عثمان نواي
من أرض كاودا اتتنا رسائل تعلمنا ان الثورة هى التى تصنع الحرية كاملة غير منقوصة، فالحرية لا تقبل التقسيط.
ومن كاودا اتتنا رسائل ان الشعوب هى التى تعطى الشرعية والقوة لقياداتها وليس العكس.
من كاودا اتتنا الرسالة بأن القوة ليست فى الدبابات والطائرات ولكن القوة فى عزيمة الشعوب الحرة.
من كاودا اتتنا الرسائل بأن الوطن هو الارض التى تجمعنا ونحميها بتضحياتنا. وليس بالشعارات فقط تُحمى الأوطان بل بالفداء والتضحيات.
وما التقت كاودا والخرطوم الا عندما أصبحت التضحيات للوطن بالروح هى الإيمان المشترك هنا وهناك. عندما قدم شباب ثورة ديسمبر أرواحهم زكية طاهرة فى شوارع الاسفلت وأحياء العاصمة القديمة، التقت تضحيات بتضحيات سكان الكراكير والتقت اشواق الحرية فى أسمى درجاتها على أفق الأرواح المحلقة فى سماء الوطن.
هذا هو الدرس.. ان حرية الأوطان وعزة الشعوب تُفتَدى بالغالى والثمين ،كذلك فعل اهل كاودا منذ سنين ورفضوا مقايضة حرية الوطن بالطعام والامان، بل اختاروا الموت والجوع بدلا عن المذلة والخضوع.
تعلمنا كاودا ان الثورة تستمر لسنوات وعقود ان لزم الأمر، لأن مصائر الأوطان والشعوب تستحق الصبر والانتظار..
تعلمنا كاودا ان الجيوش مهمتها حماية الارض والحفاظ على كرامة الشعب وليس القمع والتنكيل.. وان الجيش والشعب يمكن ان يكونوا يدا واحدة فقط عندما توجه فوهات البنادق نحو العدو وليس نحو الشعب..
تعلمنا كاودا ان سود البشرة البسطاء فى تلك الارض بين الجبال ، لهم حكمتهم وتجربتهم التى تستحق التعلم منها فر كل الوطن دون تكبر او تعالى.. يجب ان تعلم من صبرهم وثباتهم وإيمانهم بالحرية ويقينهم فى الحق.. وان تكون قيمهم تلك ونضالهم مما يفخر به الوطن ويزدان ويزدهر..
من ناحية الجانب البعيد عن السياسة فى زيارة حمدوك لكاودا والذى لم تنجح أجهزة الإعلام فى عكسه، هو جانب ذلك التنظيم المهيب لشعب عاش سنوات طوال فى حالة حصار وافقار، تلك الوجوه الباسمة والرؤوس المشرئبة بكل شموخ وعزة ، وتلك الايادى المشرعة بالمحبة والأمل. لم تعكس الكاميرات ذلك النموذج العملى لعلمانية الدولة فى شكلها المصغر فى الأراضي المحررة حيث تدق أجراس الكنائس مع أصوات المآذن وحيث لا يُسأل احد عن دينه فالكل مواطن وله حقوق متساوية. حيث الاخر مرحب به مهما كانت خلفيته او انتماؤه، حيث تنوعت اللهجات وتنوعت المسميات القبلية وبقى الانتماء الموحد للارض والوطن. ذلك الشعب الذى قال عنه الاداريين الانجليز انه شعب يدافع عن أرضه بشرف ورجولة، فشعب جبال النوبة معتاد على الثورات منذ القدم فقد قامت ضد الانجليز اكثر من ٢٥ ثورة فى اقل من عشرين سنة لم تشهد مثيل لها فى كل السودان. فعشق الحرية هو روح اهل تلك الجبال الشامخة. ولذلك فإن اختيار الصبر وتحمل المشاق من أجل تلك الحرية هو ارث أصيل لهذا الشعب وليس مجرد بدعة سياسية معاصرة. بل ان ذلك الخيار الواعى بالعيش احرارا او الموت ثوارا هو بمثابة الدم الذى يجرى بين عروق الاجيال فى أرض الجبال. و ليس سوى إيمانا بأن انسانية الإنسان لا تتحقق دون حرية كاملة تضمن الكرامة والسلام.
nawayosman@gmail.com