب حفريات قامت بها جرذان صغيرة , على قاعدة بنيان سدود هذه المملكة العظيمة , التي روت الكتب الدينية و التاريخية عنها الكثير والمثير من عظمة الشأن , فتلك الجزذان ارسلها الجبار العتيد ليلقن عالم الآدميين الضعيف , دروساً في حتمية زوال كل شيء في هذا الكون , وعدم بقاء اي كائن فيه الا وجهه سبحانه ذو الجلال و الاكرام , ففي الحالة الانقاذية ارسل الله الى هؤلاء القوم العصاة الورقة النقدية الامريكية الخضراء , لتعصف بملك كبيرهم الذي سعى في ارض السودان دماراً وخراباً , فلن ينفعه استنجاده بمن تبقى من ابناء الحركة الاسلامية في المؤسسة العسكرية , فهم لا يملكون له مخرجاً من هذه الورطة التي ادخل نفسه وبلاده فيها , وانه لامر عجاب ان يحاول خائباً الزج بالمدنيين من جماعته ليحملهم تبعات هذا الانهيار وذلك الفشل , متناسياً انه كان وما يزال المالك الأوحد للقرار الأول والاخير في كل القضايا المصيرية , التي طرأت على ساحة الوطن في ظل حكومته طويلة الأمد , فهو ذلك الرجل الذي ظل يرفض على الدوام , توسيع ماعون المشورة و المشاركة في ادارة شئون البلاد , فركن الى هذه القلة القليلة من المدنيين الاسلاميين , الذين زينوا له الباطل و اشركوه في جريمتهم الكبرى بحق الوطن , ولا ننسى انه من قبل ايضاً قد خان العهد مع شيخه , الذي أتى به من غابات الجنوب عندما كان ضابطاً مغموراً في الجيش , فخيانة العهود و المواثيق عاقبتها وخيمة , فها هو اليوم يتخبط ويرمي باللوم على من هم تحت امرته , والغريب في امره انه بعد ان فرغ من شكواه الباكية , لم يترك المجال لابنائه النجباء لان يدلوا بنصحهم و رأيهم حول مخاوفه , وهذا هو ذات المنهج المتجبر الذي اوصله الى هذا الطريق المسدود , منهاج لا اريكم الا ما ارى.
ففجر خلاص الشعوب السودانية قد لاح في افق ثورة الجياع التي اجتاحت جميع المدن , وما على شباب السودان الا ان يشرع في تأسيس لجان لهذه الانتفاضة المقدسة في الاحياء , لان هذا الشباب هو مالك وصانع هذا الانجاز التاريخي العظيم , فتشكيل هذه الاجسام الشعبية سيحمي مؤسسات الدولة من الانيهار المفاجيء , و هو ايضاً يمثل الضمانة الوحيدة لتماسك اللحمة السودانية بشقيها الشعبي و الرسمي , كما ستساعد مثل هذه التنظيمات الجماهيرية و الشعبوية , على تأمين المدن من التفلتات العسكرية المتوقع حدوثها , خاصة وان البشير قد احال السودان الى زريبة كبيرة من المليشيات المسلحة غير المنضبطة , فالدور الشعبي للمواطن في مرحلة ما بعد الانقاذ محوري و ضروري , ذلك لتفويت الفرصة على الانتهازيين و سارقي انجازات وتضحيات الشعوب , من الانقضاض على منتوج هذا الحراك الثوري , الذي اوشك على ان يؤتى أكله , فالبلاد لا ينقصها الارزقية والمعلولين من امثال الذين ساهموا مع هذا النظام المترنح , في تدمير الاقتصاد و اشعال الحروب في اطراف البلاد لاشباع غرائزهم الذاتية الناشزة , فهؤلاء الانقاذيون قاموا بتقطيع اوصال الوطن و تركوه جثة هامدة , فعملية اعادة تأهيله تتطلب وقفة تضامنية من الطلاب و الشباب في احيائهم الشعبية , وقيامهم بالمبادرة و تسلم مقود تصريف شؤونهم الخدمية , في المستقبل القريب والمنظور , والمتوقع ان يواجه فيه الشيب و الشباب تحديات جسام , لما لتركة الانقاذ من ثقل عظيم , فالشعوب السودانية لابد لها ان تدرك وتعلم , ان هذا النظام قد قاد سلسلة من عمليات التخريب المتعمد , التي طالت جميع مؤسسات الدولة , بل حتى جميع شرائح المجتمع لم تسلم من هذه العمليات التخريبية الممنهجة , من تشويه نفسي ادى الى انتاج اجيال يتخللها بعض اليائسين و المحبطين الذين لا يثقون في ذواتهم , فيمجدون قاهرهم و يستميتون ويجتهدون في ايجاد المبررات لاستمراره في الجلوس على رقابهم , فمشروع إعادة تأهيل الوطن و المواطن بعد انقشاع سحابة هذا الحكم الاسلاموي الشائه , يعتبر فيه امر ترميم المجتمع مما لحق به من شروخ , من اولى الاجندة التي تستهدفها عملية الاصلاح هذه , وامر في غاية الضرورة و الاهمية.
ان جماعة الهوس الديني كانت ترى هذا اليوم الموعود بعيداً عن منال هذه الشعوب المقهورة , لكنه اصبح بائن الملامح و واضح الاعراض , فبالامس القريب تتحدث مواقع التواصل الاجتماعي , عن هروب رمز كبير من رموز دويلة الهوس الديني الى خارج البلاد , ما يعتبر دليلاً قاطعاً على وصول الامور الى مرحلة متأخرة من التدهور , و ظاهرة تنبيء بحدوث انشقاقات محتملة في صفوف هذه الجماعة , وان نبوءة الاستاذ محمود محمد طه قاب قوسين او ادنى من التحقق , والتي يخبرنا مضمونها ان هذه الجماعة ستتمكن من جسد الامة السودانية بالقوة , الامر الذي تم في انقلاب يونيو قبل ثمانية وعشرون عاماً , اما المرحلة الثانية من السيناريو هي انشقاق الجماعة الى فريقين , ولقد تم هذا الانشقاق في المفاصلة الشهيرة قبل تسعة عشر عاماً , وسوف تكتمل نبوءة الاستاذ بان يتقاتل الفريقان قتال فيه بأس شديد بينهما , ثم يعقب هذا القتال عملية اقتلاعهم , وعملية الاقتلاع هذه لن تتم الا بعد الشقاق , فاجتماع رأس الانقاذ مع العسكريين من ابنائه فيه تطابق كبير مع تصور هذه النبوءة , خاصة بعد هجومه الكاسح على المدنيين من شركاء الامس , فهذا الهجوم بمثابة اضرام للنار المخبأة تحت رماد التآمر و الكيد , الذي عرف به مسلك وسلوك جماعة الاسلام السياسي.
ان كارثة انهيار الاقتصاد في البلاد و عمليات سحب ارصدة النقد المودعة في البنوك , سوف تعمل على جمود حركة السلع الاستهلاكية , و انعدامها من مراكز البيع والبقالات و الاسواق الصغيرة بالاحياء , الامر الذي ستعقبه ارهاصات مجاعة مؤكدة , فحركة النزوح الكبيرة من الريف الى عواصم الاقاليم , بما فيها العاصمة المثلثة قد تفاقمت , في هذه الايام القليلة التي شهدت فيها العملة المحلية تدهوراً متسارعاً , وهذا بدوره سيوقف انتاج الذرة وكل المحاصيل الواردة من الريف , وسوف تؤدي هذه الاوضاع المأساوية الى اعلان السودان منطقة كوارث من قبل المنظمات الانسانية و الاممية , في حال تأخرت عملية التغيير و طال امد الصراع الداخلي , ومع كل هذه التوقعات و التنبؤات تظل هنالك حقيقة واحدة مسيطرة على مشهد الاحداث , وهي بداية نهاية انهيار منظومة حكم الاسلاميين في السودان , واستشراف مرحلة جديدة مقبلة , حبلى بالكثير من الاحداث التي سوف تختبر مصداقية النخبة السياسية المعارضة , في امتحان المباديء والاخلاق , ومدى منفعة وصلاحية اطروحاتها لحل الازمة الوطنية الخانقة.

ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة