مقالات وآراء

حتى لا تكون الإنقاذ بديلاً للإنقاذ !!

مع ترنح منظومة الانقاذ و احتضارها , نطرح تساؤل ملح وهو : هل نحن جاهزون كقوى سياسية معارضة لتسلم مقاليد امور البلد بعد انهيار نظام البشير ؟ , ما دعاني لهكذا استفهام هو حال معارضتنا المائل و غير المعتدل في التفاعل مع الحدث , وضرورة القيام بالاجراءات اللازمة حيال مآلات التدهور الذي اصاب النظام , والذي حتماً سيعجل بنهايته و سيفاجأ الجميع في صباح يوم من الايام القليلة القادمة , بالسقوط المدوي لنظام حكم طال امده حتى يأس المستيئسون من حتمية زواله , فالكيانات و الاحزاب و الحركات المسلحة اكتفت بتبني موقف ودور المراقب و المشاهد , وحتى التحركات الجماهيرية التي حدثت في الايام الفائتة , مثل تلك المسيرة السلمية التي سيّرها الحزب الشيوعي السوداني بنجاح تام , حيث قام باعلانها وتنفيذها بتضامن مع مجموعة من الناشطين و الصحفيين و بعض المواطنين الشرفاء , وقبله ايضاً كانت هنالك تحركات واسعة النطاق لحزب المؤتمر السوداني , الذي تقبع قيادات صفه الأول في السجون حتى لحظات انسكاب هذا الحبر , اما الحركات المسلحة فقد قامت بمهر خطابات خجولة للتضامن مع الحراك الجماهيري في الداخل , و دعت انصارها للتلاحم والاندماج مع حركة الجماهير الثائرة , ولكن حسب مشاهدتنا ومتابعتنا لم نر هذه المشاركة بالشكل المطلوب , لماذا لا تتحد جميع مكونات هذه القوى الثورية ؟ احزاب و جماعات مسلحة وتنظيمات شبابية وطلابية وناشطين , لقد مهدت الظروف الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد , لأن تبدأ شرارة الرفض و المقاومة من جميع الناس , فالظرف الآن اصبح مواتياً للفعل الوطني و الثوري الفاعل , لقد اوصينا من قبل بضرورة تشكيل حكومة منفى عاجلة , لكي تشرف على رعاية جنين الانتفاضة الذي بدأ يتخلق في رحم هذا الشعب المكلوم , ولتكون هذه الحكومة جاهزة لتسلم مقاليد الامور , حتى تقي المواطن المسكين شر الدخول في لعبة جديدة من الاعيب شد الحبل.
إنّ من اكبر معيقات العمل النضالي الموحد للمعارضة هو رمادية مواقف حزبي الأمة و الإتحادي , فاليوم لا توجد منطقة وسطى ما بين مساعدة رأس الدولة المهدد بالاسقاط , وما بين تبني الخط المناويء و المعارض لحكومة الهوس الديني , فالمشهد يشبه كثيراً موقف الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش من الارهاب , عندما شن حملته الشهيرة في محاربة التطرف حينما قال : (اليوم تمايزت الصفوف وعلى جميع الدول الاختيار ما بين الوقوف في صفنا او الوقوف في صف الارهاب) , وهي نفس الظروف التي يمر بها السودان هذه الايام , فاما ان يقوم الامام السيد الصادق الصديق عبد الرحمن المهدي , بسحب ابنه مساعد الرئيس من الحكومة و معه مولانا محمد عثمان الميرغني , الذي يجب عليه هو ايضاً ان يقوم بذات الخطوة , في سحب ابنه المساعد الآخر للرئيس المهدد بالازاحة , او تلحق بهما جريرة واثم تمكين الظالم و الوقوف بجانبه الى آخر ايامه , لقد جد الامر ولن يكون هنالك متسع من الوقت للحزبين الكبيرين (سابقاً) , لتقديم المبررات الواهية في اسباب إشراك هؤلاء الابناء السياديون للطاغية , ومساندتهم له في الاستمرار والبقاء على الكرسي هذه الفترة الطويلة من اعمار اجيال الشباب السوداني , برغم الازمة الاقتصادية المستحكمة التي اذلت الشعب السوداني , فان استمرار مشاركة ابناء هؤلاء السادة للحاكم الذي جوّع شعبه , يعتبر عار و فضيحة اخلاقية , لن تؤهل هذين الحزبين الى لعب أي دور سياسي فيما بعد سقوط نظام الهوس الديني , فالآن بدأ الحزب الشقيق لحزب المؤتمر الوطني والمشارك في ما سميت بحكومة الوفاق الوطني , التي جائت بعد مؤتمر الحوار الوطني المقبور , بدأ هذا الحزب الشقيق (المؤتمر الشعبي) في التململ , و صدرت تصريحات من بعض رموزه عبرت عن يأسهم في اصلاح حال البلد مع هذا التوأم , فاذا كان الشقيق قد ترك شقيقه فما بال رفقاء الطريق العابرين , و بعضاً من محسوبي المؤتمر الشعبي قد طالبوا حزبهم صراحة بالانسحاب من هذه الحكومة المحتضرة , فاصبح حال المشاركين في نظام البشير كحال سكان السفينة تايتنك , التي غرقت بطريقة دراماتيكية لم تصدقها العقول , فسعيد الحظ هو من يلوذ بسانحة القفز باكراً و الارتماء في طوق للنجاة , حتى يقي نفسه تداعيات غرق هذه السفينة الانقاذية.
الحراك الجماهيري الذي خاضته احزاب الشيوعي و الجمهوري و المؤتمر السوداني , والتنظيمات الشبابية و الطلابية عبّر عن ألم الشارع السوداني , و حرك مياهاً كثيرة ركدت في حفر وبرك ساحات الاحياء و المدن السودانية , فهذه القوى الوطنية هي التي ستحدث التغيير المرتجى , وما على الحركة الشعبية وحركتي تحرير السودان وحركة العدل و المساوة , الا ان يصدروا توجيهاتهم بتحريك جماهيرهم للتظاهر , واكمال لوحة الوطن المنقوصة التي شوهدت في التظاهرة الاخيرة , وعليهم ان يتداركوا الضربات الأستباقية التي يخطط لها النظام , فقد رشحت بعض المعلومات التي تفيد بأن المنظومة الانقاذية تعمل بجد واجتهاد هذه الايام , على تهيئة وتجهيز بديل لها من داخل تنظيمها , ليحل محل النظام القائم بعد الانهيار , فاذا لم تتطور رؤية المعارضة و لم تسعى للتنسيق بين جميع مكوناتها , خارجياً وداخلياً , عسكرياً ومدنياً , لتكون ماثلة الحضور في مسرح الحدث , فان المثل القائل : (الرماد كال حماد) سوف يحكي عن حالها يومئذ , و سوف تبدأ دورة جديدة من حكم الانقاذيين وحينها تصدق مقولتهم الشهيرة , في انهم لن يتنازلوا عن الحكم , وانهم سيسلمون مقاليده ومفاتيحه للنبي عيسى بن مريم عليه السلام , بعد ان ينزل للناس مهدياً في آخر الازمان.
فحتى لا تكون الانقاذ بديلاً لنفسها , على جميع مكونات القوى الثورية السودانية ان تستعجل عملية التنسيق الوثيق فيما بينها , لاحداث الجاهزية التي تؤهلها لأن تكون هي البديل , فحال التشرزم الذي ضرب هذه الكيانات لن يحقق الهدف المنشود من تلك الاجندة المكتوبة في محاضر اجتماعات هذه الكيانات , فلو ان هذا الضعف الذي ضرب جسد هذه المنظومة الانقاذية , قد تطابق مع حال أي شعب من الشعوب المقهورة التي تجاورنا , لفعلوها ما بين ليلة وضحاها , و لقلبوا عاليها سافلها , فالحيرة قد الجمتنا جميعاً , ماذا نحن فاعلون ؟ لقد تضافرت كل عوامل انيهار امبراطورية الفساد , ونحن نقف موقف المتفرج , وما اشبه الليلة بالبارحة , عندما كان العميد عمر حسن احمد البشير وطاقمه الانقلابي يتجولون بين الناس , مبشرين بمشروع دويلتهم الهلامي , في تلك الايام حدثت طرفة في ديار المسيرية تعبر عن حالنا اليوم ونحن نكتفي بمشاهدة تخبط الانقاذ وهي تعاني سكرات الموت , ولا نحرك ساكناً , لقد صدرت الطرفة من حكيم المسيرية عمنا الراحل (الشبكة) , عندما وفد الى احدى المناسبات الاجتماعية مجموعة من ابناء القبيلة الذين كانوا ضباطاً في الجيش السوداني , الذين احالتهم الانقاذ للصالح العام , وعمنا (الشبكة) جالس في ركن قصي بآخر امتداد (الصيوان) , كان هؤلاء العسكريون يشغلون رتباً عليا في المؤسسة العسكرية قبل مجيء الانقاذ التي جعلتهم هائمين على وجوههم , فسئلوه مستنكرين جلوسه الحزين على هامش المجلس , واستفسروا منه عن السبب الذي جعله يعتزلهم , فكان رده في غاية الاستفزاز بالنسبة لهم : ((انتم لستم برجال , قبل مجيء انقلاب البشير كانت الحكومة عبارة عن امرأة فائقة الحسن والجمال متبرجة وواهبة نفسها للجميع على قارعة الطريق , فلم يستطع احد منكم ان يتجرأ عليها , الى ان جاء هذا الفحل المسمى بالبشير فوطأها)) , فاليوم يتكرر ذات المشهد ونفس السيناريو , فمن منا يتجرأ ويفعلها.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة