مقالات وآراء

سماهاني ،(الحب ، الموت، الثورة)(2-2)

[quote]سرديات ما كان وكائن وسيكون[/quote]

أحمد يعقوب
في تناص تاريخي بديع يرسم الروائي بركة ساكن لوحة عن الحياة في جزيرة زنجبار ، وحينما يسرج مروياته ذات التخييل التاريخي تتبطن منظوماته في اطار الاكتناه والاستباق الداخلي والخارجي وقراءة اعماق النفس الانسانية .
الرواية التي صورت الحياة في انغوجا ، حيث يحكمها السلطان بقوة مطلقة وقبضة على كل المفاصل الحياتية ويعيش في ترف باذخ بامتلاكه للجواري والغلمان، ويقيم على شئون حياته الخاصة جدا مثل الشؤن الايلاجية وغسل الشرج بعد الانتهاء من المراسم الخرائية عبد مخصي، استطاع بركة ساكن رسم صورة لشخصية السلطان تشابه صور كل الديكتاتورين المعاصرين ، من اكتناز للجسد والغطرسة ، خواء العقل ، فساد البصيرة ، البذخ المترف ، في حين يعيش عامة الشعب من فتات الموائد السلطانية، السلطان الذي كان بمثابة الرب في امتلاكه لكل الاشياء في الجزيرة حيث اعلنها صراحة في مونولوج طويل وادعى ان السماء ايضا ملكه عدا الرب الذي يقيم فيها ،لم يتخيل ان الثورة التي فاجاته اضافة الى تكالب الانجليز ومطامع الفرنسيين سوف تقتلع جذوره البوهيمية اقتلاعا كاملا وتبقيه كنسر قلمت اظافره.
(2)
حينما بدا الانجليز التفاوض الفعلي لاستلام الجزيرة عن طريق فوهات المدافع ودك قصور السلطان المتناثرةثم التفكير في تحرير العبيد ، كان السلطان يحتمي بالسجن الذي انشا خصيصا لمعاقبة اؤلئك العاصين السجن الذي لايعرفه ، يرسم الروائي وجها مغايرا للسجن حيث ان افعال الانسان هي السجن الذي سوف ينال فيها القصاص حسب افعاله وهو مالاقاه السلطان حيث واجه الخصي الذي كان يمارسه على العبيد باستمتاع،دكت اعضاءه الجنسية وتم خصيه متنازلا عن كماله الربوبي الذي وهن بعد الثورة وتحرر العبيد واللوطين وكل السبايا ، حيث فككتالرواية في هيكلها السردي مفهوم الانسان المتسلط وعاقبة افعاله.
(3)
الاميرة في تمام عريها:-
الاميرة التي باركها الرب مؤخرا ،عاشت طفولة معذبة حيث توفيت والدتها وقامت برعايتها مربيتها الهندية ، ثم اوكلت المهمة الى عبدها سندس المخصي ، قامت علاقة خاصة جدا بين جسد الاميرة التي تعيش في اقصى درجات البوهيمية وفي ترف ممل جدا والتي لاتفعل اي شئ حتى مهمة غسل اعضاءها التناسلية بعد الفراغ من قضاء حاجتها وعبدهاسندس. تكشف الرواية عن نشأة الاميرة واشكالياتها النفسية في غوص عميق نحو الذات المبتورة والتي بدأت بختانها الفرعوني وارتباط الوشائج بينها وسندسالمخصي هو الاخر والمبتور من فضاءه القبائلي والاجتماعي الى فضاءات القصر ، الاميرة التي تزوجت زير نساء واستخدمت ساحرة لقتل زوجها والتي وجدت لذة الجنس الذي خبا بعد سفر الزوج وموته ، واتقد اكثر حينما اكتشف سندس او بالاحرى قامت علاقة وثيقة الصلة بين جسد الاميرة وسندس الامر الذي حدا بعبدها الى اقناع نفسه بضرورة استعادة عضوه المبتور من كهف الرب ، بعد اقتحام القصر من قبل الثوار اقنع سندس الاميرة بالفرار معه الى البر الافريقي حيث الحياة مختلفة تماما ، ضج الحنين داخل عقل الاميرة بالرجوع الى القصر الذي اصبح الانجليز يديرون شؤنهم من داخله، هنا تظهر الدراماتيكية في الاحداث واسلوب الانتقال السلس نحو الثأر المدفون في عمق ذات الرجل الذي الذي ارضعته الكلاب، حيث قتل السلطان امه واغتصبها ، يدخل الرجل في حوار مع الاميرة الى مرحلة ان المنتقم ليس له وازع كما ان المحب ليس له وازع، تندغم أهواء الرجل وتختلج امكانيات الانتقام باستدعاء الصورة المخيالية للفناء الذي واجهته امه ويبدأ في تنفيذ اغتصاب الاميرة وقتلها مبرءاً اياها من السلوك الحيواني لوالدها ومذكرا لها بعقدة الثأر التي تتقد في دواخله ووعده لنفسه ولامه بالاقتصاص آجلا ان عاجلاً، في النص الاخير تتعمق الملهاة والمأساة ويسترد النص مسرحيته المرئية والتخيلية ويحبك الصورة الاجتماعية لعصر العنف الذي يواجه بالعنف.
(4)
أكثر ما اعجبني في الرواية البلاغة اللغوية والاسلوب الانتقالي التخييلي للاحداث وان كانت تقوم على الاستباق ،لوقائع تاريخية لسنا مسؤلين عن صحتها لسرد مشبوه اشار اليه الراوي في المقدمة. عندما تبدأ في قراءة الرواية تستعيد عوالم التاريخ المحكي للحبوبات وقلما تشعر ان اللغة المحكية هي لغة العصر الحالي ،استطاع الراوي استدعاء التاريخ بكل ملامحه وهوامشه من خلال مقارباته التنظيرية وقراءاته التخيلية لشخصية السلطان وابنته الاميرة والعبد المخصي سندس في حبكة مثيرة وتكنيك سردي عاليباستخدام كل ميكانزيمات الزمكان المروى عنه، حيث تعج الرواية بالاساطير والرعب والموت والعواطف الحالمة والمخبأة والمشتعلة حيث الذات الانسانية مترعة بكل انواع الثنائيات ويلعب الموت دورا بارزا في اهتياج التاريخ المروي، والقصاص من اجل تأكيد الذات وارواء النفس المتعطشة بالتشيؤ لكل ماهو انساني واطعامها المقت.الرواية تفتح نفاجات لقراءة تأويلية مغايرة لتاريخنا الافريقي الذي كتب بيد المستعمر.يكشف بركة ساكن وجها اخرا للأدب عندما يعضد مقولة ان الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي وينمطه ويحرك دوافع التثوير لكل شئ.

مقالات ذات صلة