مقالات وآراء

ثورة الجياع ..

كما قلنا من قبل ان نظام الانقاذ سوف يسقط بعامل التفتت الداخلي , و الفشل الذريع في التلكوء وعدم الاستجابة لمتطلبات المواطن الغلبان , والان بدأت بوادر هذا التآكل و الانهيار تلوح في افق مظاهرات الخبز و الرغيف , فالى وقت قريب كان تحدي منظومة الانقاذ مع المعارضين لها هو السفسطة السياسية و التنظير الفطير والتبجح وتسطيح الرأي المناويء لها , اما اليوم فقد اصبح التحدي بينها وبين المواطن في الطعام ولقمة العيش , الأمر الذي لن يصبر عليه أحد كبير كان او صغير , فعندما يفشل الحاكم في توفير رغيف الخبز لمواطنيه , فانه يكون قد كتب على نهايته بنفسه وذلك بتجويعه المتعمد لشعبه , مع سبق اصراره وترصده لمواطنيه , فالجوع كافر و لا يترك للمرأ مثقال ثانية من صبر , ففراغ البطن من الغذاء يصيب كل اجزاء الجسم بالشلل , ابتداءً من المخ و الاعصاب , فلا إيمان ولا رحمة لجائع ولا انتظار , فمع جفاف الريق يصبح كل شيء مباح ومتوقع , فالموت هو الموت , سواء كان بطلق الطاغية ام بغول فراغ المعدة , لقد صبر الناس على كل المخازي التي اوصلتهم اليها منظومة البشير , لكنهم لن يستطيعوا مع شح رغيف الخبز ان يمدوا حبل هذا الصبر طويلا , فقد بلغت الروح الحلقوم و الجميع اليوم ينظرون , فولي الامر لا تصدق ولا منح رعيته جوالاً من القمح ليكملوا به صنيع وجبتهم , بل كذب عليهم وتولى , و باعهم وهم الوعود الخائبة , بدعاية رفع الحظر الاقتصادي عن البلاد , تلك الرواية الكذوبة و الالعوبة الساخرة من سذاجة وطيبة شعب تكسوا هامته البساطة , فاليوم قد اوصل المواطنون رئيسهم الى باب الخروج , ممزقين كل اوراق وعوده الزائفة لهم بانه سوف يقوم بتحسين احوالهم , واحسان مآل حالهم المعيشي.
منذ ان تحرك قطار الانقاذ من قبل ثلاثة عقود من الزمان , لم يدع كل ما من شأنه تخريب الارض و الزرع و النسل , الا و قام بفعله وباجادة وبراعة وتفنن , لقد دهست هذه القاطرة على بذرة كل نبت في مهد مراحل نموه الاولى , فبترت مشاريع الانتاج من جذورها , واغلقت المصانع العملاقة و شردت ارباب الاسر , وساهمت بوعي خبيث في افشاء رذائل السلوك البشري السالب , في اوساط المجتمع الذي تميز بالكرم و الشهامة و الجود و الفزعة , فهذه القاطرة الانقاذية أتت بما لم تأت به سابقاتها من منظومات الحكم المركزية في بلادنا , ففي عهدها اصبحت الرذيلة تمشي بجرأة فاضحة في طرقات المدن و القرى و البوادي , ولاول مرة في تاريخ البلاد التي عرفت في السابق بجودة صادرها من الثروات الزراعية و الحيوانية , ان تحولت الى تصدير الهوى الى مراكز التجارة الاقليمية و العالمية , فالانحطاط لازم هذه المنظومة الظالمة في حلها وترحالها , شوّهت سمعة شعب وارض كانت لوقت قريب مضرب مثل في العفة و حسن السيرة و براءة السريرة , ولكأنما جائت هذه الجماعة من اجل خوض معركة ثأرية مع شعبها المسكين الطيب و المسامح , فقد اندست في جسد الوطن و المواطن كخلية سرطانية قاسية النمو و التمدد , عنيفة الفتك بالخلايا الطيبة التي تساكنها ذات الجسد , فتّاكة بكل من يقترب منها من اصحاب الهمم و النوايا المفيدة , ناشرة انشطتها السرطانية هذه في كل مكان يحاول ان ينبض بالخير و بالحياة.
ان ضريبة تغيير الانظمة الطاغوتية غالية وباهظة الثمن والتكاليف , فبقدر ما تم من تدمير للارواح و الممتلكات من قبل هذه الجماعة الباطشة , سيكون المقابل في ازالتها من على ظهر هؤلاء الفقراء الجائعين ذو عبء كبير وحمل ثقيل , فالدماء التي سالت في جبل مرة و جبال النوبة و كجبار و بورتسودان , هي جزء يسير من مهر التغيير وازالة قوى الظلم و العدوان , فبعد القهر الذي مورس بحق هؤلاء البؤساء من ابناء الشعب السوداني , من المؤكد ان ردة فعلهم ستزداد عنفاً وقوةً في مواجهة هؤلاء الظلمة الفاسدين , فقوة ارتداد السهم الذي يقذف به القاهر على صدور الفقراء و المساكين عظيمة وخارقة , وهي كفيلة باذابة كل هذه القمم من جبال الطغيان التي بناها و أسس لها الدكتاتور , فشاشة جهاز قياس اداء قلب هذه المنظومة الانقاذية يميل رسمه البياني الى الخط المستقيم , الذي هو اشارة الى التوقف و مفارقة الحياة , وقريباً انشاء الله سوف يحتفل الغلابة بغياب شبح الموت و الجوع و المرض الى الأبد.
اليوم اكتملت كل اركان ثورة الجياع , تلك التي حدثتنا عنها الحقائق التاريخية , و التجارب الانسانية على مر العصور الماضية , فالشعوب السودانية عانت كثيراً من ويلات الحروب في اطراف البلاد , ومن شح الغذاء و غلاء الخبز و المواد الاستهلاكية في المدن الكبيرة , ففي الماضي القريب كانت المعاناة على اشدها , في المناطق المتأثرة بالحرب في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الازرق , لكن اليوم اصبح الجميع مشدودون بحبل مشنقة الانقاذ و مجملهم بين الحياة و الموت , وهذه المعاناة الشاملة هي الترس الذي سوف يعجل بكنس جماعة الهوس الديني الى مزبلة التاريخ , كما يقول المثل الشعبي : ( موت الكتيرة عرس) , فقريباً سوف تدق الدفوف و يخرج محمد احمد المسكين من حالة الحزن و الفقر و الفاقة التي لازمته عدداً من السنين , وسيحتفل بانتهاء دور آخر سادن من سدنة هذا النظام الباطش , فختام هؤلاء الظلمة سيكون بيد هذا المحمد احمد وليس بيد احد غيره , فهو الجدير بان يتوج نفسه بشرف ازالة الطاغوت الذي جثم على جسد أمة الامجاد اكثر من ربع قرن مما نعد..

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com

مقالات ذات صلة