الأخبار

خبر باستقالة رئيس المحكمة الجنائية الدولية مطبوخ

من المؤكد أن ‘الخبر’ الذي نشرته الصحافية الكينية Jessica Badebye والذي زعم وجود مطالبات واسعة بإستقالة رئيس المحكمة الجنائية الدولية، كرد فعل على تلقيها رشاوى، هو ‘خبر’ مطبوخ على عجل ومتهافت من كل وجه.
أولا: إعتمدت الصحافية الكينية (التي بنت أغلب جمل مزاعمها على المجهول) على مصدر وحيد عملت جاهدة على تضخيمه وتعمية حقيقته. يتمثل هذا المصدر في الدكتور David Nyekorach Matsanga وهو أحد إنتهازيي أفريقيا المشكوك في نزاهتهم، كما سأبين لاحقا.
المعلوم أن هذا ‘الخبر’ الفضائحي، الذي كان من شأنه أن يشغل الرأي العام العالمي، لم يرد في أية مصادر رسمية أو صحفية آخرى.
ثانيا: زعم ‘الخبر’ الصحفي المفبرك أن تحويلات مالية بلغت جملتها 17 مليون دولار قد تم توريدها للحساب البنكي الخاص بالقاضية Silvia de Gurmendi وذلك خلال الفترة من 2004م – 2015م. ودون أن يشير الخبر إلى كيفية إفتضاح أمر هذه التداولات المالية عبر حساب خاص قفز الخبر سريعا إلى أن هذه المبالغ المحولة ‘لابد أن تكون’ رشاوى، ثم ‘وثب’ الخبر الكاذب مرة أخرى ليزعم بأن هذه الرشاوى ‘لابد أن يكون’ الغرض منها هو شراء ذمة شهود الإتهام من أجل إدانة رئيس النظام السوداني، عمر البشير، بشأن الجرائم التي إرتكبها في دارفور.
ثالثا: فات على هذا ‘الخبر’ المتهافت أن السيدة de Gurmendi قد تم إنتخابها لعضوية المحكمة الجنائية في نوفمبر 2009م وباشرت عملها في 20 يناير 2010م، ولم تصبح رئيسة للمحكمة إلا في 11 مارس 2015م. هذه التواريخ المؤكدة، والمبذولة لتقصي أي مهتم، تعني أن أمر القبض على عمر البشير صدر قبل إلتحاق هذه السيدة بالمحكمة الجنائية الدولية، حيث كانت تمارس عملها الدبلوماسي – حينئذ – بوزارة خارجية دولة الأرجنتين. ومن المعلوم أن أمر القبض على المطلوب عمر البشير صدر في 4 مارس 2009م.
رابعا: يلهث هذا ‘الخبر’ الزائف خلف مهمة ايديولوجية واحدة تتمثل في التأثير السلبي على الرأي العام الأفريقي، وضمان دعمه لطغاتها، عبر التشكيك الممنهج في مصداقية المحكمة الدولية التي تساءلهم. ولذلك إختار إتهام رئاستها مباشرة متغاضيا في ذلك عن المعقول. هذا المعقول يؤكد أن من أراد أن يشتري ذمة الشهود من أجل إدانة عمر البشير، أو غيره، فسوف يوجه أمواله إلى مكتب المدعي العام وليس إلى قضاة المحكمة. فمكتب المدعي العام هو المنوط به جمع البينة وتقديمها للمحكمة من أجل الفصل في دعواه. ولنتذكر، مرة أخرى، أن المدعي أوكامبو كان قد فرغ من قضية الإتهام ضد عمر البشير قبل أن تصبح السيدة سيلفيا عضوا بالمحكمة، ناهيك عن رئاستها. ولأن مهمة هذا ‘الخبر’ المفبرك هي تشويه سمعة المؤسسة نفسها (وليس تشويه السمعة الشخصية لرئيستها) فقد أضاف وجود مؤامرة من قبل الأمم المتحدة – وإسرائيل بالطبع – ضد أفريقيا (وليس ضد نادي دكتاتورييها الفاسدين) وقد سماها Anan’s plan to molest Africa في إشارة إلى كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة.
خامسا: من هو هذا الشخص الذي يقف خلف هذا الزعم الصحفي الكاذب؟
الدكتور David Nyekorach Matsanga هو إنتهازي يوغندي مرتزق ظل يؤدي أدوارا مشبوهة داخل دوائر دولية عديدة. فقد عمل مستشارا للديكتاتور روبرت موغابي قبل أن يتخلي عنه عام 2002م وقد ملأ العالم ضجيجا حول قيام قوات أمن زمبابوى بتعذيبه ونهب ساعته المصنوعة من الذهب الخالص. وفي استدارة مذهلة أصبح هذا الدكتور ضابط علاقات عامة لجيش الرب اليوغندي LRA ثم لم يلبث حتى أصبح كبير مفاوضي هذه الحركة الوحشية إبان مفاوضات السلام التي جرت بمدينة جوبا عام 2008م. وأخيرا أستطاع الدكتور، الذي عاش 25 عاما ببريطانيا، أن يصبح مستشارا للرئاسة الكينية.
إن المهمة الايديولوجية التي تفرغ لها هذا المرتزق المشبوه هي محاولة تدمير المحكمة الجنائية الدولية من خلال صناعة وترويج الأكاذيب التي تخدم مصالح نادي الطغاة الأفارقة. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يتم نشر هذه الأكذوبة الفطيرة في هذا التوقيت الذي قررت فيه القاضي سيلفيا، بوصفها رئيسا للمحكمة الجنائية، إعادة فتح الدعوى حول عرقلة الحكومة الكينية لسير العدالة في معرض التحقيق مع الرئيس الكيني كينياتا.
وكل عام وأنتم بخير.
محمد النعمان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock