مقالات وآراء

رؤية السودان الجديد تختبر ساسة الخرطوم والمعارضة

لم تعد رؤية السودان الجديد في سابق عهدها، هنا أقصد طريقة إنتشارها على شعوب السودان مقارنةً بين الماضي واليوم وذلك بفضل تطور تكنولوجيا الإتصال وأدوات التواصل الإجتماعي أصبحت تنموا سريعاً بين فئات المجتمع. كان في السابق ومنذ نشأة الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان 1983 يتم نشرها عبرأعضاء/مناديب الحركة حاملين رسائل ورقية أو شفاهية رغم قوة تشويش نظم الأمن والمخابرات لحجب رؤية السودان الجديد وتخوين قادتها الوطنيين الشرفاء لا سيما الدكتور جون قرنق مهندس هذه الرؤية الوطنية، يوسف كوة وعبدالعزيز الحلو وإلخ… منذ نظام جعفرنميري ومرورا… إلى نظام جبهة الإنقاذ الإسلامية الحالية. بعد إنقلاب عمر البشير إشتد وتيرة ذلك التشويش سواءً عبر وسائل إعلام النظام المختلفة أو بواسطة الأمن والمخابرات لكن إتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية والحكومة السودانية 2005إستطاعت رفع الحجاب جزئياً عن شريحة كبيرة من المجتمع السوداني بما في ذلك الطلاب التي كانت محرومة أو مشوشة من قبل النظام عن معرفة حقيقة رؤية السودان الجديد.
مرت رؤية السودان الجديد بمنعطفات خطيرة أولها وفاة صاحب الرؤية الدكتور قرنق في وقت مبكر جداً، رغم ذلك وصلت الرسالة بشكل أوضح إلى عقول الشعب السوداني وإكتشفنا ذلك أثناء إستقبال الراحل قرنق المليوني في ساحة الخضراء بالخرطوم إثر إتفاقية السلام الشامل. والثانية كانت إنفصال جنوب السوان عن الشمال نتيجة عوامل عديدة أهمها، أن حكومة الخرطوم بذلت كل طاقاتها للتخلص من رؤية السودان الجديد وذلك بإظهار نية عدم تطبيق أجزاء مهمة من إتفاقية السلام الشامل وخرق دستورالبلاد للعام 2005 الذي أٌجِيز وفقاً للفترة الإنتقالية من أجل إجبار قادة الحركة للتوجه نحو الإنفصال. رغم تعاطف معظم معارضي النظام الشماليين الإنشائي مع رؤية السودان الجديد في الظاهر إلا أنهم كانوا يشاطرون النظام وفق مفهوم عربي وإسلامي مع “الغفلة التامة” حول مستقبل مصير إقتصاد السودان وشعوبه المتبقية ضمن الخارطة الجغرافية شمالاً مع إنكارالتعددية الثقافية والإثنية والدينية واللغوية لتذويب إتفاقيات السلام والمشورة الشعبية لإقليمي ج/كردفان/ جبال النوبة والنيل الأزرق لدفن رؤية السودان الجديد وقتل طموحات الشعوب التي تتطلع إلى الحرية والديموقراطية والعدالة والمساواة في دولة علمانية لا يحكمها الإستعلاء العرقي أو الديني أو المذهبي كما هو حال نظام حكم السودان، بل يحكمها القانون.
إنفصال الجنوب بالضرورة إنفصال الحركة الشعبية شمالاً وجنوباً وبالتالي فإن قادة الحركة في الشمال وقع عليهم أعباء ومسؤوليات جمة في زمن واحد على سبيل المثال: ترتيب وهيكلة الحركة الشعبية، الإنتخابات التكميلية، المشورة الشعبية في المنطقتين والترتيبات الأمنية مع النظام. وفي ظل هذه الأعباء الكثيرة إختار المؤتمر الوطني على قضاء الجيش الشعبي لتحرير السودان الضامن الرئيسي لإتفاقية السلام في المنطقين لقتل رؤية السودان الجديد وفق رؤية النظام الأيدلوجي “الإسلاموعروبية ” الضيقة. بعد إختيار الحركة الشعبية “ش” قيادة مؤقتة لإدارة شؤونها التنظيمية والعسكرية أوكل الرئاسة للقائد السابق مالك عقار والأمانة العامة لياسرعرمان وبصفته الأمين العام أمسك ملفات بناء التظيم الداخلي والخارجي بينها التفاوض والمال. وبعد مرور نحو ستة أعوام بدا جلياً بأن الأمين العام والرئيس المعزولان قد فشلا تماماً في بناء مؤسسات الحركة بشكل يليق برؤية السودان الجديد وجماهيرالحركة وشعوب الهامش التي تنتشر في جميع ولايات السودان وخارجه. حيث كشف خطاب إستقالة القائد عبدالعزيز الحلو أكثر عمقاً حول فشل مالك عقار وياسر عرمان بل خانا رؤية السودان الجديد بالصفقة لصالح النظام بواسطة الصادق المهدي زعيم حزب الأمة عضو نداء السودان عبر التخلي عن الجيش الشعبي وتبديل شعارات رؤية السودان الجديد كي يتوافق مع أجندة النظام وقوى المعارضة التقليدية سعياً لإخضاع رؤية السودان الجديد وتذويبها إلى السودان القديم الذي لا يعترف بالتعددية في السودان. ولكي لا يكون القائد عبدالعزيز الحلو مسؤولاً عن هذا الفشل، تقدم بثلاثة إستقالات متتالية منذ اندلاع الحرب الثانية وهو الخبر الذي أكده كافة المؤسسات التشريعية والتنفيذية للحركة والجيش الشعبي/شمال، فضلاً عن مالك عقار المقال من رئاسة الحركة نفسه.
منذ مارس 2017 تاريخ إستقالة القائد عبدالعزيز آدم الحلو التي واجهت رفضاً مطلقاً من مجالس تحرير إقليمي جبال النوبة/ج كردفان والنيل الأزرق وجميع مكاتب وجماهير الحركة بالداخل والخارج بالإضافة إلى مالك عقار رئيس الحركة الشعبية سابقاً إتجهت مؤسسات الحركة لعقد مؤتمرعام إستثنائي في مناطق سيطرة الحركة بمدينة (كاودا) حيث أقيم المؤتمر العام بنجاح. رغم إعتقاد وسعي النظام وأعداءَ الحركة بعدم إقامة المؤتمر، وبعين الريبة حتى من بعض معارضي النظام لكن إرادة الحركة وجماهيرها كانت أقوى مما يظنون وأنهت في بيان ختامها بإختيارالفريق/ عبدالعزيز آدم الحلو رئيساً للحركة الشعبية وقائداً عاماً للجيش الشعبي لتحرير السودان/شمال والفريق جزيف تكا نائباً أول والفريق جقود مكوار نائبا والرفيق العميد/عمار آمون سكرتيراً عاماً للحركة.
الذي جعلني أكتب هذا المقال هو منفستو الحركة و وضوح خطاب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، الفريق/ عبدالعزيز الحلو، بالإضافة إلى موقف النظام في الخرطوم و وسائل إعلامه المختلفة فضلًا عن رؤية المعارضة السياسية ذات التوجهات والأيديولوجية المختلفة وإعلامها المصاحب والإعلام المستقل، حول أزمة الحركة الشعبية الإدارية والتنظيمة ومستقبل رؤيتها في إحلال السلام الدائم وإستقرار السودان ونموه، وفي نظري إنتهت أزمة الحركة بقيام مؤتمرها العام الإستثنائي في إكتوبر 2017.
إن منفستو الحركة وخطاب رئيس الحركة 2017 الذي وُصِفَ من قبل محللين سياسيين بأنه خطاب تاريخي لزعيم ثوري، وَضَعَ ساسة النظام والمعارضة في إختبار وطني حقيقي، حيث حدد خارطة رئيسية لإحلال سلام عادل وشامل ودائم في السودان لمعالجة جذورالمشكلة السودانية المتعلقة بالمواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وفقاً للمواثيق الدولية “كحل لمسألتي، القومية والدين في إطار السودان الديموقراطي العلماني الموحد” إما القبول بحق تقريرالمصير لشعوب الهامش لا سيما في إقليمي النيل الأزرق وجبال النوبة. دولة علمانية ديموقراطية تسعى إليها الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال ونظرائها من حركات التحرر الثورية في عدد من أقاليم السودان خاصة في الجنوب والشرق والغرب بالإضافة إلى أحزاب سياسية من المركز حيث تتفق مع هذه الرؤية معظم شعوب السودان، بينما يسعى النظام وبعض من حلفائه في المعارضة السياسية أصحاب المشروع الحضاري على إبقاء (دولة دينية إسلامية عربية مزيفة) تقوم أركانها على الظلم والقهر والتهميش والإبادة الجماعية وإقصاء الأغلبية من شعوب السودان الأفارقة بهدف سيطرة السلطة والثروة وكافة مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والشرطية والنظامية الأخرى بيد الجلابة.
إن وسائل إعلام النظام كالعادة عملت بوتيرة عالية قبل ومنذ أزمة الحركة الإدارية الماضية ولا تزال بهدف النيل من قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال ودون إستغراب هذه طبيعة تصرف العدو لتضليل الرأي العام السوداني والعالمي وإخفاء الحقائق لهزائمه أمام الثورة. إلا أن الذي لفت نظري هي تصريحات بعض من معارضي النظام و وسائل الإعلام المصاحبة لهم، بأن عزل مالك عقار وياسر عرمان من رئاسة الحركة بأنه إنشقاق الحركة أو إنقلاب. ألا يكفي أن جميع مؤسسات التنفيذية والتشريعية الخارجية والداخلية العسكرية والمدنية بما في ذلك جماهير الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال يقولون نعم بإقالة الرئيس والأمين العام السابقان للحركة لخيانتهما المبادئ التي قاتلت الحركة من أجلها عقوداً؟ أم إنكم تفرضون على إدارة الشعوب والجماهير بمن يقودهم لتنفيذ مشاريعهم التحررية؟ وهل يعقل على سبيل المثال؛ في حال ضرب لستك الشاحنة أو عجز دركسون لقيادة السيارة في الإتجاه الصحيح تعتبر الشاحنة غير صالحة أم إن الشاحنة فقط بحاجة إلى التغيير للأجزاء المتعطلة؟ ويتساءل المرء على سبيل المثال صحيفة حريات والراكوبة اللتان تغطيان من البيانات والمقالات ما يكتبه القائدان المعزولان السيد مالك عقار وياسرعرمان دون التغطية على بيانات مؤسسات الحركة قبل وبعد المؤتمر العام الإستثنائي إلا نادراً وبما يتماشى مع رؤياهم وهل نعتبر حتى الآن صحافة صديقة لمشروع السودان الجديد بمفهوم المؤسسية للحركة الشعبية؟ حيث كنت أعتبرهما صحف إلكترونية فعلًا تعبرعن صوت المعارضة كافة والهامش بلا هوادة، لكن سرعان ما سقطت في إمتحان حول (الأزمة الإدارية) للحركة الشعبية. نأمل أن يعيدوا إدارة الصحف المصاحبة للمعارضة السياسية للنظر في مثل هذه الجوانب مستقبلا لأني مازلت أثق في إنها صحافة معارضة. إن الدولة الدينية الشمولية القائمة الآن تهدد بقاء السودان كدولة موحدة طوعياً وبمستقبل جميع شعوب السودان وبالتالي فإن الإتحاد مهم لإسقاط النظام من أجل الحفاظ على وحدة السودان وتنوعها الثقافي والاثني والديني على أساس المواطنة المتساوية لكن ليس على حساب إدارة الشعوب من أجل مصلحة الأفراد.

عبدالحميد موسى
ggokorgi@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock